صفقة القرن تضع الجولان في مهب الريح

صفقة القرن تضع الجولان في مهب الريح
سياسي | 29 يناير 2020
أحدث إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أمس الثلاثاء، خطته حول ما بات يعرف بـ "صفقة القرن" ضجة كبرى عربية ودولية بخصوص ما سينتج عن هذا الإعلان من تداعيات و تبعات كبرى ذات طابع سلبي على أمن واستقرار المنطقة. 

ولا ينفصل مسار صفقة القرن عن القرار الاستفزازي الذي وقع عليه دونالد ترامب في آذار الماضي باعتراف إدارته بإسرائيلية الجولان، ورغم الإدانات العديدة التي أثيرت حول ذلك القرار -آنذاك- إلا أنها لم ترقى إلى مستوى المعارضة الحازمة لمنع تطبيق هذا القرار، في حين لم تتجاوز ردود الأمم المتحدة حدود التذكير بالقرارات الأممية ذات الصلة والتي تعتبر أن الجولان أرض سورية محتلة. 

ويثير نهج ترامب الداعم للمحتل الاسرائيلي الكثير من المخاوف حول تحدي الولايات المتحدة للقرارات الدولية المتعلقة بالجولان، واستغلال حالة التردي السياسي والاجتماعي التي تعانيها المنطقة في ظل صمت عربي يمكن وصفه بالاعتراف بواقع الحال، ذلك عدا عن استمرار الحرب في سوريا وإمكانية القول بتحولها إلى دولة فاشلة لا تستطيع الدفاع عن أراضيها المحتلة، وهي التي بقيت صامتة على احتلال الجولان طيلة السنوات الماضية والاكتفاء بالتغني بما أسماه النظام السوري وحلفائه بـ "محور المقاومة والممانعة".

اقرأ أيضاً: سوريا عام 2019.. خمس محطات رئيسة ترسم مستقبلها في العام الجديد

ولو أن إعلان الرئيس الأميركي مساء أمس كان مباشراً حول ما أسماه بقضية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، إلا أنه لا يمكن عزل قضية الجولان السوري المحتل عن صفقة ترامب المشبوهة، حيث اعتبر مراقبون أن قرار الإدارة الأميركية في آذار الماضي بخصوص الجولان لم يكن إلا قسطاً مبدئياً ضمن "صفقة القرن" قدمه ترامب لحكومة نتنياهو وإلى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لضمان تعزيز فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. 

ترامب أعلن مساء أمس خطته المزعومة حول "السلام في الشرق الأوسط"، متعهدا بأن تظل القدس عاصمة "غير مقسمة" لإسرائيل، وقال في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض وإلى جواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن خطته "قد تكون الفرصة الأخيرة" للفلسطينيين، غير أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض الخطة المقترحة قائلا: "رفضنا خطة ترامب منذ البداية ولن نقبل بدولة دون القدس"، مؤكداً أن خطة ترامب "لن تمر وستذهب إلى مزبلة التاريخ".

هل على السوريين أن ينسوا الجولان بعد صفقة القرن؟ 

و في خضم الحديث عن صفقة القرن التي على ما يبدو ستفرض عدة احتمالات على السوريين فيما يتعلق بأرضهم المحتلة في هضبة الجولان حول ما إذا كان عليهم نسيان الجولان بعد إصرار ترامب على إكمال عقد "الصفقة المهينة"، أم هل يمكن الاعتماد على القرارات الدولية والتي ستكون كافية لاستمرار حماية الحق السوري. 

الكاتب والمحلل السياسي، درويش خليفة، أشار خلال حديث لـ "روزنة" إلى استحالة أن ينسى السوريين قضيتهم الأم واستعادة الجولان من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، مشدداً على حتمية ذلك حتى ولو كان   الاعتراف بتكري الاحتلال يأتي من قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، مردفاً بالقول: "حتى و إن كنا في حالة ضعف نتيجة حرب النظام على الشعب المناهض لوجود الأسد وحاشيته في السلطة".

كما اعتبر أن اعتراف الرئيس الأمريكي بإسرائيلية الجولان لا يعني التخلي عنها أو المطالبة بها كما فعل النظام السوري في عهدي الأسد الأب والابن، مؤكداً بأن "الثورة السورية خرجت لاستعادة الحقوق المسلوبة من السلطة الحاكمة؛ وليس للتنازل عن حقوق أصيلة للشعب السوري، كانت مقابلا ومنحة من الأسد للاحتلال مقابل بقائه في الحكم".

خليفة لفت في سياق مواز إلى أن ترامب يريد كسب الجولة المقبلة من الانتخابات الأميركية وهو الأمر الذي أدى إلى إعلان صفقة القرن وكذلك الاعتراف بإسرائيلية الجولان. 

وتابع: "إذا كنا في حالة ضعف نتيجة إرهاقنا بحروب داخلية؛ فهذا لا يعني أن نستسلم و نسكت عن حقنا، و يجب أن تعلم الإدارة الأميركية أن هكذا قرارات كفيلة في توسيع قاعدة الإرهاب وليس في تطويقه والحد منه، لأن القوة الخشنة لم تنفع في الحرب الأميركية على العراق، وهذا ينسف استراتيجيتهم في القوة الناعمة ما بعد حرب 2003".

ورأى أن قطبي الصراع الدولي (الولايات المتحدة و روسيا) يريدون اللعب في جغرافية المنطقة لتثبيت نفوذهم في الشرق الأوسط عبر صفقة القرن من خلال اقتطاع أراض ومنحها للأخرين، مشيراً إلى أن الإعلان عن الصفقة يضع القانون الدولي والدبلوماسية الدولية على المحك، كذلك فإنها تدلل على أننا في طريق العودة لعصور الإمبراطوريات التي كانت تغزو العالم مستندة على القوة وغياب النظم الرادعة.

بينما أوضح الدبلوماسي السوري السابق؛ والباحث السياسي بسام بربندي في حديث لـ "روزنة"؛ إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة نهاية العام الجاري، ستكون شرسة، لذا فإن ترامب يسعى لكسب ود "الشريحة المسيحية الإنجليكية" الداعمة لإسرائيل لأسباب دينية؛ وبغض النظر عن انتمائها الحزبي فإن لها قوة انتخابية كبيرة.

قد يهمك: قرار أممي يطالب إسرائيل مجدداً بمغادرة الجولان المحتل

 فيما لم يغفل بربندي "صفقة القرن" التي قال عنها بأن "نتنياهو يعرف حاجة ترامب له؛ و كونه يواجه منافسة انتخابية و مشاكل قضائية؛ و منافسيه أعلنوا أن ضم الجولان سيكون أولوية لهم، لذلك هو كان قد ضغط على البيت الأبيض لإعلان اعتراف أميركا باحتلال إسرائيل للجولان؛ من أجل تحقيق مكاسب انتخابية".

 وختم بالإشارة إلى أن قرار ترامب سياسي وليس قانوني؛ فهو ضد كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالجولان؛ و التي وافق عليها سابقا كل قادة الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1967، وفق تعبيره، مؤكدا على أن أي عملية سلام في المنطقة؛ ستبقى تستند على الشرعية الدولية و التي تعتبر هضبة الجولان منطقة محتلة.

من ناحيتها، كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد قالت في حديث سابق لـ "روزنة" أن ما قام به ترامب من اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، هو عمل غير قانوني من قبل الإدارة الأميركية؛ مشيرة إلى أن ما تم هو اعتراف بأخذ أرض بطريقة غير قانونية في ظل رفض الأمم المتحدة لذلك.

وأكدت سارة كيالي؛ الباحثة المختصة في شؤون سوريا في المنظمة غير الحكومية، أن اعتراف ترامب كان يمثل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي فضلاً عن أنه يساهم في تشريع الانتهاكات الممارسة من قبل إسرائيل.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد وقع في الـ25 من آذار الماضي، على مرسوم ينص على اعتراف الولايات المتحدة بسيادة "إسرائيل" على الجولان السوري المحتل، بحضور نتنياهو.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق