لماذا قد يرحل "حمد" قبل الأسد؟

لماذا قد يرحل "حمد" قبل الأسد؟
القصص | 24 يونيو 2013
يستخدم النظام السوري عدد من الأدوات والأساليب والسياسات التي تسمح له بالسيطرة على المجتمع وإدارة أزماته، وذلك استنادا لبنيته وطبيعته الأساسية، كنظام مستبد من الدرجة التي لا تسمح بأي مساحة اعتراض أو نشوء بؤر مقاومة مدنية في مساحات لعبه الشاسعة، إذ جلّ ما يُسمح به "ديكورات معارضة" يدلّل من خلال وجودها على "إصلاحه" و "نبل مقاصده" دون أن يترتب على الأمر أي معنى تنفيذي سوى تجميل الاستبداد.

أحد سياسات النظام السوري التي طالما برع في استخدامها حين يتهدد وجوده كنظام، هي العمل على إطالة الأزمة لزمن طويل جدا، بغية انتظار متحولات دولية يعمل باتجاهها، ملاقيا لاحتمالاتها باستراتيجية جديدة وعلاقات جديدة تسمح له بإطالة عمره، ناهيك عن كونه هو نظام أزمة بامتياز، أي أنه يحسن إدارة الأزمات والخوض فيها والتعيّش عليها. ومن هنا كان ذهاب المعارضة باتجاه السلاح هو "أضحية الرب" التي وفرتها المعارضة لهذا النظام، بغض النظر عمّا إذا كانت المعارضة ذهبت للسلاح رغما عنها و بدفع من النظام أو نزولا عند أجندة خارجية تستهدف تدمير الدولة السورية (ونحن نعتقد أن الأمر ولد أولا بفعل عنف النظام و ونما وتطور بفعل الأجندة الخارجية)، فإن الأمور بوقائعها ونتائجها حتى الآن أوصلت إلى أن تصب بخدمة النظام الذي سعى لتحويل الانتفاضة إلى أزمة ( الحرب) يستمر وجوده بوجودها، أزمة جعلت من شعارها "محاربة الإرهاب وجبهة النصرة" وهو ما ساهم في حشد مؤيديين جدد له في معركته ضد الإرهاب داخليا وخارجيا، ناهيك عن تحييد قطاعات شعبية كثيرة انكفأت خوفا على حياتها ولعدم رؤية من يمثلها في هذا الصراع، مع خسارة المعارضة للكثير من شعبيتها ومصداقيتها في الداخل السوري. هنا ذهب النظام إلى "الأزمة" التي نجح في جرّ البلاد والمعارضة إليها، مدججا بخبرة تمتد لعقود طويلة من الغوص في مستنقعات المنطقة، إذ تمرّس في حرب الثمانيات ضد الإخوان ( 1979-1984) وفي الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975- 1990)، وكان طرفا سياسيا في الحرب الإيرانية/ العراقية، وساهم بدعم حزب العمال الكردستاني وتأمين مقرات تدريب له في البقاع اللبناني ورعى تكوّن حزب الله اللبناني، ليراكم الخبرات في العراق بعد احتلاله في دخوله على خط "اختراق القاعدة" كما كشفت ويكيلكس عن مسؤول أمني سوري. فهذا النظام الخبير بالأزمات ومنظماتها وإدارتها، تمكن من دفع المعارضة إلى "الأزمة" التي يجيد مداخلها ومخارجها و يمتلك أوراق لعبها، في حين أن المعارضة التي انساقت نحو العسكرة دون أن تملك أية أوراق لعب أو مفاتيح، مما دفع أطياف منها للارتماء في أحضان الخارج الذي وظّفها وقوداً في معركته ضد النظام السوري.

وهنا حين تمكّن النظام بمساعدة الخارج من بلوغ الأزمة التي يريد، عمل على استخدام خبراته وبنك معلوماته الذي راكمه طيلة عقود، معتمدا على دراية كافية بـ"مجتمع مفخخ" (كما يقول ياسين الحاج صالح) يعرف مكامن قوته وضعفه وكافة تفاصيله، مستدعيا الأدوات التي تساعده على ضبط الأزمة وإدارتها، ومن هنا نشهد عودة حزب العمال الكردستاني ( الذي سمح النظام له بالتدرب في البقاع اللبناني سابقا) تحت اسم " مجلس شعب غرب كردستان" و دخول حزب الله الأزمة السورية وظهور " أورال" كقائد للمقاومة الشعبية! والتهديد بفتح جبهة الجولان مع احتمال فتحها حقا، مع ظهور كتائب مسلّحة متطرفة لا يعرف إن كانت موّظفة من قبل النظام أم هي ضده حقا في جوقة الاستثمار (من قبل النظام وخصومه الدوليين) لكل هؤلاء اللاعبين على الأرض السورية!

