بين فكي كماشة... ما هو مصير منطقة جنوب الطريق الدولي "M4"؟

بين فكي كماشة... ما هو مصير منطقة جنوب الطريق الدولي "M4"؟
تحليل سياسي | 06 مارس 2020
مالك الحافظ - روزنة 

ربما يَعتبِر مُحللّون أن أحد أكثر المفاجئات التي صدرت عن اتفاق يوم أمس الخميس، بين الرئيسين التركي والروسي حول إدلب، هو قبول أنقرة تأمين الطريق الدولي حلب-اللاذقية "M4" من أجل ضمان وصول الروس إليه، بممر آمن يصل عمقه حتى 6 كيلومتر شمال وجنوب الطريق. غير أن ما يثير الغرابة حول هذا البند هو خلو الاتفاق من أية آليات تضمن تنفيذاً واضحاً لهذا البند وكذلك باقي بنود الاتفاق. 

لقد أشار نص الاتفاق الجديد المُلحق لمذكرة سوتشي حول إدلب (أيلول 2018) بأن كل من روسيا وتركيا  تؤكدان من جديد تصميمها على مكافحة جميع أشكال الإرهاب، والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية في سوريا على النحو الذي حدده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع الاتفاق على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة. وهنا يصح التساؤل كيف تم التوافق على آلية مناسبة لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وكيف ستتم محاربة التنظيمات الجهادية سواء "هيئة تحرير الشام" وأشباهها المتمثلون بجماعة حراس الدين و الحزب التركستاني، وهذا الأخير هو على ما يبدو المستهدف الرئيسي في هذا الاتفاق، فالمنطقة التي يمر منها الممر الآمن في الطريق الدولي "M4" يسيطر على محيطها "الحزب التركستاني". 
 
         الممر الآمن بعمق 6 كلم (انطلاقاً من سراقب وصولاً إلى اللاذقية) الذي يتيح للروس وصل طريق "M5" بـ "M4"
 
أكد الاتفاق على منح الروس نفوذاً واسعاً على الطريق الدولي حلب-دمشق "M5" بعد حملة عسكرية واسعة، بينما مهّد له هذا الاتفاق الوصول إلى الطريق الدولي الآخر دون عمليات عسكرية خلال الوقت الحالي، ولكن إن كانت المعارضة المدعومة من أنقرة ستلتزم بتوجيهات تركيا، هل يمكن للأتراك ضبط التنظيمات الجهادية بقبول ما توصل إليه كل من أردوغان وبوتين، بأن تنسحب من محيط الطريق الدولي حتى عمق 6 كيلومتر. 

وإذا كان الرفض هو الرد المحتمل فسيكون ذلك أمثل الذرائع بالنسبة لروسيا لشن حملتها العسكرية المتوقعة هناك خلال الفترة المقبلة، على أن تكون محاججة الروس مستندة على ضرب الإرهاب في ظل "قلة حيلة" أنقرة. 

فيما إذا سارت الأمور بحسب ما اتفق عليه الأتراك والروس، وعملوا على تسيير دورياتهم المشتركة في محيط المنطقة، إلا أن مصير المناطق التي تسيطر عليهم المعارضة جنوب الطريق الدولي؛ ما يزال غامضاً، فهل تستلمها دمشق من دون أي قتال (المرجح تطبيق ذلك)، أم أن آلية مشتركة "غير معلنة" بين روسيا وتركيا قد يكون تم التفاهم حولها. 

اقرأ أيضاً: اتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب… روسيا تحقق مكاسبها؟

وفق مصادر أفادت لـ "روزنة" أن موسكو كانت اقترحت بنود إضافية "إجرائية" لم تُدون في  البروتوكول الإضافي "اتفاق موسكو"، تمثلت ببقاء الشرطة الروسية في سراقب، ومشاركة قوات النظام السوري في تأمين الطريق الدولي "M4"، وكذلك الاتفاق على تأسيس لجنة مشتركة لحل أزمة اللاجئين، فيما سيتم العمل من قبل أنقرة على تفكيك "هيئة تحرير الشام" خلال مهلة يتم تحديدها قبل نهاية الشهر الجاري، مقابل ترحيل الجهاديين غير السوريين، في "تحرير الشام" على أن يتم التوصل لصيغة مشتركة وحاسمة للتخلص من باقي التنظيمات الجهادية. 

