لا يُعتبر اللقاء الذي يُنتظر نشره خلال الأيام المقبلة بين زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، و الصحفي الأميركي مارتن سميث، صادما من حيث انفتاح جهات غربية لمقابلة الجولاني، فليس هذا اللقاء الأول من نوعه، و إنما ما يثير التساؤل هو مخطط "تحرير الشام" ومن يقف وراءها حول ما إذا كانت الغاية استثمار وصول إدارة أميركية جديدة ترفع اسم الهيئة من قوائم الإرهاب.
في شباط 2020 نشرت "مجموعة الأزمات الدولية" لقاءا مطولا مع الجولاني، وقيل حينها وفق مراقبين أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب باتت ترغب في شطب تنظيم الجولاني عن قوائم الإرهاب لديها، إلا أن أي من ذلك لم يحصل، رغم أن الجولاني سعى في تلك الفترة لإبراز نفسه كقائد لتنظيم معتدل تدعمه الحاضنة الشعبية ويمكن للغرب والولايات المتحدة أن يعتمدوا عليه في "محاربة الإرهاب" على أراضي الشمال السوري.
الصحفي الأميركي، مارتن سميث، نشر يوم أمس الثلاثاء، عبر حسابه على "تويتر"، صورة له مع الجولاني خلال زيارته إلى محافظة إدلب، وعلّق سميث على الصورة بقوله إنه عاد لتوه بعد زيارة لمدة ثلاثة أيام في إدلب، حيث اجتمع مع أبو محمد الجولاني. ولفت الصحفي إلى أن الجولاني، "تحدث بصراحة عن أحداث 11 سبتمبر، وتنظيم القاعدة، وأبو بكر البغدادي، وداعش، وأمريكا وغيرها".
وليست المرة الأولى التي يظهر فيها الجولاني بلباس مدني إلّا أن ارتداء "الزي الرسمي" للمرة الأولى خلال لقائه الصحفي الأميركي يدعو للربط بين المشهد وسياسة الجولاني التي باتت جلية منذ أكثر من عام نصفت في التقلبات والتغيرات التي سبقتها عدة مراحل مماثلة، وفق المختص في شؤون الحركات الجهادية، عرابي عرابي.
و أضاف في حديثه لـ "روزنة" بأن الجولاني يريد الوصول للسلطة بأي صيغة كانت، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "الجولاني وتحرير الشام لم تنقطع لقاءاتهم مع الجهات الدولية الفاعلة سواء الأمريكان والبريطانيين، أو حتى ضمن قنوات تواصل مع الفرنسيين والألمان، وهذه القنوات لا تنقطع ولا تغلق".
قد يهمك: شكل جديد لإدارة إدلب خلال الفترة المقبلة؟

ولفت عرابي إلى أن تغيير الصورة الذي يسعى الجولاني إليه يرتكز على عدد من الأركان، أولها يتمثل بإعادة تعريف نفسه على أنه قائد معتدل وأن تنظيمه معتدل ومحلي، وأما الركن الثاني فيتجلى من خلال أن "تحرير الشام" تمتلك الشرعية المحلية وهو الذي يريد أن يتم الاعتراف بها ممثلا شرعيا للسوريين في الشمال. فيما يرتكز الركن الثالث على إعادة هيكلة الصفوف الأمنية والعسكرية في "تحرير الشام".
وفيما إذا كان الجولاني يسعى لاستغلال وصول رئيس جديد للولايات المتحدة، قال الباحث المتخصص في شؤون الحركات الجهادية أن "هناك قراءة عند الهيئة أن وصول الديمقراطيين للحكم هو فرصة يجب أن يغتنموها، ويمكن من خلال سميث تسويق رؤية هيئة تحرير الشام الجديدة".
بالمقابل نشر الحساب الرسمي لبرنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية عبر "تويتر" ظهور "الجولاني" في "البدلة الجديدة"، مذكرا بأنه لا يزال "إرهابيا" وفق التغريدة الواردة عبر حساب البرنامج.
وكان البرنامج ذاته أعلن عن مكافأة منذ أسابيع، قيمتها عشرة ملايين دولار، لأي جهة أو شخص يقدم معلومات عن مكان الجولاني وتحركاته، وقال البرنامج، في 24 تشرين الثاني الماضي، إن "الجولاني يتظاهر بالاهتمام بسورية، لكن الناس لم ينسوا جرائم تنظيمه جبهة النصرة (هتش) بحقهم"، وفق وصفه.
صحفيون أمام قيادات إرهابية
وحده كان الصحفي السوري تيسير علوني من وقع في شباك خطر مقابلة إرهابيين ونشر تصريحاتهم عبر وسائل إعلامية مقابل تعرضه للاعتقال في مرات متعددة منذ عام 2003 قبل أن يفرج عنه لاحقا، بعد أن واجه تهمة دعم تنظيم "قاعدة الجهاد" الإرهابي إثر المقابلات التي تم بثها عام 2001 مع أسامة بن لادن (زعيم القاعدة)، وآخر مع زعيم حركة طالبان الملا عمر.
اقرأ أيضاً: آخر أوراق الجولاني لمغازلة الغرب… هل يستفاد منها؟

فيما مرّت باقي اللقاءات الصحفية بسلام على من أجراها فلم تلحق بأحد منهم تهمة دعم الإرهاب من خلال الترويج لأفكار متطرفة أو التواصل مع جماعات مصنفة على قوائم الإرهاب، فاستطاع الصحفي المصري أحمد منصور عبر قناة الجزيرة؛ إجراء أول مقابلة مع أبو محمد الجولاني عام 2015، رغم عدم ظهور وجه متزعم "جبهة النصرة" آنذاك، وتبعه لقاء آخر بالجولاني عبر اجتماعه بعدة صحفيين سوريين بينهم صحفي يقيم في بريطانيا.

بينما يبقى مصير توجيه تهمة دعم الإرهاب للصحفي الأميركي مارتن سميث؛ مجهولا، فيما إذا أخذت واشنطن هذا المنحى في عهد إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، أم أن لهذه الإدارة رأي آخر في التعامل مع ملف الجماعات الجهادية في سوريا وفي مقدمتها "تحرير الشام".
كذلك فإن استمرار تعويم الجولاني والعمل على دعم تسويقه كقائد لتنظيم معتدل غير عابر للحدود يمتلك حاضنة شعبية ولديه قوة على الأرض تمكنه من مقاتلة أي قوة أخرى مصنفة على قوائم الإرهاب، يدفع للتساؤل حول الجهة التي تدعم الجولاني وحقيقة مساعيها التي تصر على الاستمرار بها مع اختلاف الإدارات الأميركية.
وكان وسّع "الجولاني" خلال العام الأخير من نشاطه وحراكه في مناطق شمال غرب سوريا، لتعويم نفسه شعبياً، بعد حالة السخط الكبيرة التي لاحقته والهيئة التي يقودها بعد سلسلة كبيرة من التصرفات المخالفة لتوجهات الحراك الشعبي، وبنظر مراقبين فإن الجولاني لايخفي نفسه وأن المعلومات التي تبحث عنها واشنطن ليست خفية عليها.
الكلمات المفتاحية