توازيا مع ذلك، يطرح النظام الكثير من المبادارت والحلول التي تستهدف شق صفوف المعارضة أو الخصوم بين من يصدّق إصلاحاته وبين من لايصدقها بغية كسب الوقت، إضافة إلى قبوله أية مبادرة فهو لم يرفض مبادرة الجامعة العربية ولا مبادرة جنيف ولا المبادرة المصرية والعراقية، بل يعمل على تشجيعها ومناقشتها كلها بغية كسب المزيد من الوقت، إضافة إلى طرحه "مشروعا إصلاحيا" يطبّق على أرض الواقع ليّدل على أنه "ماض بمسيرة الإصلاح"، وفي الوقت نفسه تكون أجهزته الأمنية تمارس عملها المعتاد في القمع والسجن وملاحقة الخصوم وحجب الإعلام والحقيقة، ليتم تحقيق هدفين: الأول التغطية على هذا القمع، والثاني تشتيت الخصوم و تجديد شرعيته أمام مؤيديه. توازياً مع إدارة الأزمة أيضا، يعمل النظام على إطالة أمد الأزمة طالما أن الظروف المتوفرة حاليا لا تسمح له بالخروج منتصرا أو محافظا على الحد الأدنى مما يريده، عاملا بنفس الوقت على استشراف تغيّرات دولية قد تـأتي بها نتائج الانتخابات في دول فاعلة عالميا وقد تعمل على تغيير موازين القوى أو توفير غطاء له، للدفع باتجاه حسم عسكري يبتغيه (حرب الثمانينات ضد الإخوان) أو تسوية وفق شروطه (الحرب الأهلية اللبنانية التي يعتبر هو المنتصر الوحيد بها).

ولعل ما حصل في لبنان بين عامي 2005 و 2007 يدل على ذلك، فالنظام الذي تعرض لضغوط دولية لإخراجه من لبنان تمّكن أن يحد من خسائره من خلال إطالة أمد الأزمة عبر حلفائه اللبنانيين الذين اعتصموا في الساحات، إلى أن برزت متغيرات دولية أدت لرحيل جاك شيراك الذي كان المحرّض الأساسي والساعي لتطبيق (1559) ومجيء ساركوزي الذي اتجه نحو تهدئة الأمور لتدخل تركيا وقطر على خط التهدئة ويشكلا غطاءا للنظام السوري استمر حتى عام 2011.

المفيد ذكره هنا أنه توازيا مع انتظار هذه المتغيرات يعمل النظام بشكل حثيث وساعي على تشويه سمعة خصومه (بعضهم مشوّه أصلا ومتورط في أجندة مشبوهة مما يسهل مهمة النظام)، وتقليص شعبيتهم وهذا أمر هام قلّما ينتبه له في الصراع الدائر الذي يتجاهل أن أمزجة الشارع وولاءاته تتغير بين شهر وشهر آخر، فالنظام السوري الذي كان شبه منبوذ شعبيا طيلة فترة السلمية في الانتفاضة السورية أضحى اليوم ملاذا ولو لفترة قصيرة بالنسبة لقطاعات شعبية لا يستهان بها ليس لأنها معه، بل لأنها تخشى البديل الذي فقدت الثقة به أيضا، والمعارضة التي كانت شعبيتها كبيرة جدا خسرت الكثير من شعبيتها، وهذا أمر طالما برع النظام فيه، وهو أحد أهداف استراتيجة إطالة الأزمة، وما تأجيل الانتخابات النيابية اللبنانية إلا جزء من ذلك، لأن أية انتخابات الآن لن تصب في صالح الفريق الموالي للنظام السوري في لبنان.

ما انتظره النظام من متحولات دولية بعد أن أمسك قسم من مفاتيح الأزمة الداخلية بيده قد بدأ يحصل، فها هي واشنطن تخلت عن "رحيل الأسد فورا" لصالح حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات يرحل بنهايتها، وهاهي تركيا بدأت تغرق في مستنقع المنطقة من جهة، وتعاني أزمة ديمقراطيتها التي كشفت هشاشة العلاقة بين الإسلاميين والديمقراطية من جهة ثانية، وهاهي التقارير تتحدث عن رحيل أمير قطر الذي كان عرّاب إسقاط الأسد ( وليس النظام بالضرورة) في آب! فهل يتعلم خصوم النظام قبل فوات الأوان؟ وبنفس الوقت هل يدرك النظام أن المتحولات الدولية التي ينتظرها قد لا تأتي في صالحه دائما، وثمة أنظمة أكثر خبرة وعنادا منه وقد طواها الزمن؟ أم فالج لا تعالج؟! المقالات لا تعبر عن رأي روزنة بالضرورة انما تعبر عن رأي كاتبها.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق