بعد قرابة الشهر من وصول إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، اتصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وأجريا مباحثات هاتفية تناول فيها دعم الحل السياسي في سوريا.
ولعل عدم اتصال بايدن بنظيره التركي رجب طيب أردوغان حتى الآن يؤشر بأن العلاقة قد تزداد حدّة بين الدولتين رغم أنهما حليفتان. حيث رأت تقارير صحفية أنه إذا ما كان الترتيب الذي يتّصل به الرئيس الأميركي الجديد بنظرائه هو المرآة لحالة العلاقات الثنائية، فيفترض أن يشعر الرئيس التركي بالقلق، بخاصة وأن التوقعات قبل وصول بايدن للبيت الأبيض كانت تشير إلى توتر محتمل بين واشنطن و أنقرة، سواء بسبب الموقف من الأكراد في سوريا، أو كذلك فيما يتعلق بالتقارب الروسي التركي.
ولا تزال احتمالات التباعد بين الجانبين الأميركي والتركي غير قاطعة، لا سيما و أن الاتصال الذي جرى يوم أمس بين بلينكن و جاويش أوغلو، اتفق فيه الطرفين على تعزيز التعاون ودعم الحل السياسي للصراع في سوريا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في بيان أمس الإثنين، أن بلينكن شدد على الأهمية طويلة الأمد للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، والمصلحة المشتركة في مكافحة الإرهاب، وأهمية المؤسسات الديمقراطية، والحكم الموسع، واحترام حقوق الإنسان.
وحث الوزير بلينكن؛ تركيا على عدم الاحتفاظ بمنظومة صواريخ أرض-جو الروسية إس400، كما أعرب عن دعمه للمحادثات الاستكشافية الجارية بين حلفاء الناتو تركيا واليونان.
جاء ذلك عقب موجة غضب دبلوماسية تركية جراء بيان للخارجية الأميركية شكك بمقتل 13 تركياً على يد مسلحي حزب العمال الكردستاني، في العراق.
هذا و تقف العلاقات التركية الأميركية أمام مفترق طرق بعد توترات نشبت بين البلدين في الأيام الأولى من ولاية الرئيس بايدن، وفق رأي المختص بالشؤون التركية طه عودة أوغلو، الذي رجّح خلال حديث لـ "روزنة" أن تأخذ العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن مسارا مختلفا عما شهدته في عهد الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب على ضوء تعاظم الملفات الخلافية بين البلدين.
قد يهمك: "قسد" تتقدم خطوة لفك ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني؟

وتابع بالقول "تبرز قضية الدعم الأميركي للوحدات الكردية " قسد" في شمال سوريا على رأس أجندة القضايا الشائكة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة؛ لا سيما بعد تعيين إدارة بايدن لبريت ماكغورك بمنصب منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، و رغم كل المشاكل فإن الشراكة التركية الأمريكية تمر بمحطات حرجة مشوبة بعدم الثقة وتبادل الإتهامات والإنتقادات خاصة مع معرفة إدارة الرئيس بايدن بأن أنقرة لن تقبل باستمرار الدعم الأميركي للوحدات الكردية، في المقابل يعلم أردوغان أن واشنطن لن تتخلى عن دعمها للأكراد في سوريا بكل سهولة".
أيا يكن التصور في تركيا عن مسار العلاقات التركية الأميركية خلال المرحلة المقبلة؛ تبقى الحقيقة القائمة أن عددا لا يستهان به من التحديات سيفرض نفسه على البلدين في وقت يحتاج كل منهما إلى الآخر ( أمريكا بحاجة إلى تركيا في سوريا لمواجهة النفوذ الروسي والإيراني)، وهو الأمر الذي يُبقي الأمل قائما بتحسن هذه العلاقات، أو على الأقل ستمر بين المد والجزر خلال العام الأول من حكم بايدن، بحسب عودة أوغلو.
وأعلنت وزارة الخارجية التركية، يوم أمس، استدعاء السفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد، احتجاجا على بيان واشنطن بشأن مقتل 13 تركياً، وقالت الخارجية في بيان لها إنها استدعت "السفير الأميركي لدى أنقرة واحتجت بأشد العبارات حيال تصريحاته المتعلقة بالمجزرة المرتكبة من قبل بي كا كا الإرهابية".
قد يهمك: المفاوضات الكردية-الكردية تعود من جديد برعاية أميركية

وكانت الولايات المتحدة نددت أمس بقتل 13 مواطنا تركياً كانوا مخطوفين في شرق العراق، وأعلنت تركيا أنهم قتلوا على يد "حزب العمال الكردستاني" (PKK). إلا أن بيان الخارجية الأمريكية لم يحمّل "العمال الكردستاني" المسؤولية واكتفى بالقول إنه "يندد بقتل الأتراك إذا ثبتت صحة التقارير عن مسؤولية حزب العمال الكردستاني عنه"، الأمر الذي لم يعجب أنقرة.
في المقابل توجه الرئيس التركي إلى الولايات المتحدة بالقول خلال كلمة بالمؤتمر السابع لـ "حزب العدالة والتنمية" بولاية ريزة: "كنتم تزعمون أنكم لا تقفون بجانب "PKK" و "YPG" و "PYD"، لا شك بأنكم تدعمونهم وتساندونهم". في إشارة إلى غضب تركي من استمرار دعم الإدارة الأميركية للقوى الكردية، حيث ترى أنقرة بأن كل من "YPG" (وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا) و "PYD" حزب الاتحاد الديمقراطي (الذراع السياسي للوحدات) هم امتداد لحزب "العمال الكردستاني" في سوريا، والمدرج على قوائم الإرهاب لدى تركيا.
وأردف: "منذ الآن الجميع أمام مفترق طرق، إما السير جنبا إلى جنب مع تركيا ويتخذ موقفا ضد الإرهاب دون قيد أو شرط، وإما أن يكون شريكا في جرائم المنظمة الإرهابية"، ولوح بشن المزيد من العمليات ضد التنظيمات الموالية لحزب "العمال الكردستاني" في سوريا والعراق، مشيرا إلى أن "أي من قنديل وسنجار، وسوريا، لم تعد أماكنا آمنة للإرهابيين بعد الآن".
وأدت الأزمة التركية-اليونانية في شرق البحر المتوسط إلى توتر العلاقات بين تركيا وبقية دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي تتزعمه الولايات المتحدة، إضافة إلى أن مستقبل دور القوات الكردية في سوريا حلفاء واشنطن في محاربة "داعش" لا يزال معلّقا. غير أن القضية الاستراتيجية الأكثر إلحاحا تبقى مشكلة نظام الدفاع الروسي اس400.
الكلمات المفتاحية