تحدّث الأسبوع الفائت، محمد العصيري، رئيس الجمعية الفلكية السورية، عن "علاقة القمر بنجاح العمليات الجراحية الكبيرة"، ما أثار تساؤلات السوريين عن حقيقة تلك المعلومات.
وعبر إذاعة "المدينة إف إم" المحلية قال العصيري إن "دراسات كثيرة أكّدت وجود علاقة مباشرة بين أطوار القمر ونجاح العمليات الجراحية".
وأضاف: "إجراء العمليات الجراحية الكبيرة كعمليات القلب المفتوح يجب أن تتوقّف عندما يكون القمر بدراً"، وذلك لأن "أطوار القمر تؤثّر على الدورة الدموية لدى الإنسان كتأثيرها على البحار والمحيطات".
ونصح العصيري، بإجراء العمليات الجراحية بين اليوم 5 – 12، والتوقف عن إجرائها بين 12 – 16، والعودة لإجرائها من 16 – 28 من أيام الشهر القمري.
وتابع: "لوحظ أنّ البدر يتسبّب برفع ضغط الدم، هذا ما يجعل العمليات الجراحية خطرة".
وفي إطار عمل روزنة حول تقديم الأخبار المستندة إلى حقائق، ومكافحة نشر الأخبار الكاذبة كشائعات أو تضليل ومعلومات مغلوطة، تواصلت معدة المادة مع ثلاثة أطباء للاستفسار عن صحة المعلومة التي ذكرها المسؤول السوري.
سألناهم عن صحة تأثير حركة القمر على نجاح العمليات الجراحية، وعلاقة أطوار القمر بالدورة الدموية، وهل يتسبب البدر فعلاً بفشل العمليات الجراحية؟
"كل سنوات تخصصي لم أقرأ عنها"
الطبيب خالد قدور، اختصاص جراحة عامة، قال لروزنة بشكل مباشر إن ما ذكر أعلاه "ما هو إلا خرافة".
بدوره، يشير الطبيب الأردني، محمد بن هاني، استشاري جراحة عامة ومنظار، أنّ تلك المعلومات لم يرها إلا بصفحات السوشيال ميديا السورية: "كل سنوات مهنتي وتخصصي لم أقرأ عن تأثير أطوار القمر على نجاح العمليات الجراحية"، يقول لروزنة.
إجراءات لنجاح العملية الجراحية
وبيّن الطبيب خالد قدور أنه وقبل أي عمل جراحي "مهما كان نوعه"، هناك عدة إجراءات مهمة لنجاح العملية، كأن يطلب استشارة من أطباء آخرين مثل طبيب القلب وطبيب الكلية.
ويحتاج المريض قبل العملية إلى حجز موعد، و"فحوصات مثل رسم قلب، تخطيط قلب، تصوير الصدر بالأشعة السينية" وأهم إجراء "تصوير الشريان السباتي".
وبعد إجراء الفحوصات يتم طلب تحاليل (دم، بول… ) للاطمئنان على الصحة العامة للمريض.
ويطلب الطبيب أيضاً من المريض الامتناع عن الطعام لمدة تتراوح ما بين 8 و12 ساعة، من أجل عدم حدوث تفاعلات بين مواد التخدير والطعام والشراب، والتوقف عن أخذ مميعات الدم قبل أسبوع من إجراء أي عمل جراحي.
وبعد ذلك يتم إعلام المريض عن ساعة الحضور إلى المستشفى يوم العملية.
بالطب لا وجود لحركة القمر!
كذلك عرضنا المعلومات التي ذكرها المسؤول السوري، على طبيب جراحة آخر، فضل عدم ذكر اسمه لتواجده في مدينة حلب، وقال إن أي شي متعلق بالطب يجب أن يكون موثّق ومذكور في الدراسات العلمية، ولا يوجد شيء في الطب اسمه "حركة القمر".
وأكّد لنا أنّه في تحديد العمل الجراحي، أول وأهم شيء هو الاستطباب، أي أن حالة المريض إما تستدعي عمل جراحي أو لا.
في حال كان المريض لا يحتاج إلى عمل جراحي، ويوجد حل آخر لمرضه غير الجراحة، لا يجب على الطبيب تقرير أي عملية جراحية بحقه.
قبل العملية الجراحية، على الطبيب معرفة عمر المريض وأمراضه ومشكلاته، في دراسة مفصلة، وحتى إن لم يكن هنالك أمراض.
ويوجد عدة إجراءات يجب اتباعها، تحديداً عمل تحاليل كاملة، وصورة صدر إن كان فوق الـ 30 عاماً، واستشارة قلبية وإيكو قلب.
ويشير الطبيب الجراح إلى أنه أحياناً لا يتم اكتشاف وجود مشكلة إلا أثناء التحضير لعمل جراحي، حتى وإن لم يكن لدى المريض مشكلات صحية.
وأوضح أن هناك بعض العائلات يكون لديها مشكلة في التخدير أو ما يسمى "ارتفاع الحرارة الخبيث"، هذه الحالة يجب إعطاؤها نوع من الدواء إن لم يكن متوفراً في المستشفى يسبب وفاة المريض أثناء التخدير.
أيضاً هناك أمر مهم جداً في العمل الجراحي، غائب في سوريا، وفق الطبيب، وهو شرح تفاصيل العملية الجراحية والاختلاطات المتوقعة عنه بكل شفافية للمريض ومرافقيه، وأخذ موافقة مكتوبة أنّ المريض يعرف كل شيء عن وضعه.
ولفت إلى أنّ هناك مرضى يدخلون إلى غرفة العمليات دون معرفة أو إدراك العمل الجراحي الذي سيخضع له، أو الاختلاطات ما بعد الجراحة.
ومن الأمور المهمة أثناء الحديث عن الجراحة، هي أن الكثير من العائلات تحاول معرفة خصوصية المريض، كل فرد فيها، وهو أمر غير قانوني، فالمريض له خصوصية، وحصراً لا يجب أن يعرف أحد بوضعه الصحي سوى هو نفسه أو ولي أمره.
اقرأ أيضاً: اللون الأحمر في مجرى نهر بردى.. فرضيات وإجابات
ماذا تقول الدراسات؟
في دراسة نشرت منتصف عام 2017 بموقع "ncbi" المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية في الولايات المتحدة، المتفرع عن معاهد الصحة العالمية، تحت عنوان: "تأثير المراحل القمرية على المضاعفات في جراحة الساد" أي (إعتام عدسة العين) وهو إجراء يستخدم لإزالة عدسة العين، وتبديلها بعدسة صناعية في أغلب الحالات.
قيّمت الدراسة خلالها "الارتباطات المحتملة بين المضاعفات في جراحة الساد ومراحل القمر أثناء مروره عبر الأبراج".
وذكرت الدراسة التي استهدفت نحو 17 ألف مريض أنّ "المعتقدات الشعبية تمارس تأثير المراحل القمرية على الجراحة الاختيارية".
تم استخراج أسماء المرضى الذين يعانون من مضاعفات أثناء جراحة الساد بأثر رجعي، من قاعدة البيانات السريرية من 2010 إلى 2014، حيث تم الاطلاع على تواريخ العمليات الجراحية فيما يتعلق بمرحلة وموقع القمر (علامة البروج).
وخلصت الدراسة إلى أنّ مراحل القمر أو علامات الأبراج أو تاريخ معين لم يكن لها تأثير على العمليات الجراحية الخاصة بالمرضى، حيث أصيبت 132 عين بمضاعفات من بين 17 ألف عملية جراحية، ولم تكن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين عدد المضاعفات تحت علامات مختلفة من الأبراج، ولم توجد مضاعفات في أيام منتصف الشهر.
وفي دراسة أخرى نشرت عام 2009 تحت عنوان: "الجانب المظلم للقمر: تأثير أطوار القمر على البقاء على المدى الطويل والوفيات الناتجة عن جراحة سرطان الرئة".
قالت الدراسة، إنه من الخرافات الشائعة والتي تسبب الارتباك و الخوف، وبخاصة لدى المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية للسرطان، هي أن "مراحل القمر تؤثر على نتائج الجراحة"، حيث أجريت هذه الدراسة لتحليل تأثير القمر على النتيجة بعد جراحة سرطان الرئة.
خضع 2411 مريضاً لاستئصال الرئة بسبب سرطان الرئة، خلال الثلاثين عاماً الماضية، تم استخراج المضاعفات أثناء وبعد الجراحة، وكذلك بيانات المتابعة طويلة الأجل في قاعدة بيانات سرطان الرئة، وتم تحليل العوامل التي تؤثر على الوفيات والبقاء على قيد الحياة.
وخلصت الدراسة إلى أنه "لم يتأثر معدل المضاعفات أثناء العملية وكذلك معدل الوفيات بعد الجراحة بشكل كبير بمراحل القمر، علاوة على ذلك ، لم يكن هناك تأثير كبير للدورة القمرية على البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل".
وفي هذه الدراسة لم يكن هناك دليل على أن نتيجة جراحة سرطان الرئة تتأثر بالقمر.
قد تساعد هذه النتائج الطبيب على تهدئة عقل المرضى الذين يخافون إلى حد ما من التوقيت الخاطئ للجراحة فيما يتعلق بمراحل القمر، ومع ذلك يجب أن يأخذ المرضى الذين يؤمنون بشدة بتأثير مرحلة القمر على محمل الجد ويجب التنازل عن التوقيت الصحيح للعمليات طالما أن الجدول الزمني الرئيسي لا يقيد أنظمة العلاج القائمة على الأدلة، وفق الدراسة.
ولتوسيع قدراتكم في التحقّق من المعلومات الكاذبة والمضلّلة ندعوكم لزيارة منصة "المستفسر الرقمي" التدريبية، عبر الضغط على هذا الرابط.
للاستماع إلى المادة عبر فقرة "فيك نيوز" على راديو هوا روزنة: