أطاح الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بالحالة الكرنفالية المجانية التي كان يستمتع بها الفقراء ومتوسطو الدخل أثناء متابعة مونديال كأس العالم. وباتت كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية محاصرة بالشركات الراغبة في جني الأموال منها، حيث تواطأت إدارة "فيفا" معهم، بتحويلها إلى تجارة رابحة بحجة الاستفادة المالية لصالح الاتحاد.
اقرأ أيضاً: ضياع الفرصة الأخيرة من الحلم بنهائي "رجل شجاع"

وبعد أن كانت الشاشات الرسمية تستطيع نقل الفرح إلى منازل البسطاء من الشعوب، أصبحت تمنح حقوق البث الحصرية لقنوات تلفزيونية بعينها.
ابتكار الحلول في مواجهة المال
لم ينتبه الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 1954 بسويسرا، عندما سمح ببث مباريات المونديال إلى 7 دول هي إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية وبلجيكا والدنمارك وهولندا وسويسرا، إلى فكرة حقوق البث التي ستدر عليه ذهباً كما هي اليوم.
فالبداية في تحصيل الأموال كانت مع بيع حقوق البث للمحطات التلفزيونية الرسمية، حيث كان سعر المبيع يحدد كل عام بسعر مختلف، حتى جاء انهيار الشركة الأوروبية، مالكة حقوق البث "كيرشن" في عام 2002.
في هذه المرحلة خصوصاً في مونديال 2006 تفتحت عين الاتحاد الدولي لكرة القدم على الاستفادة المباشرة من الأموال ودون أي وساطة، وحسب ما يؤكده موقع "كورة"، فإن "قيمة حقوق البث التليفزيوني التي باعها "فيفا" لشركة (انفرونت) عقب انتهاء مونديال 2002 مباشرة مليار و185 مليون دولار، ووصلت قيمة حقوق بث مباريات مونديال 2010 في جنوب أفريقيا إلى ما يقارب ثلاثة مليارات دولار، وهي أكثر من ضعف عوائد مونديال 2006، بينما بلغت حقوق البث لمونديال البرازيل 2014 مبلغاً يقارب أربعة مليارات دولار".
لم تعر إدارة "فيفا" خلال بحثها عن الأرباح اهتماماً لحرمان الملايين من الفقراء حول العالم من إمكانية حضور المباريات، بسبب عدم توفر ثمن بطاقات الاشتراك التلفزيونية للقنوات التي احتكرت حقوق المشاهدة الحصرية، ما جعل بعض النقاد الرياضيين يتحدثون عن هذه الخطوة، محذرين من تراجع شعبية "الساحرة المستديرة" حول العالم.
وبما أنه لا يمكن لعشاق كرة القدم تفويت فرصة متابعة هذا "العرس الكروي" العالمي، كونه يقام كل أربع سنوات، بدأ الكثير من الفقراء حول العالم بالبحث عن حلول بديلة، تمكنهم من ممارسة هواياتهم بتشجيع الفرق والمنتخبات العالمية.
بالمقابل، لم يتوانَ مشجعو ومحبو كرة القدم عن ابتداع طرق مختلفة لمشاهدة المباريات، وإن كانت غير قانونية وغير شرعية، من أجل مواجهة قرارات "فيفا"، حيث لجأ البعض إلى فك التشفير عبر برامج قرصنة خاصة، بينما بحث آخرون عن مواقع ويب عبر الإنترنت تنقل تلك المباريات مجاناً، وهو أمر يمكن في حين تمت ملاحقته من قبل "فيفا" أن تعاقب عليه بفرض غرامات وعقوبات، لكنها مع الكثير من المواقع المجهولة التبعية لم تستطع فرض غرامات مالية، فكانت تكتفي بإغلاقها.
المونديال فرحة السوريين المكلفة
أما عن محاولة السوريين بالهروب من واقعهم المرير، إلى بعض المتعة المفقودة على أرض الواقع، ومتابعتهم لمنتخباتهم وفرقهم المفضلة، لم يكن فقط قرار "فيفا" بتشفير المباريات هو العائق الوحيد، لتحقيق ساعتين من المتعة المتواصلة.
يشتكي المتابعون لمونديال قطر 2022 من أهالي دمشق عدم توفر الكهرباء، ما يدفعهم إلى اللجوء لحضور المباريات وتشجيع منتخابتهم ضمن مقاهي ومطاعم المدينة.
وعلى الرغم من أن بعض المقاهي أعلنت عروضاً لبث تلك المباريات مع بداية المونديال، مقابل مبالغ مقبولة نوعاً ما، بدأت بـ 5 آلاف ليرة سورية (دولار أمريكي واحد) تقريباً، إلا أنها ومع تقدم الأدوار وخروج فرق، واشتعال الحماس مع اقتراب موعد المباراة النهائية اليوم، وصل سعر تذكرة دخول أحد المقاهي في دمشق إلى 19 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل (ثلاثة دولارات) تقريباً.
الكلفة على المواطن الراغب بتشجيع منتخبه في مونديال كأس العالم 2022 لا تتوقف فقط على شراء بطاقات فك التشفير، بل تزيد عليها في بعض الأحيان سعر ليتر المازوت لتشغيل المولدة، وسعر المواصلات، وفي مرات أخرى التشاركية في الكلفة الكاملة بين الأصدقاء لمتابعة المونديال.
قد يهمّك: نهاية مشوار المنتخب المغربي بخسارة أمام كرواتيا

مشاهدة جماعية مجانية

أما في الشمال السوري، فقد أقامت بعض المنظمات المحلية مثل "فريق ملهم التطوعي" خياماً رياضية مزودة بشاشات بث كبيرة، لنقل جميع مباريات مونديال قطر في عدة أماكن، من بينها مخيمات للنازحين، وذلك بالتعاون مع سفارة الائتلاف السوري المعارض في دولة قطر.
بينما كانت المناطق الأخرى غير المزودة بالنقل المجاني أمام الحضور في صالات العرض المأجورة، والتي تتراوح فيها أسعار مشاهدة المباريات من 5 إلى 15 ليرة تركية، بحسب التكلفة التي ينفقها صاحب الصالة بين الكهرباء المستجرّة عبر الشركة، أو من تشغيل المولدات الخاصة. إلا أن الغالبية العظمى من سكان الشمال السوري، الشغوفين بمتابعة الرياضة لجؤوا كغيرهم في العالم إلى برامج فك التشفير.
المال الذي يفسد كل متعة تمكّن من إفساد الشغف بمتابعة كأس العالم، على الأقل عند السوريين الذين فقدوا الرغبة في كل شيء، بعد معاناتهم طيلة سنوات الحرب من مختلف المآسي والأوجاع.
الكلمات المفتاحية