سوريا: ورقة روسيّة جديدة تعرضها على واشنطن!

سوريا: ورقة روسيّة جديدة تعرضها على واشنطن!
سياسي | 08 سبتمبر 2020 | مالك الحافظ

بلا مقدمات ومراوغات روسية معهودة، قالها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم أمس خلال زيارته إلى دمشق مصحوباً بوفد روسي رفيع المستوى، بألا جدول زمني يحدد أعمال اللجنة الدستورية مشددا على استحالة ذلك، ليؤكد أن موسكو لن تضغط على دمشق في أي تغيير غير متوقع على صعيد الملف السياسي في سوريا، ومبيناً بأن موسكو ماضية في خلق مسار خاص داخل هذا الملف يُغلّب رؤيتها ويحافظ فيها على المنظومة السياسية الحالية يترأسها الأسد. 


زيارة الوفد الروسي وشت بأن موسكو و إن تقاربت مع واشنطن فإنها تريد الحفاظ على النظام السوري الحالي وإن كان بصيغة جديدة من سبيل التوافق مع الأمريكان على شخصية معارضة التقت بها خارجية البلدين مؤخراً تستلم رئاسة حكومة مقبلة خلال المرحلة المقبلة على سوريا بضمانات روسية وموافقة أميركية. 

تبدو المساعي الروسية باتجاه إحداث عودة العلاقات التركية مع دمشق أكثر حاجة لها من أي وقت سابق، فالاستعصاء في ملف إدلب بسبب الجماعات الجهادية و تأخير تفعيل طريق حلب-اللاذقية الدولي، وتعقيد المشهد في شرق الفرات، قد يدفع موسكو لاستثمار مذكرة التفاهم التي دعمها الروس للتقارب بين مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" و حزب الإرادة الشعبية المدعوم روسياً، من أجل استمالة الأتراك وارضاءهم بمعنى أن احتواء أكراد الإدارة الذاتية سيفتح الطريق أمام تقارب بـ 3 مسارات، مسد مع أنقرة من جانب ومع دمشق من جانب ثان، ما يؤدي بحال من الأحوال لتقارب آخر أوسع بين دمشق وأنقرة برعاية روسية، وهو ما كان أشار إليه بشار الأسد في شهر تشرين الأول الماضي باحتمالية حدوثه. 


اقرأ أيضاً: رسائل روسيّة يسلمها لافروف للأسد… ما أهمها؟


في المقابل تؤكد موسكو على ثباتها في طرح ضرورة إعادة الإعمار في سوريا بغض النظر عن مراحل عملية الحل السياسي، وهو ما كان يرفضه كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مشددين على وجوب الحل السياسي قبل الوصول لإعادة الإعمار، غير أن موسكو طرحت ثقلها بشكل أكبر من خلال التصدير بأن زيارة الوفد رفيع المستوى يوم أمس الاثنين كان هدفها الرئيسي توقيع اتفاقات لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع دمشق، بقصد مواجهة عقوبات قيصر وآثار العقوبات الأميركية والأوروبية.

لكن فيما يبدو أن موسكو تركت الباب موارباً للغرب حينما قال لافروف أن الوجود الإيراني يرتبط برغبة النظام السوري، مستبعداً في رسالته غير المباشرة أن تكون روسيا متمسكة بإيران على العكس فإن التقرب الاقتصادي من النظام السوري من قبل الأطراف المعاقبة سيطرد إيران مقابل المساهمة في إعادة الإعمار التي تبلغ كلفتها التقديرية 400 مليار دولار أميركي، وهو الورقة الجديدة التي باتت تلوح بها موسكو. 


قد يهمك: تناحر روسي-أميركي على الورقة الكردية بسوريا… ما النتائج؟ 


هذا وتبرز تأثيرات عقوبات "قانون قيصر" الذي فرضته واشنطن على اقتصاد دمشق من خلال تعميق العزلة الاقتصادية في سلسلة التوريد العالمية والنظام المالي الدولي، فضلا عن إحجام أثرياء سوريا عن الاستثمار في البلاد خوفاً من شدة العقوبات وتوسعها. 

فيما تواجه الاستثمارات الروسية التي تحدث عنها يوم أمس بشار الأسد أن نظامه اتفق مع الجانب الروسي على ضمان نجاحها، والمضي قدماً بتنفيذ اتفاقات اقتصادية، تواجه تحديات قد تساعدها واشنطن وبروكسل على تخطيها، يأتي في مقدمتها توقف المساعدات والمساهمات الدولية لدمشق بسبب عدم التوصل لحل سياسي، وصعوبة جذب الاستثمارات إلى الاقتصاد السوري بسبب قانون قيصر، وعدم إمكانية استئناف إنتاج النفط من قبل دمشق بسبب خروج حقول النفط عن سيطرتها.

أجندات روسيّة خاصة

الباحث في الاقتصاد السياسي، د.يحيى السيّد عمر، تساءل خلال حديث خاص لـ "روزنة" حول حقيقة المساعي الروسية لإنقاذ الاقتصاد السوري، و فيما إذا كانت هناك  أجندات روسية خاصة تم طرحها في زيارة الوفد الروسي يوم أمس مغلفة بغلاف المساعدات الاقتصادية.

و أضاف "تشير التصريحات المشتركة الروسية السورية إلى نية روسيا افتتاح 40 مشروعًا ضخمًا في سوريا؛ لا سيَّما في مجال الطاقة ومشاريع أخرى حيوية، والتي ينتظر منها تحريك الاقتصاد السورِي، وإخراجه من الدوامة التي دخل بها، إلا أننا -وباستعراض سريع لاستثمارات روسيا الأخيرة في سوريا- نجد أن غالبية الاستثمارات تصب في صالح روسيا، وليس سوريا، ففي استثمار مناجم الفوسفات قرب تدمر حصلت روسيا بموجب عقد الاستثمار على 70 بالمئة من العوائد مقابل 30 بالمئة فقط لسوريا، وفي عقد استثمار مرفأ طرطوس حصلت روسيا على 65 بالمئة وسوريا 35 بالمئة، وهذه النسب مجحفة للغاية بحق سوريا، وهذا ما يمكن القياس على أساسه فيما يخص الاستثمارات المرتقبة؛ فعلى الأغلب ستصب في مصلحة روسيا".

وفيما يتعلق بالتصريحات الروسية التي نوهت إلى مساعي روسيا لكسر الحصار الذي فرضته واشنطن على النظام السوري بفعل عقوبات "قانون قيصر"؛ فقد لفت السيد عمر بأن روسيا مهما علا شأنها لا يمكنها مواجهة أمريكا، ولا يمكنها البدء بأي إعادة إعمار دون موافقة أمريكية، و أسهب بالقول "الأمر الّذي قد يثير التساؤل هنا؛ لم هذا التوقيت في الحديث عن تأهيل البنى التحتية، مع أنها مدمرة منذ سنوات، وهنا يمكن القول بأن هذه الوعود مبنية على تفاهمات سرية أمريكية روسية، وحتما فإن أمريكا لن تقبل بهذا الأمر دون تنازلات جوهرية من قبل النظام بضمانة روسية، وقد تكون التنازلات هنا بالعلاقة مع إسرائيل، وإن لم تكن علنية، إضافة لمنح الأكراد حكما ذاتيا في إطار نظام فيدرالي، والأيام ستثبت صحة هذه التكهنات من عدمها".


اقرأ أيضاً: تسييس الملف الإنساني بسوريا… رسائل روسيّة إلى واشنطن وأنقرة


كما أشار السيد عمر إلى أن أي تحسين اقتصادِي مفترض ستستفاد منه طبقة محدّدة، "مقابل فتات لا تذكر لعموم الشعب، لا سيما أن الوضع الاقتصادي السوري -بالرغم من ترديه الحالي- لا يبرر الفقر المدقع للشعب السورِي الذي وصل متوسط دخله الشهري لـ 25 دولارا فقط، فأحد الأسباب الرئيسية للفقر -إضافة للحصار- هو الفساد المستشرِي في مختلف القطاعات، فلا يمكن الحديث عن تحسين واقع الشعب، ولكن يمكن القول بأن الاستثمارات القادمة ستخدم طبقة محددة".

وزاد بالقول في سياق متصل بأنه وفي الوقت الذي تتدنى فيه شعبية الأسد ضمن البيئة الحاضنة له؛ نتيجة تفاقم الفساد والفقر، فإن الوعود الروسية يمكن القول بأنها تأتي كمحاولة لزيادة شعبيّته؛ خوفا من أي تخل مستقبلي عنه، لاسيما أن الانتخابات الرئاسية ليست بعيدة، ومن المزمع إجراؤها العام المقبل، بحسب قوله.

و أضاف الباحث في الاقتصاد السياسي في جانب آخر بأن "روسيا لا تشكل دولة ناجحة إداريا، فللفساد السياسي والإداري في روسيا حصة واسعة؛ فمن غير الممكن أن تتمكن روسيا من تقديم خدمات إدارية للمنشآت الاقتصادية السورِية؛ فقدرة روسيا على الإدارة منخفضة نسبيا… تكاد موارد النظام الاقتصادية تنعدم، مما يجعله غير قادر أبدا على دفع فاتورة التدخل العسكري الروسي، فقد تكون هذه المشاريع المزمع إنشاؤها مساهمة في رد الدين الروسي، لا سيما أنها ستتم على الموارد السورِية، وبخاصة أن التوقعات تقول بوجود حصة مهِمة لسوريا في غاز شرق المتوسط، الأمر الذي دفع روسيا للاستعجال ببدء الاستثمار". 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق