ضاقت الدنيا على اللاجئ السوري، محمد حبوش، وهو النازح في بلدة تعلبايا في محافظة البقاع اللبناني، بعدما حاصره شبح الجوع و "كورونا"، ليقدم على الانتحار بإحراق نفسه من أجل الخلاص من معاناة مستمرة منذ سنوات، زادت وطأتها في ظل جائحة "كورونا".
"الوكالة الوطنية للإعلام" اللبنانية، ذكرت أمس الخميس، أن اللاجئ السوري (م.ع.ح) 38 عاماً، توفي بعدما أقدم على إحراق نفسه في تعلبايا، بسبب تردي الوضع الاقتصادي وضيق سبل العيش.
وانتشرت تسجيلات مصورة للشاب ، محمد حبوش، بعدما حوّلت النار جسده إلى جثة متفحمة، تعتذر "روزنة" عن نشرها بسبب قساوة المشهد.
وأعلنت الأمم المتحدة في الـ 18 من شهر كانون الأول الفائت، أن 9 من أصل 10 عائلات سورية لاجئة في لبنان، تعيش في فقر مدقع جراء الانهيار الاقتصادي في البلاد.
اقرأ أيضاً: السوريون في لبنان المتأزم... لا يسعنا سوى الصبر!

عام بلا عمل
رائد حبوش، 41 عاماً، وهو شقيق الشاب المتوفي، قال لـ"روزنة": "إنّه التقى بشقيقه منذ أيام، وكان من الواضح أنّ نفسيته متعبة وهو يتحدث عن تردي الأوضاع المعيشية التي يعاني منها هو وعائلته المؤلفة من زوجته و 8 أولاد".
ويردف "قبل عام كان محمد يعمل ببيع الخضروات في محل مستأجر، اضطر لإغلاقه بعدما طالبه صاحب المحل بإخلائه، ومنذ عام إلى الآن لا يوجد مردود مادي كافٍ لإعالة أسرته، حيث اضطر إلى العمل باليومية (المياومة) فكان يعمل يومين في الأسبوع، ويقبض عن كل يوم 15 أو 20 ألف ليرة لبنانية، وهو ما لا يتناسب مع الوضع المعيشي في الآونة الأخيرة… زيت القلي النباتي 60 ألف فماذا تفعل الـ 20 ألف في اليوم الواحد؟".
وأوضح حبوش أنّ "صاحب منزل شقيقه المُستأجر، طالبه بالخروج منه منذ شهر لعدم قدرته على دفع الإيجار البالغ 500 ألف ليرة لبنانية، في الوقت الذي أمسى فيه أيضاً عاجزاً عن إطعام أولاده... ربطة الخبز لم يعد قادراً على شرائها، وأحياناً يضطر للاستدانة".
وقالت دراسة مشتركة بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" الشهر الفائت: "إن الانكماش الاقتصادي والتضخم الحاد وتفشي وباء كورونا، وأخيراً انفجار مرفأ بيروت، دفعت المجتمعات الضعيفة في لبنان، بما في ذلك اللاجئون السوريون إلى حافة الهاوية".
وأوضحت الدراسة أن نسبة العائلات السورية التي باتت تعيش تحت خط الفقر المدقع، بلغت 89 في المئة عام 2020 مقارنة بـ 55 في المئة العام الماضي، ونصفها يعاني من انعدام الأمن الغذائي.
قد يهمك: "كورونا" ذريعة جديدة لارتفاع مستوى العنصرية ضد السوريين في لبنان

محاولة انتحار سابقة
"الدولار دبح العالم" يقول حبوش بحرقة قلب بعدما خسر شقيقه بسبب الأوضاع الاقتصادية، وأشار إلى أن شقيقه حاول منذ شهر ونصف الانتحار من خلال رمي نفسه من الطابق الثاني، لكنه وإخوته استطاعوا اللحاق به ومنعه من ذلك.
تسعة شهور تواصل الشاب محمد حبوش مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين من أجل الخروج من لبنان، ولم يحصل إلا على وعود بالسفر، فكان الموت طريقه أسرع إلى محمد من السفر.
أبو أحمد، لاجئ سوري في الجنوب اللبناني، 51 عاماً، يقول لـ"روزنة": "الدولار هلك العالم، الناس ميتة من الجوع ما معها تاكل، كان الدولار بـ 1500 ليرة، اليوم بعد ما صار قريب الـ 9 آلاف ليرة لبنانية، الأسعار صارت خيالية، الشغيل كانت يوميته سابقاً 20 دولار (30 ألف ليرة)، اليوم يوميته 30 ألف، وهي عبارة عن 4 دولار تقريباً عالسوق السوداء".
ويضيف أبو أحمد، "معظم العائلات تعيش على المساعدات المرسلة من قبل المغتربين خارج لبنان، أنا عن نفسي أساعد شقيقاي قدر المستطاع، أحدهما عاطل عن العمل منذ أكثر من عام، والآخر منذ 5 شهور".
وسجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم الجمعة، ما بين 8650 و 8750 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد، فيما أعلنت نقابة الصرافين اللبنانية تسعير سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية حصراً وبهامش متحرك بين: الشراء بسعر 3850 حداً أدنى والبيع بسعر 3900 حدا أقصى، وفق موقع "ليبانون ديبايت".
اقرأ أيضاً: خيمهم وقودٌ للنيران.. سوريو مُخيّمات القهر لا بواكي لهم

وفي الخامس من نيسان الماضي، قضى لاجئ سوري في تعلبايا، بعدما أضرم النار بجسده، لعدم قدرته على دفع الإيجار الشهري، وقالت وسائل إعلام لبنانية، إن الشاب بسام الحلاق من مدينة داريا، أقدم على إحراق نفسه بسبب سوء الوضع المعاشي وعدم قدرته على إعالة أسرته بعد الحظر الذي فرضته السلطات اللبنانية بسبب فيروس كورونا.
الوضع الاقتصادي المتردي ألقى ظلاله على الجميع في لبنان، لكنه كان أشد مرارة على اللاجئين السوريين، فمنذ يومين أقدم شخص لبناني على إحراق نفسه بسيارته على طريق المطار، وعمد شباب إلى سحبه لمعالجته، ووفق موقع "المدن" فإن الشخص يعمل على سيارة أجرة ويعاني من مشاكل صحية ووضع مالي سيء جداً.
ومع ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في لبنان بشكل كبير، وبلوغ أقسام العناية في عدد من المستشفيات طاقتها القصوى، أعلنت السلطات اللبنانية في الخامس من الشهر الحالي فرض حجر صحي عام في البلاد ابتداء من يوم أمس الخميس، وحتى الأول من شهر شباط المقبل.
ووفق "الوكالة الوطنية للإعلام" فإن حظر التجول يسري من الساعة السادسة مساء، وحتى الساعة الخامسة صباحاً، كما سيتم تطبيق "قرار المفرد والمزدوج المتعلق بسير الآليات".
ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان من خطاب العنصرية والتنمر، ولا سيما في المخيمات، حيث أدى مؤخراً خلاف بين عدد من الشباب اللبنانيين وعمال سوريين في مخيم "بحنين" شمالي لبنان، إلى إحراق الشباب اللبنانيين للمخيم، وتشريد نحو 500 فرد بعد احتراق خيمهم وممتلكاتهم وأموالهم.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين في لبنان 879529 لاجئاً، وذلك حتى نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر 2020، فيما تقول السلطات اللبنانية إن عددهم تجاوز المليون ونصف المليون لاجئ. أصيب منهم 1369 بفيروس "كورونا"، وتوفي 31 وفق "منظمة الصحة العالمية".
الكلمات المفتاحية