إيمان حمراوي - روزنة || حتى اللحظة تسبّب وباء كورونا بوفاة ما يزيد عن 110 آلاف إنسان حول العالم، هو تلك الجائحة التي وضعت العالم في حجر صحي اختياري أحياناً، وحظر شامل إجباري أحياناً أخرى، وسببت خوف العالم أجمع مما قد يحدث أيضاً إذا ما استمر الوباء بالانتشار، لكنه أيضاً فرض أسلوب حياة جديد ربما يؤسّس لعالم كامل داخل المنزل، ويصنع اقتصاد مختلف عما عرفناه سابقاً.
فرص العمل أون لاين تحسّنت وزادت
منذ بداية عصر الانترنت نهاية القرن الفائت، وشكل العمل في العالم يتغيّر، حيث بات العمل عبر الانترنت أكثر انتشاراً من قبل، وتنوّعت المجالات التي يمكن للأشخاص عملها عبر الشبكة.
لكن في عصر الحجر الصحي الحالي، بات الموضوع أكثر جدّية من قبل، إذ حتى المواد الغذائية البسيطة بات يتم بيعها وشراؤها عبر الانترنت، وحتى بأبسط الأشكال.
عامر، 32 عاماً، من سوريا يعيش في تركيا يقول لـ"روزنة": "عبر الواتس آب، يطلب الزبائن مني بضائع محلي، وأرسل لهم الصور فيما لو كان لدي أنواع مختلفة من ذات السلعة، ويختار الزبون ما يريده، ثم أرسله له مع مندوب".
هذا الشكل من البيع انتشر بصورة كبيرة، وأصبح أساسياً في تركيا، فالسيدة التي لديها أبناء بعمر أقل من 20 عاماً، لم تعد تستطع إرسالهم لأن حظر التجوّل شملهم ضمن الإجراءات الأخيرة المتبعة لمنع انتشار الفيروس، وبالتالي هي مضطرة لطلب حاجيات منزلها عبر الانترنت.
بالمقابل وظّفت هذه التجربة، آلاف العاطلين عن العمل، إما للتواصل مع الزبائن أو لإرسال البضائع فيما لو كان المتجر كبيراً.
شوك ماركت، أحد أكبر المتاجر في تركيا، أطلقت خدمة إيصال الطلبات إلى المنزل ضمن حملة "ابق في المنزل" مع انتشار الفيروس، ومديرها التنفيذي “أوغور ديميريل” قال أنهم يسعون لتوظيف خمسة آلاف شخص لهذا الغرض.
التعليم أون لاين لم يعد خياراً ثانوياً
أيضاً بات التعليم الإلكتروني ضرورة، عندما أغلقت المدارس والجامعات أبوابها في وجه الطلّاب منعاً للاحتكاك وبالتالي انتشار الفيروس.
قبل يومين أعلنت بلدية نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية أن التعليم سيكون عن بعد حتى أيلول المقبل، سبقتها إلى هذه الخطوة بلديات ودول عديدة، وأصبح الطلّاب في هذه الحالة مضطرين إلى التعلّم عبر الانترنت إذا ما أرادوا استكمال تعليمهم.
اقرأ أيضاً: نصائح يجب أن تعرفها لمنع زيادة وزنك في الحجر المنزلي
لكن بدا أن التعليم عبر الانترنت في العالم العربي بحاجة إلى أسس أفضل، وهو ما تسعى إليه الحكومة الأردنية عبر تطوير المحتوى الإلكتروني للمحاضرات وتدريب هيئة التدريس، وإدماج الامتحانات القصيرة والتمارين والتقارير والمناقشات التفاعلية بالمحتوى الإلكتروني والنظر بإمكانية تخصيص نسبة من العلامات النهائية لها، والبدء بوضع خطة وآليات لزيادة تفاعل الطلبة مع مدرسيهم.
وحتى على مستوى مشاريع التخرّج فمن المتوقّع تقديم مشاريع التخرّج عبر الانترنت وخصوصاً للتخصصات الأدبية،بحسب ما نقل موقع الجزيرة.
توفير في المواصلات
يقضي الكثير من الأشخاص ساعات طويلة من حياتهم أسبوعياً في المواصلات العامة، بعضهم دون الاستفادة منها بشيء سوى انتظار الوصول إلى الجهة المطلوبة.
تقول رقية، 34 عاماً، من سوريا مقيمة في إسطنبول لـ"روزنة": "أسبوعياً أقضي ما بين 20 – 24 ساعة في المواصلات ذهاباً إلى العمل وعودة إلى المنزل، وهو وقت طويل جداً".
تعمل رقية في قطاع التسويق العقاري، ومع فرض الحجر الصحي، أصبح بإمكانها العمل من المنزل عبر الانترنت، وتوفير تلك الساعات.
تردف رقية "عدا عن تلك الساعات الضائعة في المواصلات، أصبح بإمكاني توفير ثمن التنقلات، أي ما يقارب الـ500 ليرة تركية شهرياً، وهذا شي جيد جداً".
الضجيج والتلوّث انحسر
بصورة كبيرة تراجعت مستويات التلوث في عشرات الدول حول العالم، ففي نيويورك تراجعت مستويات التلوث بنحو 50 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بحسب موقع بي بي سي عربي.
وانحسرت الانبعاثات في الصين بنسبة 25 في المئة في مطلع العام الحالي، منذ أن لزم الناس منازلهم وأغلقت المصانع، وتراجع استهلاك الفحم بنسبة 40 في المئة في 6 من أكبر محطات الطاقة في الصين منذ الربع الأخير من عام 2019. وتحسنت جودة الهواء في 337 مدينة حول العالم بنسبة 11.4 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
كل ذلك عدا عن انخفاض مستويات الضجيج في العالم بشكل ملحوظ، إلى درجة جعلت باحثين يونانيين يسمعون ما أسموه بـ"الطنين الداخلي" في باطن الأرض، بحسب وكالة روتيرز، عدا عن كون ذلك يساهم بصورة طبيعية، بخفض مستويات التوتر لدى البشر نتيجة ما يسمى بـ"التلوث من الضوضاء" أي التلوث السمعي.
فرصة لإعادة ترتيب الحياة
يحتاج العالم الذي نعيش فيه إلى فرصة ليرتاح، كما نحن، ثم إلى إعادة ترتيب حياتنا بشكل أفضل، والفرصة الآن أصبحت سانحة.
التفكير في طريقة غذائنا، أو علاقتنا مع عائلتنا أو نظامنا الصحي وغيرها، عناوين ضرورية لهذه المرحلة، وخصوصاً أن انتشار الفيروس كان نتيجة لإهمال الكثير من البشر لنظافتهم الشخصية وطريقة تعاملهم مع الناس وملامستهم للأسطح.
في الفترة التي يمكن توفيرها من المواصلات، يمكن تخصيصها مثلاً للقراءة، أو للتقرّب من العائلة.
كما يمكن اتباع نظام غذائي جديد، وتمارين رياضية مناسبة لوجودنا في المنزل، وبالتالي وضع خطّة كاملة مختلفة قد تجدد حياتنا وتجعلنا نعيش تجربة مختلفة عما عشناه سابقاً.
اقتصاد أفضل مستقبلاً… مبني على الثقة
يشهد العالم انهياراً اقتصادياً واسعاً نتيجة إغلاق المصانع والمعامل، وجمود الحركة في الأسواق عموماً، وتوقّف حركة الاستيراد والتصدير، وتدهور قطاعات كثيرة كالسياحة، لكن ماذا لو طال أمد انتشار الفيروس؟
الحكومة الدنماركية حلّت بالمرتبة الثانية على مؤشر المرونة الاقتصادية العالمي، فهي بالرغم من إغلاق الشركات وإغلاق حدودها أمام الأجانب منذ 14 آذار، إلا أنها أيضاً قدّمت حزمة من المساعدات للعاملين المتضررين جراء كورونا، وصلت إلى 75 في المئة من رواتبهم التي كانوا يتقاضونها، و90 في المئة من أجور العاملين بنظام الساعات.
وبالتالي عزّزت ما يسمى "الثقة بين الشعب والحكومة"، وهو ما ينقص الكثير من الحكومات في دول أخرى، حيث لا إعانات للمتضررين جراء كورونا أو جراء أي أزمات أخرى.
وتنعكس ثقة المواطنين بحكومات بلدانهم على الاقتصاد بصورة كبيرة، إذ تزداد فرص الاستثمار لاحقاً، وبالتالي فرص العمل، وصولاً إلى تحسّن النقد، والحركة الاقتصادية عموماً بما فيها حركة الاستيراد والتصدير.
الكلمات المفتاحية