الرقة – عبد الله الخلف
على قارعة الطريق قرب متحف مدينة الرقة، جلس مواطن يرتدي ثياباً بالية، ووضع أمامه "ببور الكاز" الذي جاء به من بيته، ليعرضه للبيع مقابل أربعة آلاف ليرة سورية فقط.
صالح محمد ذيب من أهالي مدينة الرقة، فعل ذلك لأن ابنه البالغ من العمر خمس سنوات كان يتألم طوال الليل من المرض، وهو بأمس الحاجة للنقود لكي يأخذها إلى الطبيب.
في حديثه مع روزنة يقول ذيب: "لم أجد حلاً سوى بيع "ببور الكاز" الذي نطبخ ونسخن الماء عليه، مهنتي عامل؛ أقف مع باقي العمال في ساحة المتحف ننتظر رزقنا، ولكن العمل ضعيف، نعمل يوماً ونجلس عشرة أيام بدون عمل، ولا أحد يساعدني، المعيشة أصبحت صعبة جداً هذه الأيام، حتى كسرة الخبز أصبح الحصول عليها مهمة شاقة، اليوم الذي أعمل فيه أشتري الخبز والطعام ونأكل، وأيام كثيرة تمضي بدون عمل ولا نأكل شيئاً خلالها".
تشير إحصائيات أجرتها منظمات محلية في الرقة، إلى أن نسبة الأهالي الذين باتوا تحت خط الفقر تقارب الـ 40 بالمئة، بحسب أحمد عبد القادر مدير فريق الأمل الإنساني، الذي يرى بأن الحرب التي شهدتها الرقة عام 2017، بين تنظيم "داعش" وقوات "قسد" المدعومة من التحالف الدولي وقتها، أدت لازدياد الفقر بشكل كبير.
ويقول عبد القادر: "فريقنا يختص بتقديم خدمات طبية بسيطة للأهالي الذين لا يمتلكون القدرة المادية على العلاج، من خلال عملنا وجدنا أن الحرب أثرت في هذا الجانب كثيراً، وازدادت نسبة المعاقين ومرضى السكري والكلى وغيرها من الأمراض، الكثير من الأهالي أصبحوا تحت خط الفقر بسبب تكاليف العلاج الباهظة، حيث يضطر الكثيرون لبيع ممتلكاتهم بأثمان منخفضة لكي يتمكنوا من تأمين ثمن العلاج".
اقرأ أيضاً.. الرقة: أكثر من عامين على نهاية الحرب ولا يزال الدمار حاضراً
ويروي لـ "روزنة" مشاهداته لجزء من معاناة السكان في الرقة قائلاً: "على سبيل المثال هناك شخص من أهالي الرقة كان لديه مكتب صرافة قبل الحرب، واليوم لديه طفل مريض سكري، وهذا الطفل يحتاج شهرياً ما يعادل 30 ألف ليرة سورية للعلاج، والأب لم يعد بإمكانه تأمين ثمن العلاج بعد أن فقد عمله ومنزله في الحرب، واليوم هو يلجئ للتبرعات والمساعدات، كذلك هناك امرأة اضطرت لبيع ثلاجة بيتها لكي تؤمن ثمن جلسة غسيل كلية لزوجها، هذه الحالات أنا رأيتها بنفسي، وأمثال هذه الحالات كثيرة في الرقة هذه الأيام".
من جهتها قامت بلدية الرقة مؤخراً بتشكيل لجنة لدعم العوائل الفقيرة تحت مسمى "لجنة الدعم المجتمعي"، وذلك عن طريق جمع التبرعات من التجار والميسورين وتوزيعها على الفقراء.
وتقول عواطف العيسى (موظفة في البلدية وعضو لجنة الدعم المجتمعي): "بطبيعة عملنا في البلدية واحتكاكنا مع الناس، شاهدنا العديد من حالات الفقر والعوز في المدينة التي خلفتها ظروف الحرب التي مرت بالرقة، أعداد كبيرة من المطلقات والأرامل والمرضى الذين لا يستطيعون تأمين ثمن العلاج، لذلك عملنا على تشكيل لجنة تطوعية لمساعدة الفقراء، وأنشئنا صندوق لجمع التبرعات من رؤوس الأموال في الرقة، واللجنة تقوم بالتنسيق مع أصحاب المولدات الكهربائية (الأمبيرات) لتوصيل الكهرباء مجاناً لبيوت عدد من العائلات الفقيرة، وخصصنا راتب شهري يبلغ 25 ألف ليرة سورية لبعض العائلات كون لا يوجد لديها أي معيل، كما نقوم بتقديم ما نجمعه من مواد غذائية وألبسة لهذه العائلات".
وفاء نعمان نازحة من دير الزور، تعرض منزلها للدمار في غارة جوية لطيران التحالف عام 2017، وأصيب زوجها أيضاً في تلك الغارة وأصبح عاجزاً عن العمل، وتعيش وفاء حالياً في معمل بلوك بمدينة الرقة مع زوجها العاجز وأطفالها، دون وجود أي مصدر دخل لهم.
قد يهمك: هل يُشعل سوء الأوضاع المعيشية فتيل احتجاجات الموالين ضد النظام السوري؟
تقول نعمان: "لا نستطيع تأمين ثمن آجار بيت، وحمداً لله أن صاحب المعمل منحنا غرفة في معمله لنسكن فيها، أنا أم لخمسة أطفال، لدي طفلة معها خلع ولادة في الحوض، والآخر يعاني من الفشل الكلوي، أهل الخير تبرعوا لي بمبلغ من المال وسافرت به إلى دمشق لأعالجه، ولكن حالياً لديه مراجعة ثانية مع الطبيب هناك ولا أمتلك المال الكافي للسفر ولا أعرف ماذا أفعل".
بعد سيطرة "قسد" على مدينة الرقة في أواخر شهر تشرين الأول عام 2017، بدأ الأهالي بالعودة لمدينتهم بعد رحلة نزوح شاقة في المدن والقرى المجاورة، لتبدأ بعد ذلك المنظمات الإغاثية بالتوافد على المدينة لتقديم المساعدات للأهالي.
وبحسب مكتب الإغاثة في مجلس الرقة المدني فإن 13 منظمة محلية ودولية تعمل حالياً في الرقة على الجانب الإغاثي، ويشير إبراهيم النعيمي عضو مكتب الإغاثة إلى أن المنظمات كانت تقوم بداية دخولها للرقة عام 2018 بتوزيع المساعدات على جميع الأهالي، ولكن حالياً تعمل المنظمات على توزيع المساعدات الإغاثية على العوائل الأشد فقراً ومتوسطي الدخل فقط.
ومع دخول الحرب السورية عامها الثامن تزداد معاناة السكان ويستمر الفقر بالتمدد، في بلد يعيش نحو 83 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر بحسب "الأمم المتحدة".
على قارعة الطريق قرب متحف مدينة الرقة، جلس مواطن يرتدي ثياباً بالية، ووضع أمامه "ببور الكاز" الذي جاء به من بيته، ليعرضه للبيع مقابل أربعة آلاف ليرة سورية فقط.
صالح محمد ذيب من أهالي مدينة الرقة، فعل ذلك لأن ابنه البالغ من العمر خمس سنوات كان يتألم طوال الليل من المرض، وهو بأمس الحاجة للنقود لكي يأخذها إلى الطبيب.
في حديثه مع روزنة يقول ذيب: "لم أجد حلاً سوى بيع "ببور الكاز" الذي نطبخ ونسخن الماء عليه، مهنتي عامل؛ أقف مع باقي العمال في ساحة المتحف ننتظر رزقنا، ولكن العمل ضعيف، نعمل يوماً ونجلس عشرة أيام بدون عمل، ولا أحد يساعدني، المعيشة أصبحت صعبة جداً هذه الأيام، حتى كسرة الخبز أصبح الحصول عليها مهمة شاقة، اليوم الذي أعمل فيه أشتري الخبز والطعام ونأكل، وأيام كثيرة تمضي بدون عمل ولا نأكل شيئاً خلالها".
تشير إحصائيات أجرتها منظمات محلية في الرقة، إلى أن نسبة الأهالي الذين باتوا تحت خط الفقر تقارب الـ 40 بالمئة، بحسب أحمد عبد القادر مدير فريق الأمل الإنساني، الذي يرى بأن الحرب التي شهدتها الرقة عام 2017، بين تنظيم "داعش" وقوات "قسد" المدعومة من التحالف الدولي وقتها، أدت لازدياد الفقر بشكل كبير.
ويقول عبد القادر: "فريقنا يختص بتقديم خدمات طبية بسيطة للأهالي الذين لا يمتلكون القدرة المادية على العلاج، من خلال عملنا وجدنا أن الحرب أثرت في هذا الجانب كثيراً، وازدادت نسبة المعاقين ومرضى السكري والكلى وغيرها من الأمراض، الكثير من الأهالي أصبحوا تحت خط الفقر بسبب تكاليف العلاج الباهظة، حيث يضطر الكثيرون لبيع ممتلكاتهم بأثمان منخفضة لكي يتمكنوا من تأمين ثمن العلاج".
اقرأ أيضاً.. الرقة: أكثر من عامين على نهاية الحرب ولا يزال الدمار حاضراً
ويروي لـ "روزنة" مشاهداته لجزء من معاناة السكان في الرقة قائلاً: "على سبيل المثال هناك شخص من أهالي الرقة كان لديه مكتب صرافة قبل الحرب، واليوم لديه طفل مريض سكري، وهذا الطفل يحتاج شهرياً ما يعادل 30 ألف ليرة سورية للعلاج، والأب لم يعد بإمكانه تأمين ثمن العلاج بعد أن فقد عمله ومنزله في الحرب، واليوم هو يلجئ للتبرعات والمساعدات، كذلك هناك امرأة اضطرت لبيع ثلاجة بيتها لكي تؤمن ثمن جلسة غسيل كلية لزوجها، هذه الحالات أنا رأيتها بنفسي، وأمثال هذه الحالات كثيرة في الرقة هذه الأيام".
من جهتها قامت بلدية الرقة مؤخراً بتشكيل لجنة لدعم العوائل الفقيرة تحت مسمى "لجنة الدعم المجتمعي"، وذلك عن طريق جمع التبرعات من التجار والميسورين وتوزيعها على الفقراء.
وتقول عواطف العيسى (موظفة في البلدية وعضو لجنة الدعم المجتمعي): "بطبيعة عملنا في البلدية واحتكاكنا مع الناس، شاهدنا العديد من حالات الفقر والعوز في المدينة التي خلفتها ظروف الحرب التي مرت بالرقة، أعداد كبيرة من المطلقات والأرامل والمرضى الذين لا يستطيعون تأمين ثمن العلاج، لذلك عملنا على تشكيل لجنة تطوعية لمساعدة الفقراء، وأنشئنا صندوق لجمع التبرعات من رؤوس الأموال في الرقة، واللجنة تقوم بالتنسيق مع أصحاب المولدات الكهربائية (الأمبيرات) لتوصيل الكهرباء مجاناً لبيوت عدد من العائلات الفقيرة، وخصصنا راتب شهري يبلغ 25 ألف ليرة سورية لبعض العائلات كون لا يوجد لديها أي معيل، كما نقوم بتقديم ما نجمعه من مواد غذائية وألبسة لهذه العائلات".
وفاء نعمان نازحة من دير الزور، تعرض منزلها للدمار في غارة جوية لطيران التحالف عام 2017، وأصيب زوجها أيضاً في تلك الغارة وأصبح عاجزاً عن العمل، وتعيش وفاء حالياً في معمل بلوك بمدينة الرقة مع زوجها العاجز وأطفالها، دون وجود أي مصدر دخل لهم.
قد يهمك: هل يُشعل سوء الأوضاع المعيشية فتيل احتجاجات الموالين ضد النظام السوري؟
تقول نعمان: "لا نستطيع تأمين ثمن آجار بيت، وحمداً لله أن صاحب المعمل منحنا غرفة في معمله لنسكن فيها، أنا أم لخمسة أطفال، لدي طفلة معها خلع ولادة في الحوض، والآخر يعاني من الفشل الكلوي، أهل الخير تبرعوا لي بمبلغ من المال وسافرت به إلى دمشق لأعالجه، ولكن حالياً لديه مراجعة ثانية مع الطبيب هناك ولا أمتلك المال الكافي للسفر ولا أعرف ماذا أفعل".
بعد سيطرة "قسد" على مدينة الرقة في أواخر شهر تشرين الأول عام 2017، بدأ الأهالي بالعودة لمدينتهم بعد رحلة نزوح شاقة في المدن والقرى المجاورة، لتبدأ بعد ذلك المنظمات الإغاثية بالتوافد على المدينة لتقديم المساعدات للأهالي.
وبحسب مكتب الإغاثة في مجلس الرقة المدني فإن 13 منظمة محلية ودولية تعمل حالياً في الرقة على الجانب الإغاثي، ويشير إبراهيم النعيمي عضو مكتب الإغاثة إلى أن المنظمات كانت تقوم بداية دخولها للرقة عام 2018 بتوزيع المساعدات على جميع الأهالي، ولكن حالياً تعمل المنظمات على توزيع المساعدات الإغاثية على العوائل الأشد فقراً ومتوسطي الدخل فقط.
ومع دخول الحرب السورية عامها الثامن تزداد معاناة السكان ويستمر الفقر بالتمدد، في بلد يعيش نحو 83 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر بحسب "الأمم المتحدة".
الكلمات المفتاحية