آخر أوراق الجولاني لمغازلة الغرب… هل يستفاد منها؟

آخر أوراق الجولاني لمغازلة الغرب… هل يستفاد منها؟
سياسي | 05 أغسطس 2020 | مالك الحافظ

أثار الظهور المتكرر لزعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أبو محمد الجولاني، في مناسبات مختلفة بمحافظة إدلب خلال الآونة الأخيرة، العديد من التكهنات حول معاني الرسائل التي يريد الجولاني تصديرها في مثل هذا الوقت، والجهات التي يسعى الجولاني مخاطبتها.


ضمن أحدث المشاهد في الحملة الإعلامية الممنهج للجولاني بالترويج لنفسه زعيماً شعبياً يمتلك حاضنته المؤيدة والداعمة لتنظيمه، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الأحد الفائت، صور وفيديو للأخير وهو داخل مطعم شعبي في إدلب؛ يساعد في تقديم الفول والحمّص للزبائن.

ومن الملاحظ أن الجولاني بات يُكثف من ظهوره بين المدنيين في الشمال السوري خلال الشهور الأخيرة، و ذلك بعد إعلان الهدنة التي أوقفت القصف المكثف على مناطق خفض التصعيد هناك (مطلع آذار الماضي)، حيث وثّق حضوره أيضاً في مخيمات النازحين، ومع شيوخ عشائر ووجهاء محليين في إدلب، كذلك نشرت له صور على حساب الهيئة، قيل إنها "خلال زيارته إلى الجرحى والمصابين"، في محاولة لتلميع صورته وتسويق نفسه خارجياً وداخلياً، خصوصاً بعد خروج مظاهرات تندد بالهيئة في محافظة إدلب. 


قد يهمك: إنهاء "حراس الدين" بالضربة القاضية… ما هي الاحتمالات؟


ويبدو أن رسائل الجولاني تحمل أهدافاً داخلية وخارجية، من أهمها محاولة تصدير نفسه على أنه القائد الذي يلقى إجماعاً شعبياً على هيمنة تنظيمه في المنطقة وبأنه الزعيم الذي يمكن أن يكون شريكاً لإرساء الاستقرار هناك معتمداً في ذلك على التأييد الشعبي، سعياً في إلغاء تواجد تنظيمه على قائمة الإرهاب الدولي، ذلك في مقابل رفض متصاعد لاستمرار تواجد فصائل جهادية أخرى وعلى رأسهم "حراس الدين" (ذراع "تنظيم القاعدة" في سوريا).  

المدنيون ورقة سياسية

الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، قال خلال حديث لـ "روزنة" أن الجولاني و منذ إعلانه فك الارتباط التنظيمي بتنظيم القاعدة، قد وضع نصب عينيه استراتيجية واضحة ليثبت للجهات الدولية والمحلية أن جبهة النصرة المنتسبة للقاعدة تحولت إلى جزء من الماضي، بخاصة وأن الأخير أتبع ذلك بـ "مفاصلة فكرية" مع "القاعدة". 

وتابع أيضاً بأن الجولاني "اتخذ العديد من الخطوات التي تُعتبر كفراً بعرف القاعدة، حيث أدخل الجيش التركي لإدلب وحارب التنظيمات المرتبطة بالقاعدة كـ "حراس الدين"، والتزم بتنفيذ الاتفاقات والتفاهمات الدولية خصوصا اتفاق أستانا، ورفع علم الثورة وشكل حكومة صورية، "حكومة الانقاذ"، وبات يحمي الصحفيين الأجانب بعد أن كان يقوم بخطفهم وطلب الفدية عليهم… (كذلك) بدأ بسلسلة من اللقاءات مع الفعاليات المدنية وأطفال الشهداء والتجار والإعلاميين، بعد أن كان الظهور مخصوص بالبزة العسكرية ومن جبهات القتال، وذلك في محاولة منه لترسيخ وجوده في إدلب والشمال على أساس أنه ينتمي لهذه الحاضنة الشعبية، وأن أي استهداف للجولاني هو استهداف لهؤلاء".

وأشار شريفة إلى أن الجولاني لا يرى في المدنيين إلا "ورقة سياسية يستثمر بها"، شأنها شأن كل الأوراق التي استثمر بها ليضمن لنفسه البقاء والاستمرارية. 


اقرأ أيضاً: سيناريوهات تنتظر الشمال السوري… عين عيسى مقابل جبل الزاوية؟


وأضاف بأن "خطوات الجولاني تظل خطوات تتسم بالنفاق والاستعراض، ولا تحمل أي دلالة جديّة على إشراك الفعاليات المدنية في إدارة المنطقة، فلا تزال "تحرير الشام" تحتكر قرار الحرب والسلم، وتفرض المجالس المحلية وحكومة الإنقاذ والجهاز الأمني بدون أي انتخابات أو اختيار من قبل الشعب؛ ما يجعل من خطوات الجولاني بالتقرب من الحاضنة خطوة درامية يبحث من خلالها على شرعية شعبية تبعد عنه تهمة التغلب والاستبداد، خصوصا إذا ما نظرنا إلى انتهاكات تحرير الشام باعتقال الناشطين ومحاسبة المغردين، وممارسة الاحتكار الاقتصادي وفرض الإتاوات والضرائب وإدارة اقتصاد أمراء الحرب الذي يضغط على الأحوال المعيشية للمدنيين، مع تسلطهم على المنظمات الإغاثية ومصادرة ريعها للتحكم بتوزيع أغلبه على مقاتلي تحرير الشام".

علاقة الجولاني مع الحاضنة الشعبية 

الباحث في مركز جسور للدراسات، عرابي عرابي، حدد 3 أركان للعلاقة التي يحاول أن يقيمها الجولاني مع الحاضنة الشعبية، مبيناً أنها تتمحور حول "المسؤولية والتواضع و القيادة". 

وقال خلال حديثه لـ "روزنة" اليوم الأربعاء، أن أول أركان تلك العلاقة يبرز من خلال زياراته للمخيمات، و"متابعة أحوال اليتامى والأرامل، والظهور بأنه يسجل طلبات الناس و يتابع أحوال الدوائر الحكومية، يعني أن لديه إدارة مدنية متكاملة وهو على رأس عمله فيها". 

وأما عن الركن الثاني (القيادة) فبيّنه من خلال "ذهابه لتفقد الجبهات ونقاط الرباط، وقيامه بجولات توعوية دورية، فضلاً عن متابعة الخطط العسكرية وتوعية عناصره؛ هذا الأمر يندرج ضمن سياق إعادة هيكلة الهيئة… أما عن التواضع فيعني أن هذا الإنسان قريب من الناس، يأكل معهم ويجلس في جلساتهم ويسمع من الناس النصائح، والأمر يراد منه توجيه رسائل بأنه قريب من الناس و لا يمكن الاستغناء عنه، وبأن لديه حاضنة شعبية".


قد يهمك: هل يعود الاقتتال بين "تحرير الشام" و "فاثبتوا" بعد التهدئة المؤقتة؟ 


ونوه عرابي بأن الجولاني يريد أن يُقدّم نفسه بعيدا عن الإرهاب منذ مدة طويلة، وذلك من أجل إزالة تنظيمه عن قائمة الإرهاب العالمي الذي أصدرته الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه هو يريد أيضاً أن يقدم نفسه مبتعداً عن "المهاترات الجانبية" التي تحصل مع فصائل جهادية ثانية. 

وختم بالقول "الجولاني بقربه من الناس ومحاولة ابتعاده عن تلك الفصائل، يحاول القول أن الخلاف الذي برز بين الهيئة وغرفة "فاثبتوا" بأنه كان لمصلحة الشارع وليس اختلافاً في المصالح الشخصية، وهو يريد أن يجمع المنطقة تحت قيادته ويكمل مسيرة الجهاد المحلي الذي يهدف إلى إسقاط النظام و إعطاء المنطقة هويتها الحقيقية التي ترغب فيها… بطبيعة الحال الجولاني لديه أذرع في كل مكان، سواء في القضاء أو الإدارة المدنية والجمعيات والمنظمات الإغاثية، أو حتى في إدارة المخيمات، وقد تم تعيينهم من قبله وهم ممسكين بمفاصل الأمور في هذه الأماكن". 

مستقبل تحرير الشام و التنظيمات الجهادية

في سياق آخر، اعتبر عباس شريفة،  أن هذا الملف رهن الكثير من التحولات والصراعات الدولية في المنطقة، وكذلك في مدى نجاح مسار الحل السياسي.

وأضاف "بالنسبة لتحرير الشام فيجب أن نشرحها إلى 3 مستويات، الأول مستوى قيادة تحرير الشام "الجولاني"، والجهاز الأمني والشرعي، فإنه من المستبعد أن يكون لهم أي مستقبل ضمن مسار حل سياسي؛ مستقبلا يحدد مصير سوريا وإدلب بشكل خاص، بالأخص وأن قيادة تحرير الشام تعاني من أزمة هوية بعد فك ارتباطها بالقاعدة، وتعاني من انعدام الشرعية التي قامت على فكرة الدفاع عن المحرر، فبعد دخول الجيش التركي بات الشعب السوري في الشمال يدرك أن من يحميه هو الجيش التركي، ولم يعد لهذه القيادة من شرعية إلا شرعية التغلب والقوة".
 

ما أسباب استهداف الولايات المتحدة لـ "حراس الدين" بعد "داعش"؟


وزاد بالقول أن علاقة قيادة "تحرير الشام" مع الدول كـ تركيا مثالاً، هي علاقة براغماتية، حيث تريد تركيا من الهيئة حماية حدودها من هجمات المتطرفين، وعدم التعرض لنقاط الجيش التركي في الشمال، واستثمار قوتها في مواجهة هجمات قوات النظام السوري. 

وتابع بأن "العلاقة لا تحمل أي وعود أو قدرة لدى تركيا لتأهيل تحرير الشام سياسيا. بالنسبة للأخيرة فإن جنودها أغلبهم سوريون وأغلبهم من فصائل قاتلتها تحرير الشام، ولم يكن لهؤلاء بد إلا الانضمام لها لحماية أرضهم من جرائم النظام، وهؤلاء لا شك سيبقون في أرضهم. تحرير الشام كتنظيم هنا علينا أن ندرك أنه لم يعد تنظيما أيديولوجيا تجمعه أدبيات السلفية الجهادية، فأغلب الايديولوجيين انشقوا وانضموا لحراس الدين، وجند الأقصى، ولا تستطيع تحرير الشام أن تكون تنظيما عصبويا كطالبان التي كانت تنتمي لقبيلة البشتون". 

وختم بالإشارة إلى أن "تحرير الشام" ليس لها أي بعد اجتماعي عصبوي يمكن أن يكون رافعةً لها، لتكون المصالح الاقتصادية السبب الوحيد الذي يجمع بين جنودها، وهي المصالح التي التي نمت بإدارة اقتصاد الحرب وتبيض الأموال؛ من خلال احتكار الموارد وتوزيعها على المقاتلين ومن خلال المنظومة الأمنية التي ترهب بها المعارضين، وبمجرد تفكيك هاتين الرافعتين ستنهار "تحرير الشام" نهائيا، وفق تقديره.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق