يقترب الاقتصاد السوري المتدهور بطبيعة الحال، من الدخول في مرحلة تحكم "اقتصاد الظل" في مجمل تفاصيله، الأمر الذي يؤدي مستقبلا إلى زيادة التفكك والاضطراب المالي، و يعمل على إعاقة/منع أي استقرار محتمل للاقتصاد المنهك.
ويعتبر "اقتصاد الظل" كمجموعة من الأنشطة والممارسات التي تنشأ على هامش الاقتصاد الرسمي؛ غير المسجلة وغير المحسوبة في الحسابات الاقتصادية الرسمية، الهدف الرئيسي منها يكون هو الربح السهل بعيدا عن رقابة أجهزة النظام وبعيدا عن الضرائب وذلك في ظل تدهور قيمة الليرة، وهو الاقتصاد الذي يمكن اعتباره أنه شكل خلال السنوات الثمانية الماضية دعامة للطبقات السورية الضعيفة اقتصاديا، وكان الضامن لها والمنقذ من الجوع والعوز، في ظل عدم وجود سياسات اقتصادية لدى النظام الذي عجز عن تأمين السلع والخدمات، وتحسين مستويات المعيشة.
وزير الاقتصاد لدى حكومة النظام السوري، سامر الخليل، كان قد ادعى بأن انتشار كل من "اقتصاد الظل" والفساد قد تسبب بتدهور الاقتصاد المنهك، معترفاً في الوقت ذاته بتدهور أوضاع المواطنين المعيشية في مناطق النظام. وأكد الخليل وفقاً لما نقلت صحيفة "الوطن" المحلية على ضرورة زيادة رواتب الموظفين وأجور العمال، في محاولة يائسة لإنعاش القوة الشرائية المتدهورة لدى الناس.
كما وأقر الخليل بوجود فجوة كبيرة بين الرواتب والأجور من جهة والأسعار في الأسواق من جهة أخرى، لافتاً إلى أن "ارتفاع الأسعار وجنونها غير مقبول، وخاصة أن الأسعار؛ لا تنخفض بانخفاض سعر الصرف الدولار".
قد يهمك: هل تدفع أزمة الليرة السوريين إلى المقايضة بدلا من الشراء؟
بينما أشار إلى أن "مشكلات انتشار اقتصاد الظل والفساد، إذ إن اقتصاد الظل مسؤولية كبيرة جداً، ولا يوجد في سوريا إحصاء واضح لحجمه".
المحلل والخبير الاقتصادي، أدهم قضيماتي قال خلال حديث لـ "روزنة" اليوم السبت، أن "اقتصاد الظل هو اقتصاد متنوع الأشكال لا تخضع أنشطته للرقابة الحكومية ولا يتم فيه اعتماد القوانين الصادرة عن الحكومة، إن كانت تلك الأنشطة الاقتصادية مشروعة أم لا".
وأشار موضحاً بخصوص الانعكاسات السلبية التي أثرت على الاقتصاد، حيث أفاد بأن عدم وجود أمان سياسي واقتصادي واجتماعي في سوريا، و "اهتراء" القوانين المعمول بها؛ خاصة قوانين الضرائب والضمان الاجتماعي، وصعوبة تطبيقها في الواقع الاقتصادي السوري الحالي، وارتفاع معدل فساد المؤسسات الحكومية، وارتفاع معدلات البطالة والتي وصلت في سوريا لأكثر من 80 بالمئة، فإن كل ذلك انعكس سلبا على الاقتصاد السوري المنهار، "لنكون أمام اقتصاد الظل المتمثل بقلة موارد الدولة والتخلف الضريبي من قبل الشركات والأفراد، وانهيار منظومة الضمان الاجتماعي التي كان دورها شبه معدوم قبل الثورة السورية وانتشار الفساد المالي والإداري".
قد يهمك: الخطف في سوريا... سلاح جديد يهدّد السوريين بعد انهيار الاقتصاد
وأردف بالقول أن "ظهور اقتصاد ظل في دولة تعيش فجوة كبيرة بين المجتمع والطبقة السياسية كسوريا، سيخلف حتماً فساداً مؤسساتياً كبيراً، وسينشر الجهل بين المواطنين، وستحل الرشوة مكان الرواتب، ولن يأمن المواطنين على حياتهم أو أموالهم نتيجة لارتفاع معدلات الجريمة والأعمال غير الشرعية، وستسود المصالح الشخصية على المصلحة العامة التي لاتدعم النهوض بسوريا اقتصادياً، أي أننا أمام واقع من التخلف المجتمعي غير الخاضع للقوانين، و كذلك اقتصاد غير رسمي يعتمد على الرشوة والمحسوبيات والأعمال المشبوهة والممنوعة".
من ناحيته اعتبر الباحث الاقتصادي، تمام البارودي أنه "عندما تكون الدولة مفلسة، والأمن فيها غير مستتب، فإن من الطبيعي أن يكون هناك اقتصاد ظل، ففي هذه الحالة ينشأ تجار الأزمات، و يبدأون بتلبية حاجة الأسواق من كافة الأصناف من أغذية وألبسة وأدوية، إضافة إلى كافة أنواع المشتقات النفطية وكافة الحاجات الضرورية؛ في حين لا تستطيع الدولة السيطرة عليهم، وذلك لإفلاسها و زيادة الفساد في دوائرها، لذا تغض الطرف في كثير من الأمور نتيجة حاجة المواطنين لها".
وزاد بالقول خلال حديثه لـ "روزنة": "من الطبيعي أن يرفع التجار الأسعار بأضعاف القيمة الحقيقية للسلعة؛ نتيجة تدهور أسعار الصرف حتى يطمئن نفسه، ولا يمكن للدولة أن تسيطر مرة أخرى إلا في حال عادت عجلة الاقتصاد في البلاد".
الكلمات المفتاحية