سيساهم الاتفاق فيما لو التزمت تركيا بتعهداتها للروس، بخصوص ما يتعلق بحيثيات الممر الآمن على الطريق الدولي حلب-اللاذقية، بتقسيم ريف اللاذقية الشمالي وسهولة السيطرة عليه وهو المنطقة التي استعصت على دمشق السيطرة عليها طيلة السنوات الماضية، فيما قد تلقى مناطق جنوب الطريق مثل كنصفرة والبارة مصيراً مشابهاً لريف اللاذقية، وكذلك سيؤدي تنفيذ المطامح الروسية في هذا الطريق إلى الإسهام في زيادة حصار قطاع إدلب الشمالي، انطلاقاً من مركز محافظة إدلب نحو الشمال والغرب منها وامتداداً نحو ما تبقى من مناطق ريف حلب الغربي (دارة عزة والأتارب).

ماذا بعد الاتفاق؟ 

الباحث في العلاقات الدولية، د.طارق وهبي، اعتبر خلال حديثه لـ "روزنة" أن أردوغان يريد كسب الوقت لإعادة موضعة قواته وقوات حلفائه، فوقف إطلاق النار المطلوب وفق رأي وهبي هو أولى الخطوات التركية إما لإعادة تكوين تجمع عسكري سوري جديد يقوم بمهام قتالية أمامية على أن تدعم القوات التركية خلفية هذه القوات. 

وتابع: "الآن هذا موجود ولكنه بعد العمليات العسكرية أثبت أنه غير قادر على مقارعة النظام السوري والعناصر المساندة له... إن ما حصل من الموجة الأخيرة للاجئين هو إنذار لأوروبا أولاً ولكنه أيضاً يخيف الداخل التركي وبالتحديد بموضوع العمالة السورية؛ التي تأخذ حيزًا مهمًا في الاقتصاد الإنتاجي التركي والتي تدفع بنوع من البطالة في بعض الأقاليم التركية التي تستقبل الهاربين من بطش النظام السوري".

واعتقد وهبي أن الرئيس التركي يبحث عن تأمين المناطق التي لم يصلها النظام السوري من أجل أن تكون مأوى للاجئين؛ وبذلك تصبح تركيا "شرطي إدلب" والمقرر الأول في مستقبل هذه المنطقة.

قد يهمك: تحذيرات وملفات شائكة... "سقوط حر" للملف السوري؟

وأكمل في سياق مواز "أما روسيا فهي لا تريد أية أضرار مباشرة أو غير مباشرة على قواتها؛ وهي أنذرت النظام السوري على ألا يتم أية عمليات دون تنسيق مسبق؛ ولكن بعض القيادات العسكرية السورية التي ليست مقرّبة من القيادة العسكرية الروسية؛ تقوم بافتعال خلل عسكري لضعضعة العسكريين السوريين الذي تدعمهم روسيا... الرئيس بوتين متفق مع النظام السوري على مواضيع لها علاقة بمستقبل العلاقات وخصوصاً الاستراتيجية العسكرية عبر القواعد البحرية وفي الشمال الشرق السوري".

وتابع: "الغد السياسي السوري لن يستقيم إلا بإقصاء الذين أوصلوا سوريا لهذه الحالة؛ وروسيا وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل هم من سيقررون مسار السلم في سوريا الجديدة؛ وليس بغريب أن تصبح سوريا عراقاً جديد بنظامه وممارساته... الشعب السوري الخاسر الأكبر لأن القوى الإقليمية والعظمى لن تخسر آنيًا ولكنها ستربح في الغد".

وختم بالقول "إدلب مفتاح الحل كما هي العقدة التي تؤجله؛ لأن المعارضة السورية في الخارج لم يعد يسمع صوتها بعد أن حجبتها القوى العظمى فأضحت كل الاجتماعات ومن أهمها أستانا؛ استعراضاً لبعض الساسة السوريين الذين يطمحون بدور مستقبلي في سوريا القادمة".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق