الأمم المتحدة ترفع من مستوى النفوذ الروسي-التركي في سوريا؟

الأمم المتحدة ترفع من مستوى النفوذ الروسي-التركي في سوريا؟
تحليل سياسي | 30 أبريل 2020
مالك الحافظ - روزنة|| في إحاطته المقدمة خلال جلسة مجلس الأمن الدولي حول سوريا، قال المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، أن الاتفاقات التركية-الروسية قد ترسخت على الأرض أكثر من السابق في إشارة إلى اتفاق موسكو حول إدلب، في الخامس من الشهر الفائت.

 وتُعتبر إشارة بيدرسن حول الاتفاق الروسي-التركي، والذي يفترض أنه اتفاق ثنائي ومؤقت ولن يُثبّت حدود نفوذ الدول المتدخلة في الملف السوري، تعتبر شرعنة أممية لسلطة تقاسم النفوذ التركي-الروسي، ما قد يعني تأسيساً لتقسيم سوريا كل حسب نفوذ الدولة المنتدبة، وكأن سوريا أمام انتداب جديد. 

ويبدو أن الحل الذي كان مأمولاً من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي؛ بات مرتبطاُ بالمصالح الضيقة للدول المتدخلة في الشأن السوري، كما أنه قد لم يعد هناك أي أفق لحل سوري سوري بعيد عن المصلحة الأجنبية التي باتت عناصرها تتغول أكثر في الأرض السورية. 

مجلس حكم دولي يدير سوريا؟ 

الباحث السياسي، صدام الجاسر، رأى خلال حديثه لـ "روزنة" أن بيدرسن سعى من خلال إحاطته الأخيرة اقتناص فرصة وتحقيق نجاح عجز عن تحقيقه المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا، معتبراً أن بيدرسن  يريد استثمار الاتفاق التركي-الروسي لتحقيق عدة أهداف؛ منها تسجيل نجاح في مسيرة الأزمة السورية الممتلئة بالنكسات والاخفاقات والعجز الأممي عن تثبيت أي اتفاق،  وفق رأيه. 

وتابع بأن "كل من روسيا وتركيا تدركان بأن الوضع الحالي لا يسمح بأي استئناف للعمليات العسكرية، وإنما ستسعيان لدعم جهود بيدرسن في شرعنة الاتفاق؛ وجعله تحت غطاء الأمم المتحدة مما يمنح البلدين نفوذاً شرعياً في سورياً". 

وأردف بالقول "بيدرسن يرغب أيضاً بهذا الأمر كي يحفظ ماء وجه الأمم المتحدة كونها ومن خلال مباركتها هذا الاتفاق ستحقق انجازاً في سوريا من خلال البوابة الانسانية… بيدرسن ركز على أن جائحة كورونا تحتم على كل الأطراف إيقاف العمليات العسكرية في كافة أنحاء سوريا، وهذا التثبيت سيعطي استدامة للنفوذ التركي والروسي في الشمال السوري، كما سيمنح الوقت لهذه الدول للاتفاق والالتفات إلى قضايا أخرى تهم البلدين".

واعتبر الجاسر أن سوريا الآن أمام "حالة نوعية من الانتداب" تتشارك فيها دولتان، "سوريا عملياً أصبحت تحت انتداب عدة دول، ويمكن القول إن هناك مجلس حكم دولي مكون من الدول ذات النفوذ في سوريا، وهذه الدول تتعامل فيما بينها على إدارة سوريا كل حسب موقعه ومناطق نفوذه وأدواته التي يسيطر عليها". 

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تزيد تركيا من تعزيزاتها العسكرية في إدلب 

من جانبها رأت الباحثة والكاتبة السياسية، د.سميرة مبيض، خلال حديث لـ "روزنة" بأن إشارة المبعوث الدولي للاتفاق التركي-الروسي تأتي قراءتها من منطلق اشادته بثبات عملية وقف القصف وإطلاق النار، معتبرة أنه أمر على درجة من الأهمية؛ سمح بحصول بعض الاستقرار في هذه المناطق في ظل جائحة "كورونا المستجد"، والتي إن ترافقت بعمليات قصف ستكون لها نتائج كارثية على المستوى الإنساني. 

وأكدت بأن تقاسم النفوذ المتعدد المحاور على الأراضي السورية ما هو إلا نتاج مرحلي وبديهي لفترة صراع طويلة الأمد في سوريا؛ والتي كان الفاعلون الرئيسيون على الأرض خلالها هم قوى خارجية متعددة، موضحة في الوقت ذاته بأنه لا يمكن لأي من الجهات المعنية توقع حصول استقرار مستدام على المدى الطويل بوجود أي من القوى العسكرية الخارجية في الأراضي السورية؛ و تابعت "إن العمل على إنهاء هذا الوجود العسكري يفترض به أن يكون جزءاً من مرحلة الاستقرار المرتبطة بعملية الانتقال السياسي".

هل من حل سوري-سوري؟

الجاسر أشار إلى أن الأمم المتحدة أصبحت أضعف اللاعبين في الجغرافية السورية، مرجحاً بأن نجاح أي حل أممي سيكون مرتبط برغبة الدول الفاعلة في الملف السوري في مدى انجاحه. 

وأكمل "هذه الدول ستسعى للحصول على أكبر المكاسب ولن تقبل التنازل عن مصالحها ونفوذها بدون مقابل، ويمكن القول أن الأمم المتحدة هي من باتت تسعى لتقريب وجهات النظر بين الدول الفاعلة ولم تعد قادرة على فرض حل عليها".

وحول معضلة صراع النفوذ بين الدول المتدخلة في الملف السوري، نوه الجاسر إلى أن إيران وعبر عناصر نفوذها؛ باتت تشكل حالة إزعاج للجميع، فهي ومن خلال سيطرتها على مناطق مختلفة في سوريا باتت تتصرف بمعزل عن حكومة النظام، "كذلك فإن روسيا المسيطرة على مؤسسات الدولة باتت تعتبر نفسها صاحبة القول الفصل في الملف السوري، فيما النفوذ الأميركي الممتد صوب مناطق آبار النفط  ومنطقة التنف يعتبرون أنفسهم قادرين على تخريب أي حل لا يلبي مصالحهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأتراك".

وزاد بالقول بأن "حالة اللاحل هذه ستؤدي في النهاية إلى حالة توافق يتم من خلالها العمل على حل المسائل ذات الأولوية والاتفاق على خطوات الحل والتي يبدو أن من أهمها تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254 القاضي بالبدء بعملية انتقال سياسي شامل في سوريا...  حالة التغول لن تستمر ولايمكن لها أن تكون حالة مقبولة، فالجميع بات يرى أن سوريا تحولت إلى ثقب أسود يستنزفهم ويجب الانتهاء منه بما يحقق لهم الحد المقبول من مصالحهم".

قد يهمك: تعميق التفاهمات الروسية-التركية حول إدلب… ما الخطوة التالية؟

بينما اعتبرت الباحثة السورية؛ أن الحل السوري-السوري أمر ممكن الحصول وسيمر بالضرورة عبر النجاح بالوصول لرؤية سوريّة مشتركة تتضمن عدم إعادة تأهيل مجرمي الحرب من كافة الأطراف وبالتزام الأطراف الدولية الفاعلة بمسار الانتقال السياسي الشامل و بالوصول للتغيير الجذري في سوريا.

ووفق ما ورد في الإحاطة المقدمة إلى مجلس الأمن بتاريخ 29 نيسان؛ فإن الحل الذي تلتزم به الأمم المتحدة هو التطبيق السياسي الكامل للقرار الدولي 2254، والذي ورد التأكيد عليه عدة مرات في الإحاطة ومن عدة جهات كمسار للحل السياسي وذلك أمر على درجة من الأهمية، أضافت مبيض.

وزادت بالقول "أرى أن النقطة التي قد تطرح خلافاً في الإحاطة المقدمة هي دعوة المبعوث الأممي إلى تعليق العقوبات كجزء من عملية التصدي لجائحة كورونا؛ في حين أن العقوبات المفروضة بسبب انتهاكات نظام الأسد لحقوق الإنسان لا تشمل المواد والأجهزة الطبية والأدوية، كما أن النظام يستمر بصفقات التسلح إضافة إلى الفساد المستشري في مفاصل مؤسساته والذي ظهر بشكل أكبر من خلال فشله بإدارة أزمة "كورونا"، والذي يُظهر أيضاً إمكانية تدويره لأية مصادر تمويل لتوجيهها نحو تسليح ميليشيات متطرفة أو لتصبح المواد والمستلزمات الطبية سلعة إضافية لاغتناء تجار ومافيات الحروب المقربين من الأسد، ومصدر تمويل غير مباشر لتغذية الصراع؛ وعليه فإن إيصال المساعدات يتوجب أن يتم بشكل مباشر عبر الأمم المتحدة وبشكل متكافئ بين جميع المناطق السورية، مع إعطاء الاولوية للمخيمات تبعاً للظروف القاسية التي يعاني منها النازحون ضمنها". 

وكان بيدرسن، قال يوم أمس الأربعاء، إن سوريا بحاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، لتمكين مواطنيها من الوصول إلى المعدات والموارد اللازمة لمواجهة فيروس كورونا، في الوقت الذي رحب فيه "بالهدوء الكبير" في معظم البلاد، لافتاً إلى أن الترتيبات الروسية التركية في الشمال الغربي، قد أحدثت "أثراً إيجابياً على الأرض"، وأن ترتيبات وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة في الشمال الشرقي مستمرة أيضاً في الصمود على نطاق واسع.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق