بعد ثلاث سنوات ونصف من الأزمة الخليجية بين قطر و السعودية (تحالفت معها الإمارات ومصر والبحرين)، طوت قمة العُلا في السعودية، اليوم الثلاثاء، صفحة الخلاف الخليجي/العربي، وإن كانت هذه المصالحة بدون مقدمات؛ إلا أنها قد تكون مقدمة لحل عدة قضايا عالقة في المحيط العربي، يأتي على رأسها الملف السوري.
منذ صيف العام 2017 انقسمت عدة ملفات داخل رواق الأزمة السورية بين تيار -أسماه متابعون- محسوب على قطر وحلفها وتيار محسوب على السعودية وحلفها، ولعل التجاذب الخفي برزت حدته في الآونة الأخيرة عبر الخلاف الذي تصاعد داخل "هيئة التفاوض" المعارضة أواخر العام الفائت، فضلاً عن استمرار الاستعصاء في الحل السوري وسط غياب قوة عربية حقيقية فاعلة على الصعيد الديبلوماسي.
ووصل أمير قطر، الأمير تميم بن حمد آل ثاني، بعد ظهر اليوم إلى مدينة العُلا السعودية (مقر انعقاد القمة الخليجية)، حيث استقبله بحفاوة شديدة، ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان.
وكانت تقارير صحفية، ذكرت مساء أمس، أن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى أفاد بموافقة السعودية والإمارات والبحرين ومصر على رفع حصارها الجوي والبري لقطر، مقابل أن تتنازل الدوحة عن الدعاوى القضائية التي رفعتها على دول الحصار.
وأضاف أن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس دونالد ترامب، ساعد في المفاوضات، وسيحضر مراسم توقيع الاتفاق مع مسؤولين أمريكيين آخرين، من بينهم أمير الكويت الذي كان لبلاده دور كبير في تحقيق التقارب بين أطراف الخلاف. كما نقلت وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، عن ولي العهد السعودي قوله إن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستكون "قمة جامعة للكلمة موحدة للصف ومعززة لمسيرة الخير والازدهار".
قد يهمك: ما مضمون الرسالة التي نقلها مسؤول الحشد الشعبي إلى بشار الأسد؟

من المبكر الحكم على التأثير الإيجابي السريع للتقارب القطري السعودي على الملف السوري، غير أن الأثر السلبي الكبير للخلاف الخليجي على تحجيم الدور العربي في سوريا؛ يدفع للتساؤل عما إذا كانت خطوة التقارب القطرية السعودية ستستطيع تحريك جمود العملية السياسية في سوريا خلال وقت وجيز.
لا تأثير
المحلل السياسي، د.أحمد الهواس (رئيس تحرير موقع رسالة بوست) قال خلال حديثه لـ "روزنة" أن الخلاف الخليجي-الخليجي جاء بطلب أميركي، و قد تمت المصالحة بطلب أمريكي ومن مهندس الخلاف (صهر ترامب، جاريد كوشنر)، وفق وصفه.
وأضاف بأن "الثورة السورية، التي تحوّلت إلى قضية دولية، لن يفيدها الصلح ولا يضرّها الخلاف، فالنظام العربي الرسمي قاطبة ضد ثورات الربيع العربي لأنّها تهدد ذلك البناء القائم على تساند الأنظمة، ومن حاول دعم تلك الثورات -ولو بالحدّ الأدنى– تمت معاقبته".
وتابع "لقد تم نقل الملف للسعودية، منذ (عام 2012) و بدأ الالتفاف على الثورة وتمكين النظام منها وليس العكس… لن تجد تغييرا مهما على مسار الثورة السورية، فاللاعب الرئيس هي الولايات المتحدة، ولديها ورشتا هدم في سوريا (هما) إيران وروسيا، وبعد ذلك ستعمل أميركا على الخطّة المقدّمة روسيًا، وهذا ظاهر الأمر، وهي خطة أميركية بتحويل سوريا إلى كيانات مجتمعية، أي تحويلها إلى دولة فاشلة الأطراف أقوى من المركز، مع سيطرة الأقليات، في حال فشلوا بإعادة النظام".
الحل السوري لن يكون في وقت سريع!
الباحث السياسي، صدام الجاسر اعتبر خلال حديث لـ "روزنة" أن الخلاف الخليجي أفقد الشعب السوري موقفاً موحداً كان يمكن العمل معه في حل الأزمة السورية، و كذلك جعل من التنافس الخليجي على الساحة السورية منفذاً للنظام وروسيا ودول أخرى للاستفراد بالعمل بشكل كامل.
الجاسر رجح حصول تطورات ضمن الملف السوري، غير أنه استدرك بأن هذه التطورات لن تكون في وقت سريع، وتابع حول ذلك "في البداية سيعمل الخليجيون على إعادة ترتيب البيت الخليجي الداخلي، و أيضا إعادة ترتيب العلاقات مع تركيا، ومن ثم وضع استراتيجية مشتركة للعمل في سوريا".
وتضمن البيان الختامي لقمة "العلا" الخليجية، التأكيد على اعتماد مبادئ “جنيف 1″، وقرار مجلس الأمن رقم 2254، لعملية الحل السياسي في سوريا، كما أعرب المجلس الأعلى لـ "مجلس التعاون الخليجي"، إدانته التواجد والتدخل الإيراني في سوريا، مطالبا إياها بخروج كافة قواتها والميليشيات التي جندتها إضافة إلى "حزب الله" اللبناني.
فيما نوه الباحث السياسي إلى أن الخطر الايراني هو الدافع الأكبر الذي يجمع دول الخليج ويوحد كلمتها، وسوريا هي احدى الساحات للصراع مع هذا الخطر، ولكن الأمور قد تستغرق بعض الوقت بينما يتم العمل على إنهاء كل تبعات الأزمة الخليجية، خصوصا أن هناك بعض الدول الخليجية لم تتخذ موقف تصالحي بعد، وفق وصفه.
وأضاف في سياق مواز أن "التأثير على الملف السوري لن يكون سريعاً، ولكنه سيأخذ شكل خطوات سيكون لها تأثير مستقبلي، وفي النهاية فإن أي توحيد للصف العربي سيكون في صالح الشعب السوري لأن كافة الدول العربية تدرك أن النظام السوري لا يمكن أن يفك ارتباطه مع إيران التي تشكل خطراً على الخليج العربي، وبذلك فإن الموقف هو لصالح الشعب السوري في المستقبل القادم".
وكان رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم؛ قال أن بلاده ارتكبت خطأ في سوريا حينما دعمت فصائل تبين أنها تتبع لجبهة النصرة.
قد يهمك: هل تساهم المصالح السعودية-الروسية بدعم النظام السوري؟

وأضاف بن جاسم في حديثه لبرنامج حواري في تلفزيون قطر؛ تم بثه في شهر تشرين الأول من عام 2017؛ أنه حتى ولو تم دعم "جبهة النصرة" في البداية، ولكن عندما جاء الأمر الدولي بأن النصرة غير مقبولة توقف هذا الدعم.
وفي إشارة عن تخلي قطر لدعم الثورة السورية وهيئاتها السياسية -آنذاك- أشار بن جاسم أن بلاده ليس لديها أي مانع في بقاء بشار الأسد في حكم سوريا؛ وتابع قائلاً "ليس لدينا أي ثأر مع بشار وهو كان صديق لنا". وأردف متابعاً بأن الخلاف بين قطر والسعودية حول سوريا بدأ حينما غيرت السعودية موقفها من بقاء النظام السوري الحالي في الحكم؛ من غير أن تطلعهم السعودية على تغيير موقفها.
وأضاف في تعليقه على هذا الخلاف موجهاً حديثه للحكومة السعودية "أنتم كنتم معنا في خندق واحد؛ والآن غيرتم الموقف؛ لماذا لم تخبرونا؟ نحن أيضاً كنا سنغير موقفنا مثلكم". وشبّه سوريا بالـ"الصيدة" التي تنازعت قطر والسعودية عليها؛ حيث علق بمثل شعبي خليجي " تهاوشنا على الصيدة وفلتت الصيدة ونحنا قاعدين نتهاوش عليها".
الكلمات المفتاحية