هل يُشعل سوء الأوضاع المعيشية فتيل احتجاجات الموالين ضد النظام السوري؟ 

هل يُشعل سوء الأوضاع المعيشية فتيل احتجاجات الموالين ضد النظام السوري؟ 
اقتصادي | 16 يناير 2020
تعتبر الأزمة التي تعصف بأوضاع معيشة السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري، من أقسى الأزمات التي عايشها المواطنون في تاريخ سوريا الحديث، حيث ساهم انهيار سعر صرف الليرة السورية بشكل غير مسبوق مقابل الدولار الأميركي إلى انخفاض القوة الشرائية، وهو ما أدى بالنتيجة إلى ارتفاع قيمة المنتجات لتبدو أكبر قيمة من أن يستطيع السوريين الحصول عليها. 

"الأمل بات معدوماً بشكل نهائي وكل سوري لديه ذرة أمل واحدة بحياة أفضل في سوريا هو شخص مجنون" هكذا وصف أحمد الياسين (33 عام من دمشق)، (اسم مستعار لضرورات أمنية)، حال البؤس والشقاء الذي يعانيه المواطن السوري البسيط، ويشرح كيف أدى تآكل قيمة الليرة السورية إلى تفكير نسبة كبيرة من السوريين بالخروج من البلد. 

جلطات لقتل الفقر… واقتصاد الظل حاصل 

بات السوريون يلجأون إلى مجموعات عبر التواصل الإجتماعي للاستنجاد بأي طريقة تساعدهم للهروب من جحيم الفقر والعوز، وفق قول أحمد، ويدلل على ذلك بأن من لا يمكن له التفكير بالسفر إما أن يلجأ للانتحار أو أن القدر يساعده على الموت مبكراً بـ "جلطة" تقطع حلقات البؤس المعاش.

وكشفت الهيئة العامة للطب الشرعي التابعة للنظام السوري، مطلع شهر تموز الماضي، عن ارتفاع حالات الانتحار بين السوريين في مناطق سيطرة النظام، حيث بلغ عددها منذ مطلع العام الجاري، 59 حالة، رغم أن صفحات محلية كانت رجحت أن العدد أكثر من ذلك وفق تقديراتها، دون أن تتأكد من روزنة من العدد الحقيقي لحالات الانتحار خلال السنة الفائتة، وذكر المدير العام لهيئة الطب الشرعي في سوريا -آنذاك-، إن الحالات التي سُجلت كانت في عموم سوريا، ما عدا دير الزور والرقة وإدلب والحسكة. 
 
 
وأضاف الياسين "إيجارات المنازل في دمشق لا تقل عن 300 ألف؛ هذا وإن وجد، أصحاب العقارات تطلب مبلغ الإيجار سنة سلفاً… الناس باتت تنام في الشوارع وتفترش الكراتين، وتبحث بين القمامة لتأكل، تخيلوا لأي درجة وصلت أحوال الناس… منذ بداية الحرب بات هناك طبقتين في البلد؛ طبقة لصوص (محدثي نعمة)، و طبقة وسطى أصبحت تحت خط الفقر". 

وأردف "أحتاج إلى 600 ألف ليرة لكي أعيش بكرامة، رغم اني متزوج حديثاً وليس لدي أولاد وغير مسؤول عن أحد سوى زوجتي… لا نستطيع مواد التدفئة أبداً بسبب غلائها وندرتها، فإذا استطعت تأمين المازوت فإن تكلفة إشعال المدفأة لفترة 4 ساعات فقط يومياً تبلغ 40 ألف ليرة وهذا مبلغ كبير جداً، كذلك فإن اسطوانة الغاز المفقودة أساساً يتطلب تأمينها مبلغ 15 ألف ليرة".

اقرأ أيضاً: هل يستطيع النظام السوري الاستمرار بدفع رواتب موظفيه؟

الخبير والباحث الاقتصادي، يونس الكريم، تحدث لـ "روزنة" عن التبعات السلبية لتدهور قيمة الليرة السورية، مشيراً بالقول إلى أن استمرار التدهور، وما سيؤديه من ارتفاع للأسعار في الأسواق السورية، سينتج "واقع كارثي" إذا ما لم تعالج الأسباب التي أدت إلى الواقع الحالي بشكل مثالي. 

ولفت الكريم إلى أن استمرار انخفاض قيمة الليرة سيكون له وقعاً مدمراً على حياة المواطنين لما سيتسبب ذلك بانخفاض القوة الشرائية، وبهذه الحالة لن يتمكن الفرد من الحصول على السلع الأساسية، وفق قوله، وأضاف "إن استمرار الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه سيؤدي إلى تفشي الفساد أكثر فأكثر، وسيطرة اقتصاد الظل على حياة السوريين". 

وأردف بأن "انتشار اقتصاد الظل هو أول نتائج انهيار مؤسسات الدولة، بحيث تكون الدولة وإمكانياتها في خدمة الأغنياء… وفي هذا الحال ستزداد الرشوة وتعمد الدولة على مبدأ ابتزاز المواطنين لصالح الأقوياء، كذلك فإنه وفي اقتصاد الظل تتحول الدولة إلى كانتونات وإمارات".

تظاهرات في مناطق حساسة وتغيير حكومي مرتقب 

مصادر محلية مطلعة من دمشق، قالت لـ "روزنة" أن تغييراً جذرياً في حكومة النظام بات قريباً جداً في فترة لن تتجاوز الشهر، حيث ستدعي دائرة الحكم الضيقة في القصر الجمهوري أن متطلبات المرحلة الحالية بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية تدفع إلى تشكيل حكومة جديدة، سعياً منهم لإدعاء امتصاص غضب الموالين من تردي أحوالهم المعيشية. 

وأشارت المصادر إلى أن الظروف باتت مهيئة لتكشف الدائرة الضيقة من سلطة القصر الجمهوري عن تشكيلة وزارية بأسماء جديدة في غالبها، حيث ستطال التغييرات مواقع عدة من أهمها رئاسة الوزراء والتي من المرجح أن يتولاها عماد العزب (وزير التربية الحالي)، كما ستطال بعض التغييرات كل من وزارات الدفاع والداخلية والاتصالات والنقل والكهرباء.

في الأثناء نقلت مصادر ثانية في اللاذقية، أن التظاهرات التي خرجت في السويداء يوم أمس الأربعاء لا تعتبر ذات حساسية عالية فيما لو تمت مقارنتها بالتظاهرة التي خرج فيها العشرات في اليوم ذاته بمدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، وهو الأمر الذي أثار تخبط كبير لدى القوى الأمنية في المحافظة، وأدى إلى قلق شعبي من تبعات هذا التطور والذي من شأنه أن يشعل فتيل الاحتجاجات بشكل صادم سواء في اللاذقية أو في مناطق أخرى من سيطرة حكومة دمشق. 

ولليوم الثاني على التوالي، هتف متظاهرو السويداء، اليوم الخميس، بحقوقهم  وعبرو عن غضبهم في ظل تردي الأوضاع المعيشة مع انخفاض سعر الليرة السورية، حيث تجمع العشرات من المواطنين، بينهم نساء ومسنون وأطفال أمام مبنى محافظة السويداء وساحة السير وسط المدينة، بطريقة سلمية وحضارية للتعبير عن مطالبهم.
 
 
 
وندد المتظاهرون  بسرقة قوت الشعب والفساد الحكومي، وجشع التجار، كما طالبوا بتحسين الظروف المعيشية، وهتفوا ضد الإعلام السوري "كاذب كاذب كاذب، الإعلام السوري كاذب"، كما حمّل المتظاهرون لافتات كتبوا عليها: "بدنا نعيش وبدنا حقنا، يا مخلوف ويا شاليش الشعب السوري بدو يعيش".
 
البطاقة الذكية… "بونات" إلكترونية 

حكومة النظام السوري في قرار كان متوقعاً وكشفت عنه "روزنة" منذ أسابيع، حيث أعلنت توزيع المواد الأساسية (الأرز والسكر) عبر مؤسساتها عن طريق "البطاقة الذكية"، في توجه واضح لاحتكار السلع الأساسية ووقوف على الدور طوابير لساعات طويلة، ما يعيد للذاكرة أزمة الثمانينات الاقتصادية، حيث لجأت الحكومة -آنذاك- إلى توزيع المواد الأساسية عبر قسائم كانت تعرف بمسمى "البونات". 
 
وذكرت "رئاسة مجلس الوزراء" على موقعها الرسمي الإلكتروني يوم الأحد الفائت، أنّ "مجلس الوزراء قرّر توزيع المواد الأساسية المدعومة عبر البطاقة الذكية في صالات المؤسسة السورية للتجارة، وبعض مراكز البيع الخاصة وعبر السيارات الجوالة"، دون تحديد المواد التي يشملها التوزيع عبر البطاقة.
  
قد يهمك: الليرة السورية تدخل في نفق مظلم… حلّ وحيد لتلافي الانهيار

أبو إبراهيم، 45 عاماً، من دمشق يقول لـ"روزنة": إنّ "ما تم توفيره عبر البطاقة الذكية سيتم وضعه مواصلات للوصول إلى المؤسسة الاستهلاكية، هذا عدا عن الانتظار للحصول على كيلو سكر أو كيلو رز، وفي الآخر سيقول لنا الموظف أنه لا يوجد اليوم توزيع"، وأردف متابعاً "هو ذل جديد لنا، يا عيب الشوم، الغلاء في كل مكان، لن تعيننا هذه الـ200 أو 300 ليرة التي توفرها علينا الحكومة، مقابل كيلوات قليلة من السكر والرز، هل يستطيع الوزير أن يعيش بكيلو سكر طيلة الشهر؟".
 
من جهته أوضح معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري، رفعت سليمان، أنه يحق لكل مواطن الحصول على كيلو سكر، وكيلو رز، و200 غرام شاي شهرياً عبر البطاقة الذكية، لافتاً إلى أن هذه السياسة قد تتغير بعد ذلك حسب توفر الكميات في السوق ولدى السورية للتجارة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق