في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها معظم مناطق سوريا، بات موسم إعداد المؤونة كابوساً يثقل كاهل السوريين في شمالي غربي سوريا، وقد تحولت لدى البعض إلى رفاهية زائدة لا يمكن توفيرها.
شكّل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار نتيجة تدهور قيمة الليرة التركية، وهي العملة المتداولة في المنطقة (تساوي اليوم 26،90 أمام الدولار الأمريكي)، عائقاً أمام توفير مؤونة الشتاء التي اعتاد عليها السوريون، والتي باتت أمراً صعباً، أو مستحيلاً لدى البعض الآخر.
"الجاهز أَوفر"
يعتبر شهر آب الأكثر ضغطاً من بين الأشهر على السوريين، من حيث إعداد المؤونة الشتوية، ففيه تجفف العائلات الفليفلة الحمراء، والملوخية، وباذنجان المحاشي، والمخللات، والمكدوس، وغيرها من مؤونة الشتاء.
إدلب.. حلول لإعادة تدوير ثياب العيد: "لو عنّا ما قصرنّا!"

ارتفاع أسعار الخضار، قبل وبعد إصدار "حكومة الإنقاذ السورية" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" قراراً بربط أسعارها بالدولار الأمريكي، جعل شراءها بالجملة أمراً مرهقاً على العائلات من أصحاب الدخل المحدود، أو التي ليس لديها دخل أساساً.
تعتقد ميساء، وهي سيدة من مهجري ريف إدلب الجنوبي، أنه لم يعد هناك حاجة للتعب في إعداد المؤونة الشتوية، فكل ما تريده يتوفر في البقاليات ومحلات العطارة، "أساساً الجاهز أوفر".
تقول ميساء في حديث لـ"روزنة": "شراء الخضار طيلة شهر أو شهرين بالجملة لإعداد المونة أمر صعب ومرهق، إضافة إلى التكاليف الباهظة، يمكنني شراء ما أحتاجه من محلات البقالة، فأشتري كل شهر ما أحتاجه، مثلاً الفليفلة الحمراء المجففة الناعمة بالغرامات، أو الملوخية المجففة، أو قديد الباذنجان للمحشي".
وتستدرك السيدة السورية قائلة: "صحيح أن النكهة مختلفة ولا تشبه ما أعده بيدي في المنزل، إلا أنه بديل مقبول نوعاً ما في الظروف الراهنة".
تكلفة عالية على الغالبية
من الأطعمة المفضلة لدى السوريين على موائد الإفطار، المكدوس الذي يعتبر من أهم وصفات المطبخ الشامي، والذي يعتمد على أربعة مكونات أساسية، الباذنجان والفليفلة الحمراء والجوز وزيت الزيتون.
يحتاج تجهيز مطربان (قطرميز) مكدوس وزن 4 كيلو غرام، إلى 10 كيلو باذنجان (الكيلو الواحد المخصص للمكدوس بـ 5 ليرات تركية)، و 10 كيلو فليفلة حمراء (الكيلو الواحد بـ 6 ليرات تركية)، و200 غرام جوز (سعرها 100 ليرة تركية)، وكيلو غرام زيت زيتون (الكيلو الواحد بـ 110ليرات تركية).
بحسبة بسيطة وفق معدل وسطي لأسعار المكونات، فإن تكلفة المطربان الواحد تساوي، تقريباً، 325 ليرة تركية، ولا يكفي العائلة المكونة من 5 أشخاص أكثر من أسبوع، تقريباً.
"مكدوس أشو يا عين عمك"
في حين استبدل البعض المكونات الأساسية بمكونات أرخص ثمناً، لم يتمكن كثيرون من تأمين أية كمية من مؤونة المكدوس، هذا العام، بسبب عجزهم الاقتصادي.
حاولت رقية تأمين الأكلة التي يحبها أطفالها، ضمن الإمكانات الاقتصادية المتاحة، فهي معلمة تعمل براتب 120 دولاراً أمريكياً، بينما يعمل زوجها موظفاً في شركة خاصة، براتب لا يتجاوز 1200 ليرة تركية، وعليهم تأمين أجرة المنزل قبل كل شيء، والتي تبلغ 75 دولاراً أمريكياً، شهرياً.
تحدثت رقية لـ"روزنة"، بالقول: "استبدلت زيت الزيتون بالزيت النباتي (سعر العبوة 1 ليتر 45 ليرة تركية)، كما استعضت بالفول السوداني عن الجوز، وخفضت الكمية السنوية، ليس هناك حل آخر".
قد يهمك: مزارعو عفرين ضحية اشتباكات الفصائل العسكرية

وفي تقرير سابق، أعدته "روزنة" عن ارتفاع سعر زيت الزيتون في إدلب، والذي يتراوح اليوم سعر التنكة 16 كيلو غراماً بين 70 و 85 دولاراً، قالت أم ربيع وهي سيدة كانت تعتمد على الزيت النباتي المقدم من المساعدات الإنسانية في تأمين مؤونة المكدوس: "مستحيل بهي السنة أعمل مونة مكدوس، إذا تنكة زيت الزيتون صارت فوق 85 دولار، وعندك البيتنجان (الباذنجان) والفليفلة الحمراء والجوز، يعني أقل شي بدك تحسب حسابك على شي 100 دولار لتعمل كم قطرميز ما بيكفوا شهر".
وتؤكد أم ربيع أن البديل الذي كان حاضراً عن زيت الزيتون بات اليوم بعيد المنال، فتضيف: "كنت في السنة الماضية أخلط نصف زيت زيتون ونصف زيت نباتي مما أجمعه من السلة الغذائية الشهرية، أما بهي السنة ما ضل في مساعدات تكفي ولا في زيت زيتون ينخلط".
بينما أجاب العم فؤاد على سؤالنا له عن مؤونة المكدوس التي أعدوها لهذا العام، بقوله: "مكدوس أشو يا عين عمك، مو لنلاقي حق الخبز بالأول"!؟
ويعاني غالبية الأهالي في شمالي غربي سوريا، كغيرهم من السوريين، من تردي الأوضاع المعيشية، نتيجة تدهور الليرة التركية أمام الدولار، وانخفاض مستوى الدخل، إضافة إلى قلة فرص العمل، وارتفاع الأسعار.
ذلك الواقع الصعب حوّل موسم المؤونة إلى ما يمكن وصفه "رفاهية" تغيب عن معظم العائلات، بعد أن كانت تشبه المهرجان الشعبي الذي يدخل كل منازل السوريين، وأحد طقوسهم الاجتماعية.
الكلمات المفتاحية