"كورونا" الذي أصبح "كورولا" ولمحة على كوميديا التسميات الساخرة

"كورونا" الذي أصبح "كورولا" ولمحة على كوميديا التسميات الساخرة
أخبار | 12 أبريل 2020

لقي فايروس "كورونا" سريعاً تسميات مبتكرة في الدول العربية، وهي تسميات تحاول التخفيف من وطأة الرعب التي بثّها هجوم المرض الخطير علينا.

 
في لبنان مثلاً، يتخفّف كثيرون من "كورونا" بـ"كورولا"، وفي المناطق الكردية، حيث لا يتقن جزء كبير من الناس اللغة العربية أو الإنكليزية، تقرّر تسمية "كورونا" "كولونيا"، لا سيما في صفوف كبار السن. وكولونيا مفردة يُعنى بها العطر في الحقيقة، ولربّما اللاوعي الشعبي أراد تحويل المرض المعدي الذي يرعب العالم إلى عطر، على طريقة الكوميديا السوداء التي نحارب بها واقعنا.
 
واستعادت أغنية الفنان السوري ياسر العظمة الأضواء، بكلماتها التي تحاكي واقعنا، "خيي لا تصافحني بنوب لا تلمس يدي... يمكن في عندك ميكروب واللمس بيعدي"، على رغم أن الأغنية تعود إلى مسلسل "مرايا" عام 1986.
 
 
 كما عمد شبان وشابات إلى تأليف أغنيات عن "كورونا"، منها "الله محيي كورونا" لمحي ياسر، التي اجتاحت الشارع السوري، وأيضاً أغنية "عم تخطر عبالي بالحجر الصحي"، التي ألّفها ولحنها الفنان اللبناني ريان الهبر.
 
 
في تونس، انتشرت تسمية "كورينا" وذلك بعدما لفظها من طريق الخطأ رئيس البرلمان راشد الغنوشي خلال بثٍ مباشر. فاتخذ التونسيون من الخطأ مناسبة للوقوف في وجه "كورونا" تندّراً، بدءاً من تغيير اسم المرض. ربما يبدو ذلك طريقة علاج نفسية ممكنة، فيما يقبع الجميع في حجر منزلي قاسٍ وممل ومجهول النهاية.
 
في مصر، انتشرت أغنية لافتة لأبلة فاهيتا تشرح فيها أحوال المصريين في ظل "كورونا" بطريقة ساخرة ومضحكة، ووفق الأغنية الفايروس اسمه "كوارنتينا".
 
حتى أنّ الكثير من العرب وغير العرب ذهبوا إلى تقليص أفق فايروس "كورونا"، معتبرين أنه نوع من البيرة اللذيذة. فأحضروا زجاجات الكورونا إلى ثلاجاتهم، احتفاءً بالفايروس اللذيذ، بدل التحسّر والخوف.

اقرأ أيضاً: عبر مسرح سكايب... أوركسترا سورية تغني "ومن الشباك لارميلك حالي"
 
في موازاة ذلك، في سوريا الآن، وسط أزمة الدولار الحالكة وانهيار العملة الوطنية، بات السوريون يسمون الدولار "الشو اسمو" في محاولة للتمويه، بعد صدور مرسومين، الأول يقضي بمنع التداول بالدولار، والثاني بمنع نشر أخبار سوق صرف الدولار على مواقع التواصل الاجتماعي.
 
قصّة التسميات الفكاهية لمصائب الشعوب العربية ليست بجديدة، فطائرة الاستطلاع الإسرائيلية المعروفة بـMK لقبها اللبنانيون على مر سنوات الصراع بـ"أم كامل"، حتى أنّ التعبير استخدم في بعض المواد الإعلامية. فربما الطائرة التي كانت تمر فوق الرؤوس وكان صوتها قوياً وقريباً ومرعباً طبعاً، أراد اللبنانيون جعلها جارة أليفة "أم كامل".
 
أما رئيس النظام السوري بشار الأسد، فأبدع السوريون المعارضون بإيجاد تسميات كثيرة له، منها "الظرافة" لطول رقبته، و"بشار الوحش" أو "الوحش" وذلك للتقليل من قيمته، وإبعاد صفات الأسد الحميدة منه. وفي بعض الروايات يُقال إنّ آل الأسد كانوا سابقاً آل "الوحش" لكن مع الانتداب الفرنسي تم تغيير الكنية.
 
"حزب البعث" الذي يحكم سوريا منذ عشرات السنين، يسميه معارضوه "حزب البعص"، لا سيما في الأرياف، وذلك للدلالة على أن "حزب البعث" فرض سطوته بالقوة على البلاد.
 
الفلسطينيون مثلاً يسمّون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "النتن"، أما الرئيس الفلسطيني فيسمونه على سبيل النكتة "الثابت على الثوابت". وفي جملة الرؤساء أو المسؤولين الذين يشكّلون مصيبة أو وباء بالنسبة إلى شعوب معينة، هناك الرئيس العراقي الأسبق الراحل صدام حسين، الذي كان معارضوه يسمونه "ابن صبحة"، وصبحة هي والدة صدّام، علماً أنه عاش يتيم الأب مع أمه وزوجها. وفي الثقافة العراقية الكنية باسم الأم عيب ويندرج تحت نطاق السخرية والتندّر. و"ابن صبحة" لم يكن مجرد تعبير بل فعل انتقامي وإن كان رمزياً قام به العراقيون في ظل حكم صدام حسين الظالم. وأتت التسمية وفق بعض الروايات من أغنية سورية بتوجيه من "حزب البعث السوري"، اسمها "يا صبحا هاتي الصينية"، غناها موفق بهجت. وصدرت الأغنية على خلفية حرب تشرين عام 1973 وسط خلاف سوري- عراقي على منع دخول القوات العراقية عبر الأراضي السورية، التي كانت متجهة إلى فلسطين كما يقول "حزب البعث العراقي".
 

 
"بوش" في اللهجة العراقية يعني الزجاجة الفارغة، وهو تعبير يستخدم للسخرية من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، الذي غزا العراق عام 2003، لإنهاء حكم صدّام حسين. وكانت السيدات حين يرغبن بالدعوة على أبنائهنّ مثلاً يقلن "بلابوش اللي يبلبشك"، بمعنى "ليبتلك ابتلاء"، لكنّ حشر بوش في الجملة فسّره عراقيون في ما بعد بأن الدعوة لُبيت وقد أتى بوش حقاً ليبتليَ العراق. أما الأكراد فأطلقوا على جورج بوش تسمية "أبو آزاد"، وآزاد تعني الحرية، لكنّ الأكراد يستخدمونها للسخرية من بوش والحرية التي جاء بها. أما الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، فما زال معروفاً في مناطق كردية عدة بـ"حافل الأسد"، وقد لا تعني التسمية معاني كثيرة، لكن ربما تغيير الأسماء محاولة لتغيير رمزيتها أو تلطيف بطشها.
 
قد يهمك: هكذا فجّر الحجر الصحي مواهب السوريين الموسيقية (فيديو)

وبعد المجازر الأرمنية، وهروب الأرمن إلى المناطق الكردية ككوباني وقامشلي، مدمّرين بسبب الحرب وبوجوه صفر وقد حمل بعضهم وباء الملاريا الخطير، قرر الأكراد هروباً من تسمية "ملاريا" التي قد تبدو مريعةً أجنبية مجهولة، تسمية المرض "حمّى الأرمن". وقصص الأكراد مع تسميات الأمراض الخطيرة لا تنتهي، "إيفا زيراف" مثلاً تعني بالكردية المرض النحيل، هي دلالة على مرض السل. فتفادياً لأي تعريفات قد تكون مخيفةً للمرض، اختصره الأكراد بالنحالة، ذلك أن المصاب بالسل يصبح نحيلاً جداً. وفي إحدى القصائد الكردية الشهيرة للشاعر الكردي السوري سيداي تيريج، يقول "الحب مثل قبضة الأسد"، وقبضة الأسد يُعنى بها مرض السرطان الذي فضّل الأكراد تغيير اسمه ليصبح "قبضة الأسد". أما في لبنان مثلاً فيطلق كثيرون على السرطان "هيداك المرض"، وكأنهم يريدون سلبه اسمه، ما دام يسلبهم أرواح أحبائهم.
 
بعد عام 2003 في الفلوجة، استولى الحزب الإسلامي أي "الإخوان" على بناية كانت للسينما، وتحوّلت إلى مقر للحزب. مع الوقت أطلق العراقيون على الحزب الإسلامي لقب "حزب السينما". وفي الثقافة العراقية، يقال عن شخص أنه "سينما" للسخرية منه.

والآن نعود إلى "كورونا" بتسمياته الكثيرة، وسط عجز حكومات عربية وغير عربية أيضاً عن تأمين العلاج أو المحاجر أو حتى الفحوص الضرورية لكشف الإصابة، فربما وجد العرب أن لا سبيل للنجاة إلا بالكوميديا وحرب التسميات التي يبدو أنهم برعوا فيها منذ القديم وإلى اليوم.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق