الغلاء المعيشي في سوريا دفع المواطنين إلى حافة ما قبل الجنون،على حد وصف أحدهم، خلال حديث مع "روزنة"، فأطلقوا عدة حملات لدعم اقتصادهم المتهاوي، منها دعت في مضمونها إلى التكافل الاجتماعي الذي ربما يكون مخرجاً من "جحيم الفقر" الذي فرض نفسه على الكثير جراء الواقع الاقتصادي المتردي.
"سوريا الخبز والملح" حملة تزامنت مع "ليرتنا عزتنا"، دعت السوريين إلى مساعدة بعضهم البعض من خلال المواد الغذائية والألبسة، من مبدأ التكافل الاجتماعي، بما يقدرون عليه.
وتهدف الحملة بحسب مُطلِقيها إلى "الإحساس بالغير، ودعم المحتاج وتحصينه من الطلب"، من خلال إعادة تفعيل بعض العادات القديمة التي كان يتّبعها السوريون ولا يزال البعض يمارسها.
ومن العادات التي طالبوا بإحيائها تذّكر الجار بطبق طعام، وزيارة مريض مع شيء يحتاجه كطعام أو لباس، وتذكر فقير بربطة خبز، وأشياء أخرى يدعم الناس بعضهم البعض من خلالها.
ومما جاء في نص الحملة: "وإنت عم تشتري خضرا حط بكيس من كل شغلة قطعة ووديهن لبيت فقير أو شي محتاج بتشوفوا بطريقك... عندك تياب ماعم تلبسها أو جاكيت قديم معلش العالم بحسرة الدفا خدو ولبسو لمحتاج".
كما جاء فيها: "إنت بالحارة بتعرف عيلة فقيرة احكي مع الجيران ولو من هاد 200 و 300 ممكن تجمعلن كفايتن اليومية"، داعية السوريين لأن يكونوا من المبادرين في محيطهم لكسب القلوب المكسورة من واقع الحياة المرير، الأمر الذي لاقى قبولاً بين السوريين، فيما البعض أكّد أنّ هذه من سمات الشعب والبعض بدون أي دعوة يقوم بها.
أحد الناشطين السوريين اقترح على التجار شراء كيس سكر يحتوي على 50 كيلو كمثال، ومن ثم يعمد على بيع الكيلو الواحد بـ 100 ليرة بدل 700 أو أكثر.
وأضاف أنه فيما لو 10 محلات في المنطقة عملوا بذات المبدأ فإنّ 500 عائلة تحصل على السلعة، موضحاً أنّ ذلك لن يغني المشتري ولن يفقر البائع، ومن الممكن أن تتحول المبادرة إلى أنواع أخرى يحتاجها المواطن.
اقرأ أيضأً: حملة "ليرتنا عزّتنا"... مساعدة للسوريين أم خدمة إعلانية؟
حملة "ليرتنا عزتنا" التي لا تزال مستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي والواقع بحسب ما أكد سوريين لـ"روزنة"، هدفت إلى بيع أو شراء أو تقديم أي خدمة بليرة واحدة، ولاقت الحملة قبولاً بين أصحاب المحال التجارية والمعلمين وغيرهم وصولاً إلى الفنانين كحسام جنيد وتولين البكري.
وتهدف الحملة إلى كسر هيمنة الدولار على الاقتصاد المحلي، ودعم الليرة السورية، من خلال بيع وتقديم أي خدمة بليرة واحدة فقط، وفق مُطلِقي الحملة.
عبدلله شامي، ناشط اجتماعي من دمشق يقول لـ"روزنة": "الحملة بدأت بعدّة محال تجارية، والآن توسّعت لتشمل معظم أرجاء سوريا، بمختلف أنشطتها التجارية، من الباعة إلى محال الحلاقة والألبسة والهواتف المحمولة وحتى عيادات الأطباء، كما سجّلنا اشتراك محال صاغة في الحملة، ليس ببيع الذهب مقابل ليرة بالتأكيد، وإنما بتصليح الذهب".
وتابع عبدلله "رغم كل شيء يمر به الشعب إلا أنه يشارك بكثافة في هذه الحملة، وعلى حكومة النظام أن تفهم الرسالة وتحاول هي الأخرى أن تساعد وتساهم في دعم الشعب ووضع الفاسدين في السجون وإلا لن تفيد هذه الحملة الشعب سوى بضعة أيام، ليعود بعدها كل شيء مرتفع الثمن، ويكون بالتالي الشعب استنفذ ما تبقى من طاقة العطاء لديه، وهو الوضع الطبيعي".
قد يهمك: اعتراضاً على تردي المعيشة... متظاهرو السويداء يهتفون ضد رامي مخلوف
وبعد انتشار حملة "ليرتنا عزتنا" أقرّت "غرفة تجارة ريف دمشق" أن العملة من فئة ليرة واحدة لا تملك أي قيمة شرائية وهي مسحوبة من التداول منذ عام 2013.
وطالبت المشاركين في الحملة أن يجعلوا من الوحدة النقدية 100 أو 200 أو 500 ليرة، لدعم الليرة السورية ومساعدة الفقراء.
كما طالب السوريون كبار الشركات الاقتصادية الذين لم يصدر عنهم أي صوت بالمشاركة بدعم الليرة السورية، متسائلين عن دورهم في مبادرات كهذه.
"غرفة صناعة دمشق وريفها" أعلنت انضمامها إلى الحملة من خلال دعوة المواطنين للتسوق في "صالة الجلاء" الرياضية بدمشق اليوم الأربعاء، بليرة واحدة لأي شيء.
كما تساءل المواطنون عن غياب شركتي "ام تي ان" و"سيرياتيل" عن المشاركة في الحملة، لترد شركة "ام تي ان" بالقول إنه "سيتم العمل على إمكانية توفير عروض جديدة وسيتم الإعلان عنها بحال توافرها".
وارتفعت الأسعار بشكل كبير بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية، والتي تجاوزت الألف، ما دفع السوريون إلى الاحتجاج إما عبر مظاهرات في مناطق مختلفة أو من خلال الانتقاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للهروب من جحيم الفقر والعوز، و من لا يمكن له التفكير بالسفر إما أن يلجأ للانتحار أو أن القدر يساعده على الموت مبكراً بـ "جلطة" تقطع حلقات البؤس المعاش.
الكلمات المفتاحية