بعد وفاة والد حنان، 32 سنة من الرقة، قرّرت والدتها وإخوتها الذكور تقاسم الميراث الذي تركه أبيها، والاستيلاء على حصة حنان وأخواتها البنات في الورث، لأنها امرأة ولا يريدون أن تذهب أملاك أبيهم إلى رجل غريب كما يصفون.
وتروي حنان (اسم مستعار) خلال حديثها مع "روزنة" أن أكثر ما آلمها هو وقوف والدتها إلى صف أشقائها الذين استولوا على نصيبها في الميراث، وتقول: "منذ أن كنا أطفالاً كانت أمي تقف إلى جانب إخوتي الذكور، وتسمح لهم بضربنا، وتحكي لنا قصصاً عن أن المرأة كائن شرير وغدار، ولا يجب الوثوق به، ونشأ إخوتي على هذه المفاهيم، وظلمونا ويظلمون زوجاتهم وبناتهم أيضاً، بمباركة من امرأة أخرى هي أمي".
وتتابع "بعد وفاة أبي بفترة وجيزة بدأ إخوتي في تقاسم الأملاك من أراضي وعقارات، وعندما طالبناهم بحقنا قالوا لنا ليس لكم حق عندنا اذهبوا إلى أزواجكم هم مسؤولون عنكم، ونحن لن نسمح بانتقال جزء من أملاك والدنا إلى أزواجكم الغرباء، قررنا أنا وأخواتي أن نشتكي إلى المحكمة، ولكن جوبهنا برفض من أزواجنا، الذين لا يريدون أن يعتقد إخوتنا أنهم طامعون في ورث زوجاتهم، فهذا أمر معيب بالنسبة لهم".
مطالبة المرأة بحقها في الورث "عيب"!
قصص أخرى مشابهة تعرضت لها العديد من النساء في الرقة، فالاستيلاء على حصص الإناث من الميراث عادةٌ منتشرة بكثرة وخاصةً في الأرياف، كما تقول خديجة، 25 سنة، والتي تنحدر من أحد قرى ريف الرقة.
تشير خديجة إلى أنها لم تسمع بامرأة أخذت نصيبها من الميراث في قريتها والقرى المجاورة، يعتبر رجال تلك المنطقة أن حصول النساء على حقهن في الميراث أمرٌ معيب، حتى أن معظم نساء تلك القرى يؤمن بذلك.
اقرأ أيضاً: بسبب خلاف على الميراث... حرّضت على قتل أمها في دير الزور
وتضيف "لم أسمع أن امرأة طالبت بحقها أو اشتكت للحصول عليه، الخوف من تسلط الذكور يمنعهن من ذلك، أنا والدي متوفي، ولم يتم تقاسم الورث إلى الآن، وأحصل على مصروفي الشخصي من إخوتي وهم يديرون أملاك أبي وحدهم، ولكن إذا حاولوا يوماً من الأيام تقسيم الورث لن أسكت، سوف أشتكي وأطالب بحقي مهما كلفني ذلك".
وتتابع "كل النساء اللواتي أعرفهن في منطقتنا لم يحصلن على حقهن في الورث، أولهن أمي، ترك والدها إرثاً كبيراً، ولكنها لم تحصل على شيء، وعماتي نفس الأمر، أذكر عندما كنت طفلة أن أبي وأعمامي جمعوهن بحضور محامي وأجبروهن على توقيع تنازل لصالحهم، عندما كبرت سألت عمتي لماذا قبلتي بذلك، قالت إنه ليس لديها خيار آخر، إذا اعترضت لن يسمعها أحد، وإذا اشتكت فسوف يعتبر الجميع أن هذه فضيحة كيف تشتكي أخت على أخيها! حتى لو كانت مظلومة لا يجب أن تشتكي، للأسف ما تزال هذه الأعراف الجاهلية موجودة إلى اليوم".
أملاكنا لا يجب أن تنتقل لشخص غريب!
أما أم أحمد ،36 سنة من الرقة، التي قتل زوجها بقصف للطيران على المدينة منذ ست سنوات، وترك وراءه بعض الأملاك، طردها أهل زوجها من البيت ولم يعطوها شيئاً من نصيبها في الورث هي وأولادها، بحجة أنها قد تتزوج وتذهب أملاك أخيهم لشخص غريب على حد قولهم.
تقول أم أحمد لـ"روزنة": "مات زوجي وترك لي ستة أطفال أيتام، واستولى إخوته على أملاكه ونسوا زوجته وأولاد أخيهم الصغار، طالبتهم بنصيبنا في المحل والأرض، ولكنهم رفضوا، قالوا عندما يكبرون أولاد أخينا سنعطيهم حقهم، أما أنت امرأة غريبة لا يحق لك المطالبة بشيء، قلت لهم إذاً أرسلوا لنا مصروف شهري لأطعم أبناء أخيكم، رفضوا ذلك أيضاً، وأرسلت لهم وساطات من أقاربهم ولم يردوا على أحد".
وتضيف "قررت أن أتجه للقضاء، ولكن أهلي منعوني من ذلك، لأن أهل زوجي لديهم وساطات ويعرفون أشخاصاً في القضاء والأجهزة الأمنية، وأنا لا أعرف أحداً وأخشى ردة فعلهم، أخاف أن يأخذوا أولادي مني، ولا أعرف ماذا أفعل".
قد يهمك: محرومة من الميراث (بالصوت)
التحايل على النساء لحرمانهن من الورث
أم علي ،42 سنة، من مدينة الرقة، تروي في حديثها مع "روزنة" كيف استولى إخوتها على نصيبها في الميراث، واحتالوا عليها باستغلال أميتها لتنفيذ مخططهم بعد أن طالبت بحصتها وهددتهم باللجوء إلى القضاء.
تقول أم علي: "بعد أن هددتهم قالوا لي حسناً ستحصلين على حقك في الميراث حسب الشرع، فرحت بذلك واستبشرت خيراً ولم أكن أعرف شيئاً عما كانوا يخططون له، أخذوني معهم إلى المنزل وبحضور محامي لا أعرفه، وضعوا أمامي أوراقاً وقالوا لي أن أبصم عليها، أنا لا أعرف القراءة والكتابة، وثقت بهم وبصمت عليها، ليتبين لاحقاً أني كنت أبصم على تنازل عن نصيبي في الميراث لصالحهم، لم أكن أتصور أنني سأتعرض للخداع منهم، ربما كنت ساذجة لأني اعتقدت ذلك".
وتردف "ولكن أبي أيضاً ظلمني وليس إخوتي فقط، ظلمني عندما لم يرسلني إلى المدرسة عندما كنت طفلة لأتعلم، أتذكر وقتها كنت أبكي ولكنه قال يا ابنتي الفتاة مكانها البيت والناس الذين يرسلون بناتهم للمدرسة ليس لديهم شرف، وأرسل إخوتي، ليستغلوا ذلك ويظلموني مجدداً اليوم، المرأة مظلومة بكل مراحل حياتها في مجتمعنا، عندما تكون طفلة تظلم بتفضيل أشقائها الذكور عليها، وعندما تتزوج تصبح خادمة لزوجها وأهله، ربما عندما تكبر في السن تستريح قليلاً، أولادها يكبرون ويعتنون بها بعد أن تكون أنهكت من الظلم طوال عمرها".
دور السلطة الحالية ومنظمات المجتمع المدني
ومع سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على الرقة في تشرين الأول 2017 بعد طرد تنظيم داعش، أسس الحكام الجدد للرقة مؤسسات ولجان تتبع لهم تعنى بشؤون المرأة، وفُرضت أحكام جديدة فيما يتعلق بنصيب المرأة في الميراث، تساوي بين المرأة والرجل في الحصة من الورث.
وتقول ختام الأحمد عضو ما تسمى "لجنة عدالة المرأة" في القصر العدلي بالرقة، إن أعداد النساء اللواتي يقبلن على رفع دعاوى قضائية على من يحرمهن من نصيبهن في الورث تتزايد يوماً بعد آخر، مضيفةً "في هذه القضايا لا يستند الحكم لدينا للشريعة الإسلامية كما كان سابقاً، الذي ينص على أن للذكر مثل حظ الأنثيين، نحن نحكم للمرأة بنصيب مساوِ للذكر في الورث، وبطبيعة الحال إذا أرادت السيدة الصلح مع ذويها وأخذ نصيبها حسب الشرع لها ذلك أيضاً، ولكن الحكم بالمحكمة هو المساواة التامة بين الطرفين".
اقرأ أيضاً: دير الزور: شاب يقتل زوجة أبيه بسبب خلاف على الميراث
وتتابع "معظم القضايا التي تأتينا فيما يتعلق بحق المرأة في الورث، تنتهي بالصلح بين الطرفين، بعد أن يقوم المدعى عليه بإرضائها أو تأخذ نصيبها حسب الشرع، وذلك بسبب العادة والتقاليد وتدخل أقارب الطرفين لحل الخلاف بشكل ودي، قليلة هي القضايا التي تتابعها الفتاة حتى تحصل على حقها حسب قوانين الإدارة الذاتية، وعادةً لا تطول مدة الحكم بالقضية، طول المدة يكون حسب تعاون المدعى عليه وتفهمه".
من جهتها تقول وصال الإبراهيم الناشطة في المجتمع المدني بالرقة لـ"روزنة" إن القانون والشرع يقف إلى صف المرأة وإذا اشتكت فسوف تحصل على حقوقها، ولكن المشكلة تتمثل بأن حرمان المرأة من الميراث جزء من العادات والتقاليد والأعراف التي يرفض الكثيرون المساس بها.
وتضيف "نادراً ما نسمع عائلات في الرقة منحت بناتها حقهن في الورث للأسف، وهنا يأتي دور المجتمع المدني والمنظمات النسوية في توعية المجتمع ومساندة النساء، ولكن للأسف المجتمع المدني شبه غائب عن هذه القضية، نظراً لحساسيتها وإثارة مشاكل عائلية ومجتمعية، يجب العمل حالياً على توعية المجتمع بشكل كامل، ذكور وإناث عن طريق عقد جلسات معهم وحملات توعية، وهناك دور مهم برأيي لخطباء المساجد بتوعية الناس بأنه لا يجوز حرمان النساء من الميراث حسب الشريعة الإسلامية".
وتعتبر قضية حرمان المرأة من الميراث عُرف منتشر في العديد من المناطق السورية، ولا تزال الكثير من النسوة يعانين منها، من كافة الأديان والطوائف، لما يترتب على ذلك الحرمان من ظلم وقهر وأكل لأموالهن بالباطل.
الكلمات المفتاحية