فروقات الأسعار بين مناطق شمالي غربي سوريا ترهق المواطن 

من أسواق إدلب في شهر رمضان 2022- روزنة
من أسواق إدلب في شهر رمضان 2022- روزنة

اقتصادي | 11 مارس 2023 | روزنة

تقف أمينة على الطريق الواصل بين إدلب وعفرين في منطقة دارة عزة تنتظر سيارة تقلها إلى مدينة عفرين، بغية شراء مواد تموينية لعائلتها المكونة من أربعة أطفال، أكبرهم لم يتجاوز 14 عاماً.


اقرأ أيضاً: جدل وتفاعل.. مول في إدلب يثير رواد الـ"سوشيال ميديا"



أمينة نازحة من ريف إدلب الجنوبي إلى واحد من المخيمات المنتشرة في ريف حلب الغربي، تضطر إلى شراء احتياجاتها المنزلية من عفرين لما تجده من فرق في الأسعار بين مناطق إدلب ومناطق عفرين وأعزاز.

تقول أمينة التي فقدت زوجها قبل ثلاثة أعوام في قصف لقوات النظام، وتعيل أسرتها من خلال عملها في الخياطة "أحاول أن أشتري كافة احتياجات أسرتي من مدينة عفرين، وأتسوق منها مرتين خلال الشهر، لما أجده من فروقات في الأسعار بين دارة عزة وعفرين".

وتضيف أمينة "لا يتجاوز المردود المالي من عملي في الخياطة 300 ليرة تركية، أحاول بها أن أحافظ على استمرارية تأمين مأكل ومشرب أطفالي".

وعند سؤالها عن القيمة الموفرة من التسوق من مناطق عفرين قالت: "يمكن أن تبلغ قيمة التوفير 100 ليرة تركية، وأستفيد منها في تأمين المستلزمات المنزلية الأساسية الأخرى والاتصالات".


أزمة معيشية عامة


تعاني معظم العائلات السورية سواء في مناطق إدلب الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، أو في مناطق ريف حلب الشمالي الواقعة ضمن منطقة نفوذ "الجيش الوطني" والحكومة السورية المؤقتة من أزمة معيشية خانقة، وارتفاع عام في الأسعار، إلا أن هذا الارتفاع متفاوت في كلا المنطقتين، علماً أن نسبة كبيرة من البضائع مصدرها واحد في أسواق إدلب وأسواق عفرين وأعزاز والباب.

يتأثر الوضع المعيشي للحاج أديب، المعيل لأسرته المكونة من سبعة أشخاص، والمقيم في قرية دير حسان على الحدود السورية التركية بقيمة الليرة التركية، والتي أصبحت عملة التداول الرسمية في مناطق إدلب، يقول: "أصبحنا نتابع قيمة الليرة التركية بشغف لما يرتبط بتراجعها أمام الدولار من ارتفاع أسعار المواد الأساسية"، والعكس ليس صحيحاً مع تحسنها مقابل ما وصفه بـ "الأخضر الأمريكي".

ويضيف الحاج أديب "تستمر معاناة سكان إدلب مع الأسهم الصاعدة والهابطة لقيمة العملة المتداولة، ولطالما عجزنا عن تأمين معظم احتياجاتنا الأساسية مع فترة هبوط الليرة السورية أمام الدولار، وذلك قبل اعتماد الليرة التركية، ولم يتغير حالنا بعد اعتماد التركية".

وتعود أسباب الارتفاع العام في أسعار المواد والبضائع الأساسية وتوفرها، إلى انخفاض قيمة الليرة التركية المعتمدة للتداول في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" و "الجيش الوطني"، وإلى ارتفاع معدل التضخم. واعتمدت حكومتا "الإنقاذ" في إدلب، و"المؤقتة" في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" شمالي حلب الليرة التركية عملة للتداول منتصف عام 2020، إثر الانهيار الذي عصف بالليرة السورية.

 إلا أن العملة التركية لم تستمر في حالة مستقرة لأكثر من عام بعد اعتمادها في مناطق شمالي غربي سوريا، فارتفعت من 8.8 مقابل الدولار الأمريكي، لتتجاوز اليوم حاجز 19 ليرة تركية، ونتيجة لذلك ولارتباط الاقتصاد السوري في مناطق سيطرة "الإنقاذ" و "المؤقتة" بالاقتصاد التركي ازدادت المشكلات المؤثرة على القدرة الشرائية باستيراد ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد (التضخم المستورد).

يقول ياسر وهو معلم رياضيات في إحدى مدارس صوران حلب، إن "متوسط مدخول الأسرة في مناطق سيطرة الجيش الوطني أو الحكومة السورية المؤقتة لا يتجاوز 500 ليرة تركية، وفي أحسن الأحوال 700 ليرة، وهذه المبلغ لا يسد فواتير الكهرباء وتأمين مياه الشرب ومادة الخبز".

ويحرص ياسر على تأمين مصادر دخل إضافية مع مهنة التعليم للاستعانة بها على ما وصفه بـ "جنون الأسعار" ولتحسين القدرة الشرائية اللازمة لمتطلبات أسرته.

وبذلك تكون المشكلة المؤثرة على ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية عامة في مناطق سيطرة المعارضة، إلا أن ارتفاعها في مناطق سيطرة "حكومة الإنقاذ" مرتبط بأسباب أخرى لا علاقة لها بمشاكل انخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع نسبة التضخم المستورد وارتفاع مؤشرات البطالة.


أسعار متفاوتة في منطقتي سيطرة مختلفتين


تجهز الممرضة فاطمة عبيد من مدينة أريحا مع بداية كل شهر قائمة بعدد من المواد الاستهلاكية المنزلية اللازمة لترسلها لشقيقها منتصر العامل في قسم الشرطة المدنية في مدينة الباب، وعند سؤالها عن سبب تأمين هذه المستلزمات من مدينة الباب، أجابت فاطمة "لا تتجاوز أجور عملي في المستشفى الوطني بأريحا 400 ليرة، وأعيل ثلاثة أطفال وزوجي المقعد بسبب شلل أصابه في قصف بالبراميل المتفجرة عام 2015، ولا يمكنني تأمين أكثر من عبوة زيت نباتي وخمسة كيلو من الأرز، ومثلها من السكر مع الخبز اليومي خلال الشهر بقيمة 400 ليرة تركية".

وتضيف فاطمة "تصل فروقات الأسعار بين بعض المواد في أريحا ومثيلاتها في مدينة الباب إلى 15 ليرة تركية، وقد تصل الفروقات بالإضافة للسعر إلى النوعية وجودة المواد المتوفرة في الباب وأعزاز".

وبنظرة على قيمة المواد الاستهلاكية الأساسية نرى وجود بعض الفروقات بين نفس المواد، ومن نفس العلامة التجارية والجودة، ففي بقالات مدينتي عفرين وأعزاز يتراوح الكيلو غرام من السكر بين 14 و 16 ليرة تركية، بينما يبلغ سعره في إدلب 17 ليرة مقابل كغ واحد من السكر.

سيارات نقل الركاب بين مناطق إدلب ومناطق عفرين وأعزاز والباب أصبحت لنقل المواد الغذائية والتموينية، بحسب ما أفاد به ممدوح أبو عمر سائق "ميكروباص" على خط أعزاز- إدلب، والذي يقول في حديثه لـ "روزنة": "تراجعت نسبة الركاب المنتقلين من إدلب إلى أعزاز وبالعكس خلال الأشهر الماضية، باستثناء موظفي المنظمات الإنسانية والمرضى، ويرجع السبب إلى ارتفاع أجور النقل الناجمة عن ارتفاع أسعار المحروقات من جهة، واستبدال الركاب بالمواد الغذائية الأرخص ثمناً في أعزاز وعفرين".

يتأسف السائق ممدوح لعدم قدرته على نقل الركاب واستبدال ذلك بالمواد الغذائية، ويقول "يمكن حجز مقعد للمواد الغذائية بقيمة 40 ليرة وهي نفس قيمة أجور نقل الراكب من أعزاز إلى إدلب"، إلا أن المواد قد تعرض السائق لمسائلات على "حاجز الغزاوية" التابع لـ"هيئة تحرير الشام"، والفاصل بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة "الجيش الوطني". 

يتحدث أبو عمر وهو تاجر تجزئة في مدينة حارم، قائلاً "ترتفع قيمة البضائع في إدلب عن نظيراتها في مناطق شمال حلب بشكل وسطي ما قيمته خمس ليرات تركية، وترتفع هذه النسبة مع ارتفاع أسعار المواد المستوردة من مصدرها، إلا أنها لم تنخفض مع انخفاض أسعارها من قبل المستوردين".

ويضيف أبو أحمد عند سؤاله عن نوعية البضائع وعلاماتها التجارية، أن "البضائع في أسواق إدلب ومناطق شمال حلب هي نفس البضائع، حتى أن جزءاً منها من مستورد واحد يغذي الأسواق في المنطقتين".

وفي حديث خاص لأحد مستوردي المواد الغذائية من تركيا، لم يرغب في الإفصاح عن اسمه، قال "تغذي شركتنا السوق الداخلية بنوعيات محددة من المواد الغذائية والاستهلاكية، كالأرز والسكر والزيوت النباتية، ونطرح هذه المواد في أسواق إدلب وأسواق ريف حلب الشمالي بنفس السعر، إلا أن التعريفات الجمركية تلعب دوراً في بعض الفروقات السعرية، وتزيد على المواد قيمة مضافة ناجمة عن القيمة المالية المفروضة من قبل المعابر التي تشرف عليها الحكومة المؤقتة، أو معبر باب الهوى الذي تشرف عليه حكومة الإنقاذ".

وأشار إلى أن القيمة المضافة على أسعار الشحنات المستوردة مرتفعة في معبر باب الهوى قياساً مع المعابر الأخرى في شمال حلب. 

 فالرسوم المفروضة على 1 طن من السكر في المعابر التي تشرف عليها الحكومة المؤقتة تصل إلى 8 دولارات، بينما تصل إلى 10 دولار أمريكي في معبر باب الهوى.
 

ارتفاع الأسعار في إدلب ناتج عن الاقتصاد المغلق


الخبير الاقتصادي نضال الخطيب يقول: "منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على مناطق إدلب، وتمكينها حكومة الإنقاذ التابعة لها، عمدت إلى خلق بيئة اقتصادية مقيدة ومغلقة على نفسها ومفصولة اقتصادياً عن المناطق السورية الأخرى المجاورة".

واستخدمت "الهيئة" في ترسيخ هذه البيئة الاقتصادية المغلقة حكومة الإنقاذ ومديرياتها المختلفة، بالإضافة لمؤسسات وشخصيات اقتصادية تابعة لقياداتها بشكل مباشرة بمثابة "حصان طروادة"، الذي يمكنه من إحكام قبضته على اقتصاد إدلب، ويمكنه من تدمير القدرات الشرائية لسكانها".

قد يهمّك: مخابز دمشق آخر ضحايا نقص المحروقات



"لا يمكنك متابعة عملك التجاري إن لم تكن مقرباً من أحد أمنيي الهيئة"، هكذا تحدث التاجر الحلبي أبو وسيم، والمهجر إلى إدلب، عن الوضع التجاري في ظل سيطرة "هيئة تحرير الشام"، ويضيف أبو وسيم، "نعمل كعائلة في تجارة القهوة منذ أكثر من 60 عاماً، ونستورد البن من البرازيل وأندونيسيا والهند، إلا أننا لجأنا للعمل في تداول العملات الرقمية بسبب القيود التي فرضت علينا من قبل سلطات الإنقاذ وهيئة تحرير الشام".

وعند سؤاله عن بناء علاقات مع الأمنيين أو أصحاب النفوذ، قال: "يمكن متابعة العمل واعتبار "هيئة تحرير الشام" كشريك يحصل على 70 بالمئة من الأرباح، دون المشاركة برأس المال أو تحمل مخاطر التجارة".

ويتسبب تحكم هيئة تحرير الشام بجميع المفاصل الاقتصادية في إدلب بارتفاع الأسعار، ووجود الفروقات بينها وبين مناطق شمالي حلب، ما يؤدي إلى غياب المنافسة الحقيقية، يضاف إلى ذلك جشع التجار المستوردين للمواد الأساسية، والذين يعمدون في بعض الأحيان لاحتكارها من أجل رفع سعرها. 

تفاقم مشكلات عدة منها التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية والبطالة من الأزمة المعيشية للسوريين في مناطق إدلب، وشمالي حلب، إلا أن السياسات الاقتصادية لحكومة الإنقاذ تعمق من هذه الأزمة، وتضع الأهالي في إدلب أمام خيارات صعبة في مواجهة الجوع والفقر والعجز عن تأمين المواد الأساسية اللازمة. 


* أنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيات وصحافيين من سوريا من تنظيم "أوان" وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي International Media Support". 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق