"ميثاق شرف" لتحسين واقع الدراما السورية... ضرورة في مواجهة التدهور؟

"ميثاق شرف" لتحسين واقع الدراما السورية... ضرورة في مواجهة التدهور؟
فن | 25 مايو 2020
مالك الحافظ - روزنة|| كان قرع جرس الإنذار ضرورياً لدراما عاشت سنوات مجد طويلة قبل أن يخفت بريقها و يبدأ نجمها الصاعد بالأفول -إن جاز لنا التعبير- وتدخل غرفة الإنعاش بذريعة سنوات الحرب السورية التي قاربت العشر سنوات، قد يكون الموسم المنتهي منذ أيام هو الأسوأ فيها بل في تاريخ الدراما السورية. 

كُتّاب الدراما السوريين المستقلين، ولأنهم مبدعو الركن الأساسي والأهم للدراما (النص) تداعوا لإطلاق   "ميثاق شرف" احتاج لثلاثة أسابيع من الحوار الفاعل بين كوكبة متميزة من الكُتّاب الذين قدموا أعمالاً درامية ذات سوية عالية للجمهورين السوري والعربي، وليكون هذا الميثاق بمثابة المحدد للعلاقة المهنية فيما بينهم، فضلاً عن تحسين شكل العلاقة مع شركات الإنتاج.

الميثاق الذي شارك في صياغته ونقاشه أو التوقيع عليه، عدد من الكتّاب؛ بينهم رافي وهبي، إيمان السعيد، كوليت بهنا، إياد أبو الشامات، عدنان العودة، مازن طه، نور شيشكلي، خلدون قتلان، سلام كسري، عثمان جحا، رانيا بيطار، بلال شحادات، ممدوح حمادة، فؤاد حميرة، سامر رضوان، خالد خليفة، جورج عربجي، علي وجيه، شادي كيوان، سليمان عبدالعزيز، محمود إدريس، سامر إسماعيل، و محمد ماشطة، وآخرون، أشار إلى أن تراجع الدراما السورية إنما هو انعكاس طبيعي لحالة الصراع الذي تعيشه يومياتها، وأنه من غير الممكن بأي حال من الأحوال، تحسين المنتَج الدرامي بواقع الأوضاع الراهنة أو بمعزِل عنها، و بالأخص في ظل افتقاد الدراما الواقعية لمصادرِ التمويل المستقلة، ولمنصات العرض المهتمة.

الكاتب شريك أساسي في العملية الإبداعية 

الكاتب والمخرج والممثل السوري رافي وهبي، قال في تصريح خاص لـ "روزنة" حول الميثاق وما دعا إليه، بأنه و رغم ما تضمنه الميثاق من احتجاج مشروع على ما يتعرض له الكاتب الدرامي السوري من اعتداء؛ أدى إلى تراجع دوره في العملية الابداعية كشريك أساسي وصاحب فكرة ومشروع في صناعة المنتج الدرامي، إلا أنهم ككُتّاب دراما سوريّة مستقلين، اختاروا الاحتجاج على ظاهرة الاعتداء المتكرر على النصوص الدرامية وحقوق كُتّابها بمبادرة الاعتراف بدورهم في تكريس هذه الظاهرة، سواء بالمشاركة فيها أو السكوت عن حقوق من تعرض لها. 

وزاد بالقول أن تعهدهم في مقدمة الوثيقة بعدم تكرار هذا الأمر وعدم المشاركة بأي شكل من أشكال الاعتداء على حقوق الآخرين، هو اعتراف بدورهم في ذلك ومكاشفة شفافة وعلنية بالمسؤولية الأخلاقية والمهنية الواقعة عاتقهم. 

مسلسلات البيئة الشامية... شكل جديد في الموسم الرمضاني

وأضاف في السياق ذاته أن "وضع الميثاق في عهدة زملائنا لا بوصفه اتهاماً لآخرين وتحميلهم مسؤولية ارتكاب الأخطاء؛ بل بوصفه دعوة لشراكة مهنية واعية ومسؤولة تقودنا معا للتوقف عن ارتكابها، وذلك من خلال حوار إيجابي شفاف ومعلن أمام الجمهور ومراجعة موضوعية تضمن حق شركائنا المنتجين بإدارة وتوجيه عملية انتاج وتسويق السلعة الدرامية وبافضل جودة يقدمها الشركاء المبدعين الذين يتمتعون أيضا بحقوقهم الكاملة في ممارسة اختصاصهم وفقا للقواعد المهنية والأخلاقية المتعارف عليها، وبما يحفظ لكل مختص حقوق ممارسة اختصاصه وعلى قاعدة المصلحة المشتركة التي تكمن في تقديم منتج درامي جيد".

الميثاق الذي أكد مطلقوه بأن الأوان قد حان لتغيير صيغة العقد الذي تبرمه شركات الإنتاج مع الكتّاب، و تحويله من صيغة "إذعان" إلى صيغة تضمن حقوقه وحقوق جميع الأطراف الأخرى، يشرح وهبي عن توقيت إعلانه بالقول أن تاريخ ذلك مرتبط بشكل أساسي بتكرار حالات الاعتداء على نصوص الكُتّاب؛ بحيث تحولت إلى ظاهرة أكسبها صمت معظم الأطراف وعدم المبادرة للبحث في أسبابها نوعا من الشرعية؛ التي أخلت بواحد من أهم شروط إنتاج السلعة الجيدة.

كيف يتم إيقاف تدهور الدراما السورية؟

وحول معادلة وقف تدهور الدراما السورية سيكون نتيجة وقف الإخلال بحقوق مؤلفيها، أشار وهبي خلال حديثه لـ "روزنة" إلى أن تدهور الدراما السورية  هو جزء من التدهور الثقافي والفني العام، والناتج بدوره عن الصراعات الحادة والانقسامات العنيفة التي يعيشها العالم العربي والتغييرات الهائلة التي يخضع لها المجتمع ودور كل ذلك في إعادة تشكيل الوعي. 

واعتبر بأن إطلاق الميثاق والدعوة لوقف الاعتداء على حقوق الكُتّاب لن يكون قادر على وقف تدهور الدراما السورية؛ بقدر ما هو محاولة جادة ومسؤولة من شريحة واسعة من المعنيين بهذا الإنتاج لإطلاق حوار بنّاء، و إجراء مراجعة مهنية واخلاقية وموضوعية للدور السلبي الذي يلعبه الاعتداء على حقوق المبدعين في تكريس تدهور إنتاجهم الدرامي؛ وأثر عدم توفر البيئة الابداعية اللازمة واحترام شروطها وقواعدها الاحترافية على تدني القيمة السوقية والفنية للسلعة الدرامية. 

كما شدد وهبي على ضرورة مراجعة حقوق جميع الشركاء سواء المخرجين الذين حُرموا أيضا من حقوقهم في تبني النصوص الدرامية التي يرغبون بإخراجها وتقديم رؤيتهم الخاصة لها، ومؤازرتهم كشركاء محترفون يضطر الكثير منهم -كما الكُتّاب- للتحول إلى مخرجين منفذين لأعمالهم، يضطرون لاستعارة حلولهم الاخراجية من الأعمال الاجنبية الرائجة لكونها باتت مقياساً للنجاح، ويضطرون لإدارة ممثلين لم يشاركوا في اختيارهم لتقديم الأدوار. 

دراما سورية بارزة في ذاكرة رمضان… لماذا لا تعيش المسلسلات الحالية؟

وزاد على ذلك بالتأكيد على أهمية المطالبة أيضا بحقوق الممثلين الذين حُرموا من حصيلة العلاقة الإيجابية الطبيعية بين الكاتب والمخرج، فباتوا يجتهدون في البحث عن اقتراحات وحلول قد لا تتلائم مع شخصيات غاب كاتبها عنها؛ و إدارة إخراجية تنشغل بمحاولات إصلاح درامي، وفق تعبيره، ما قاد الممثلين لاشكال غريبة من أساليب الأداء وفنون التمثيل؛ تُعبّر بوضوح كبير عن مدى التدهور الذي وصلت إليه الدراما.

وأضاف "بهذا المعنى فإن صرخة الاحتجاج التي أطلقها المؤلفين الدراميين المستقلون في ميثاق الشرف؛ لن تكون قادرة على ترك أثر حقيقي في الإنتاج الدرامي ما لم يدفعها الحوار الموضوعي والجاد لملاقاة حقوق جميع الشركاء". 

رابطة للكُتّاب الدراميين؟

و بخصوص احتمال أن ينتج عن "ميثاق الشرف" أي رابطة مستقلة تجمع المؤلفين الدراميين، أكد وهبي بأن هذا الأمر مطروح للنقاش بينهم، مشيراً إلى إمكانية الاعتبار بأن اتفاق عدد من الكتاب المستقلين على إطلاق هذا الميثاق خطوة أولى بهذا الاتجاه. 

وتابع بأن استمرار هذه الخطوة وتحولها إلى رابطة أو تجمّع مستقل مرهون بقدرة الميثاق على فتح باب الحوار بين المؤلفين الدراميين وبينهم وبين شركائهم ومدى استجابة المعنيين و أصحاب القرار في صناعة الدراما لهذه المبادرة، وختم بالقول "ما يحتاجه كل ذلك من إرادة المؤلفين الدراميين ووعيهم بأهمية دورهم وخطورة مهمتهم؛ وسعيهم باتجاه الدفاع عن المحتوى الجيد لأعمالهم".

وكان كُتّاب الدراما شددوا في "ميثاق الشرف" الذي صاغوه ووقعوا عليه على أن الدراما السورية لم تكن مجرد عمل ربحي يتوسل التواجد على منصات العرض التلفزيونية فحسب، بل كانت وستبقى جزءاً من هوية ثقافية وفكرية من وجهة نظرِ صُنّاع المحتوى الدرامي على أقل تقدير وتوصيف، ونتيجة إحساس الجمهورِ بشيءٍ من الخذلان، بعد خروجها من ساحة المنافسة. 

وتابع نص الميثاق بالتساؤل "هل هذا يعني أن المسألة بيدنا وحدنا؟! بالتأكيد لا، لكن كتاب الدراما السوريةِ هم العمود الفقرِي للصناعة، واللبنة الأولى في تأسيس الهوية الفكرية لهذا المنتج، لأنهم ساهموا عبر أعمالهم التي غزت المحطات العربية، في تعريف الآخر ببلدنا و طبيعتها و ثقافتها و لهجتها، وخصوصية تشكل حواملِها الاجتماعية والسياسية والدينية… وعليه فإننا نرى أن الخطوة الأولى للدخول مجدداً إلى ساحة الحضور، تنطلق من منع الاعتداء على نص الكاتب، وعدم العبث بشخصياته التي كتبها وفق تصور صارم يحيل إلى موقف ودلالة لا يجوز المساس بها". 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق