بين اكتشاف الحقيقة ورفضها... سوريون يواجهون صدمة صور قيصر

بين اكتشاف الحقيقة ورفضها... سوريون يواجهون صدمة صور قيصر
أخبار | 30 يونيو 2020

حالة من الرعب والصدمة النفسية، أصابت معظم السوريين عقب انتشار صور قيصر على نطاق واسع هذه المرّة، بعد انتشارها لأول مرة عام 2014، لكن على نطاق ضيق.

 
هذه المرّة بحث ذوو المعتقلين في الصور بدقّة أكبر، مع أمل كبير بألا يجدوا جثث أقاربهم وأحبّائهم بين تلك الـ55 ألف صورة.
 
لكن حتى البحث كان مريراً، ففي إدلب توفي "أبو يوسف" نتيجة نوبة قلبية بينما كان يقلّب بالصور بحثاً عن ابنه المغيّب في سجون النظام، ولم يذكر ناشطون أو مقرّبون من أبو يوسف ما إذا كان وجد ابنه أم لا، لكن مجرد البحث كان قاسياً، لدرجة تجسيد موقف الأب بأغنية من كلمات الشاعر السوري ظافر صالح الصدقة وغناء وأداء سمير الأكتع.
 
 
مرارة الحالة وعمق الأغنية وأدائها جعلها تنتشر بصورة واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتداولها السوريون وحتى وسائل إعلام عربية كقناة الجزيرة.
 
لكن البعض فضّل ألا يبحث في الصور أصلاً حتى لا يصادف صورة لقريب معتقل، وحتى لو بحث ووجدها يرفض أن تكون هي الصورة ذاتها لذاك القريب.
 
يقول الصحافي السوري قتيبة ياسين على حسابه في "فيسبوك"، "إن هناك نوع لعائلات صور قيصر تراهم في كل حالات الاختفاء القسري، حيث  ينكرون أن تكون الصورة لابنهم حتى لو ثبت أنها له" ويردف، "وهذا ما حصل مع بعض من ذهبوا وأخرجوا ورقة من النفوس وتبين أن ابنهم متوف في المعتقل ولكن لم يريدوا أن يصدقوا ذلك وظلوا يعيشون على أمل خروجه".
 
وأشار إلى أن هذه "آلية دفاع نفسية تسمى الإنكار وتحصل في المصائب الشديدة، وهذا ما حصل منذ مدة مع عمه الذي رفض أن يصدق أن ابنه توفي رغم أن الجميع حضر مراسم الدفن".

اقرأ أيضأً: الخارجية الأميركية لـ "روزنة": عقوبات عديدة جاهزة للتنفيذ خلال الأسابيع المقبلة
 
إسماعيل الهاني، هو الآخر بحث جيّداً في صور قيصر، ووجد صورة تعرّف عليها، كانت لابنه "محمد" الذي اعتقل عام 2011، عندما كان عمره 40 عاماً.
 
وصفت وكالة "الأناضول" التي التقت بإسماعيل أنه تكلّم بصعوبة لشدّة ما أصابه، لكن الأب إسماعيل، كان قد عاش آلاماً كثيرة، فهو الذي فقد ثلاثة أبناء له في قصف للنظام على منزله بمحافظة إدلب شمالي سوريا.
 
كما تناقل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صورة قالوا إنها للكاتب والمؤلف السوري عدنان الزراعي، من بين صور قيصر، الذي اعتقل من قبل الأجهزة الأمنية في دمشق عام 2017، وهو ما نفته عائلته، وقالت شقيقة الكاتب المعتقل نجوى الزراعي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الصورة المتداولة ليست لأخيها، ودعت الناشطين إلى عدم تناول أي أخبار عنه دون الرجوع لها أو لعائلتها.
 
 
 
واعتقل الزراعي في شباط عام  2012  في دمشق من قبل الأجهزة الأمنية،  ولم يكشف عن مصيره منذ ذلك التاريخ، وعرف عدنان الزراعي بكتاباته الجريئة التي تنتقد النظام قبل 2011، أبرزها في مسلسل "بقعة ضوء" الكوميدي الشهير.
 
تختلف ردود الفعل بين السوريين، وتحديداً أولئك الذين ما زالوا يأملون بخروج أبنائهم من السجون سالمين، بدل أن يكونوا صوراً وأرقاماً سجّلها النظام عليهم، وزاد في جروح عائلاتهم جرحاً إضافياً غائراً.
 
الاختصاصي النفسي صلاح الدين لكة، تحدث لـ"روزنة" في وقت سابق عن رؤية ذوي الضحايا للصور، وأثرها النفسي عليهم، وأشار إلى طرق وأساليب للتخفيف من حدة الضغط النفسي الناتج عن ذلك.
 
وأوضح لكه، أن الحزن على ذكرى شخص غائب، أو حين رؤية صورته، أو حين السماع بخبر وفاة شخص ما، أمر طبيعي، لكن حينما يؤثر الأمر على حياة الفرد بشكل شديد ويمنعه ويعيقه عن فعل أي شي، يصبح بحاجة إلى دعم نفسي، وهذا يدل على أن الشخص لم يتعافى، ويسمى ذلك بـ"التعافي الظاهري" وهنا يكون الحديث عن تجربة في غاية الصعوبة لم يعطها الشخص حقها في التعبير عنها.
 
وشدد لكه أنّه على كل شخص مر بتجربة صعبة، زيارة استشاري نفسي أو اجتماعي لمساعدته في تخطي محنته.
 
وأشار إلى أنّ أكثر الأشخاص معاناة في حالات الاختفاء القسري هم المجتمع والأسرة، بنفس درجة الشخص الذي اختفى، والذي لا تعرف عنه عائلته أي شيء.
 
وأكد أن الدعم النفسي الاجتماعي مهم لذوي المعتقلين والمختفين قسراً، ويوازي الدعم النفسي للناجين.

وبيّن أن الأسرة المتكاتفة من الممكن أن تحيي ذكرى الشخص الغائب بطريقة إيجابية، كأن تذكر الأم أولادها بأن أباهم يحب أن يساعدوا الغير، أو يكونوا ناجحين، لافتاً إلى أن الأم أو الأب أو الأخ في الأسرة لهم دور كبير في الدعم النفسي العائلي.
 
الاختصاصي النفسي صلاح الدين لكة، يتحدث لـ"روزنة" عن رؤية ذوي الضحايا للصور وأثرها النفسي عليهم
 
وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وثقت في تقريرها العام الفائت، ما لا يقل عن 98 ألف مختف قسرياً في سوريا منذ عام 2011.
 
وأوضحت أن الاختفاء القسري ينطوي على كمّ مرعب من الانتهاكات التي يتعرض لها الشخص المختفي كالتعذيب والحرمان من الرعاية الصحية، والعرض على المحاكم السرية، التي تفتقر إلى مبادئ التقاضي العادلة، أو المحاكمة بإجراءات موجزة، والموت بسبب التعذيب أو الإعدام.
 
 وبيّنت الشبكة أن القلق والمعاناة اللحظية الناتجة عن الاختفاء القسري، التي يعاني منها ذوو المختفي كانت هدفاً مخططاً من قبل النظام السوري لضرب الحراك الشعبي نحو الديمقراطية ولتحطيم وإرهاب المجتمع.
 
وتأتي إعادة نشر الصور بعد دخول قانون "قيصر" الأمريكي حيز التنفيذ في الـ  17 من حزيران الحالي، بإعلان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن كل من بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس، من بين  شخص وكيان طالتهم عقوبات واشنطن في حزمتها الأولى.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق