الرياض تُعيد ترتيب الملف السوري مع واشنطن… ما الأسباب؟ 

الرياض تُعيد ترتيب الملف السوري مع واشنطن… ما الأسباب؟ 
تحليل سياسي | 27 فبراير 2020
تُعتبر المباحثات السعودية الأميركية حول الملف السوري، و التي تمت يوم أمس في مدينة الرياض السعودية، مثيرة للتساؤل بخصوص ما تم التفاهم حوله بين الطرفين، بخاصة وأنها تأتي بعد سلسلة من التصعيد السعودي ضد تركيا التي تدخل حالياً فيما يقترب من الصراع المباشر مع روسيا في الشمال السوري. 

اللقاء الذي أعلنت عنه يوم أمس وزارة الخارجية السعودية على صفحتها في "تويتر" وأشارت من خلال تغريدة متعلقة بالموضوع، أن الطرفان بحثا آخر المستجدات على الساحة السورية وسبل دعم الجهود المبذولة حيالها، بينما قالت صفحة السفارة الأميركية في دمشق على "فيسبوك" عن أن المجتمعين تباحثوا الوضع الصعب في إدلب.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس"، أن الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية، استقبل بمكتبه في ديوان الوزارة بالرياض، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام والمبعوث الخاص لسوريا جويل رايبرن، كما حضر الاجتماع من الجانب السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر بن سبهان السبهان، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور عادل بن سراج مرداد.

و ما بين مواجهة تركيا أو إيران في سوريا، عملت السعودية خلال الفترة الماضية على تعزيز جهودها إزاء هذه الجوانب، وفي سياق آخر يقرأ متابعون أن تنسيقاً مشتركاً بين واشنطن والرياض قد يكون هذا اللقاء أول ثماره ما يعني أن الرياض قد تركز جهودها أكثر صوب إضعاف النفوذ الإيراني، بخاصة وأن اللقاء يأتي كأول لقاء مشترك بين الجانبين بعد مقتل القائد السابق "لفيلق الحرس الثوري" الإيراني، قاسم سليماني (مطلع شهر كانون الثاني الفائت).

 هل تستطيع واشنطن إبعاد السعوديين عن الروس؟

الزيارة الأميركية إلى الرياض تأتي في وقت يقترب فيه مجلس الجامعة العربية من التحضير لاجتماعات القمة العربية المقبلة حيث يدور في الأثناء الحديث عن مطالبات بعودة دمشق لتسلم مقعدها في الجامعة العربية، وهو ما تدفع باتجاهه روسيا وطالبت به الرياض مراراً، لا سيما وأن الأخيرة تتزعم الموقف المعارض لعودة دمشق إلى الجامعة العربية. 

تجد الرياض نفسها تُعارض وجود نفوذ دولتين على الأرض السورية هم على طرفي نقيض (إيران وتركيا)، فضلاً عن روسيا التي روسيا التي تدعم دمشق وطهران في المعركة المفتوحة ضد محافظة إدلب بمواجهة المعارضة المدعومة من تركيا بشكل مباشر. وقد سعت موسكو خلال الفترة الماضية للتقرب من الرياض في سبيل التأسيس لعلاقة مشتركة عميقة تستغل في أحد جوانبها ضمان تعويم النظام السوري المستوى العربي عبر الرياض بشكل رئيسي. 

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد نهاية الشهر الفائت، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يعمل شخصياً" على إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. 

اقرأ أيضاً: هل اختارت روسيا بديلاً للأسد؟

ولا يعتبر التصريح الروسي بجديد حول تشديد موسكو على إعادة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية، حيث كان أشار لافروف في وقت سابق أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية منوط بموافقة السعودية على ذلك، حيث قال -آنذاك- أن "الكثير سيتوقف على موقف المملكة العربية السعودية؛ لأن صوتها مسموع في المنطقة وخارجها".

وكانت مصادر في الجامعة العربية قالت لـ "روزنة" في تشرين الأول الماضي، أن عودة دمشق إلى الجامعة تتعلق بانتهاء أسباب الصراع التي أدت إلى تجميد عضويتها، مؤكدة بأن دول عربية تريد التأكد من أن المقعد السوري لا تشغله إيران.

و منذ زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا (تشرين الأول 2017)، أفرزت العلاقات التي أخذت منحى تطورياً  بين الجانبين؛ تأثيراً ملموساً في تعديل السعودية لمواقفها تجاه الملف السوري بشكل تدريجي، بما ينسجم والتفاهم مع التوجهات الروسية. 

وفي المقام ذاته لا يمكن فصل الأزمة الخليجية منذ حزيران 2017 عن مسار التطورات المتعلقة بالملف السوري ودور التواجد السعودي فيه، والذي بات يأخذ شكلاً أكثر تقارباً مع موسكو من ناحية، ومن ناحية أخرى بدا أن الرياض تستعجل محاصرة النفوذ القطري بشكل أو بآخر ضمن أطر المعارضة السورية، فسعت عند تشكيل هيئة التفاوض في مؤتمر الرياض 2 (تشرين الثاني 2017) إلى إقصاء المعارضين المقربين من قطر بقدر ما استطاعت. 

الكاتب والباحث؛ حسام جزماتي، كان أشار خلال حديث سابق لـ "روزنة" إلى أن هناك مبالغة في تقييم الخطوات المتعلقة في احتمالية إعادة تأهيل النظام السوري على المستوى العربي؛ عند النظر إليها كاجراءات نهائية وشاملة أو كدرجات متسلسلة في سياق حتمي يتعلق بـ "تعويم النظام".

وتابع بالقول: "الغريب أن تأتي هذه المبالغة من طرفين متناقضين؛ أولهما أنصار النظام الواهمون والجاهلون بأبسط معطيات السياسة التي تقتصر عندهم على قطبي "المؤامرة الدولية" وفشل هذه المؤامرة المزعومة، وعودة قادة العالم لمصالحة الأسد وهرولتهم للوصول إلى "حذائه"، أما الطرف الثاني فهو معارض أو ثائر لكنه قانط إلى درجة مسيطرة على مشاعره، هذا أمر مفهوم بعد تراكم ظلم وقهر جمهور الثورة، والتهاون العالمي في تحقيق العدالة في سوريا وإنهاء كارثتها الممتدة؛ غير أن الإحباط ليس دليلاً جيداً للتحليل أو لممارسة السياسة".

روسيا وإيران أمام واشنطن

فيما تشير قراءات سياسية إلى احتمالية تعزيز الجهود السعودية الأميركية في بحث مسألة إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، بمواجهة المساومة الروسية التي تشير من وقت إلى آخر إلى أنه باستطاعتها إقفال ملف النفوذ الإيراني طالما أنها تملك السيطرة في سوريا. 

و اعتبر الباحث السياسي عبد الرحمن عبّارة، خلال حديثه لـ "راديو روزنة" أن إيران تجد نفسها محاصرة في ظل تطورات سياسية وعسكرية غير مسبوقة، ما يدفعها إلى تعزيز علاقتها الإستراتيجية مع روسيا، بمواجهة أي تحالف خليجي أميركي بقيادة السعودية، مع الحفاظ على مكاسب طهران السياسية والعسكرية والإقتصادية في سوريا ولو في حدودها الدنيا.

قد يهمك: ما الذي سيوقف توغل النفوذ الإيراني في سوريا؟

وأضاف متابعاً: "أعتقد أن الضغوط الأميركية عبر فرض المزيد من العقوبات على إيران لن تدفع روسيا للتنازل عن علاقاتها الإستراتيجية بإيران، وبنفس الوقت لن تستطيع موسكو تأمين غطاء سياسي وعسكري طويل الأجل لطهران في سوريا".

ورأى عبّارة أنه و أمام إصرار واشنطن على المضي بسياسة تقليم أظافر إيران في سوريا؛ وتحجيم نفوذها ودورها في المنطقة عموما؛ وسوريا على وجه التحديد، وفي ظل تراجع الاقتصاد الإيراني لمستويات قياسية، فلن يكون بمقدور إيران العزف منفردة في سوريا؛ وستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات استراتيجية لروسيا.

من ناحيته رأى الباحث في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، في حديث سابق لـ "راديو روزنة" بأن الوجود الإيراني بحد ذاته في سوريا يمنح موسكو ورقة جيدة يمكن من خلالها إقناع واشنطن وتل أبيب وغيرهم من القوى الدولية المتخوفة من النفوذ الإيراني؛ بأهمية الوجود الروسي في سوريا إذ هو يمثل في حده الأدنى ضمانة للحد من تحركات القوات الإيرانية في سوريا.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق