ليس من الغريب أن تتلقف شركات التكنولوجيا الكبرى البيانات الشخصية والبيانات الناتجة عن نشاطنا اليومي ضمن شبكات التواصل الاجتماعي وعن استخدامنا للمنتجات المتنوعة التي تقدمها غوغل، فيسبوك، تويتر وغيرها من الشركات، فبياناتنا هي الوقود الذي يغذي بشكل أو بآخر الاقتصاد الرقمي الحديث.
تحولت الكميات الهائلة من البيانات الشخصية التي يقدمها على شبكة الإنترنت وبشكل مجاني، ملايين المستخدمين حول العالم، إلى سلعة ثمينة للغاية. فصور السيلفي التي يتم نشرها تساعد خوارزميات الذكاء الصنعي على إنتاج روبوتات أذكى. الأسئلة التي يتم طرحها على غوغل في كل دقيقة تغذي الإحصائيات العالمية للبحث في أعقد المشاكل التي تواجهها البشرية. سجلات زيارات الأماكن والمواقع والمسارات المتبعة التي تفرزها تطبيقات مثل خرائط غوغل وغيرها تزود المستثمرين ببيانات عن أكثر المتاجر والمعالم التي يرغب الناس بزيارتها.
وحتى الأنشطة التي تبدو بسيطة للغاية، مثل البقاء في المنزل ومشاهدة فيلم، تولد جبالاً من المعلومات وكنزاً ثميناً ستسعى وراءه مختلف الشركات التجارية التي سيكون هدفها بكل تأكيد القيام بحملات تسويقية موجهة لإقناعك بشراء ذاك المنتج أو تلك الخدمة.
غالباً ما تتم مقارنة البيانات الشخصية بالنفط، ولم لا فهي تعمل على تمكين شركات التكنولوجيا الأكثر ربحية اليوم في وادي السيليكون في كاليفورنيا مثل غوغل وفيسبوك، تماماً مثل الوقود الأحفوري الذي عزز من مكانة شركات الطاقة الكبرى مثل إيكسونموبيل وشيفرون فيما مضى.
لكن الأشخاص الذين يتم استخراج البيانات منهم اليوم يعرفون القليل فقط عن حجم المعلومات التي يتم جمعها عنهم، وعن الجهات التي سيكون بإمكانها الاطلاع على كل تلك البيانات، وعن القيمة المادية الحقيقة لهذه المعلومات التي يتم تداولها في الأوساط التكنولوجية.
كل يوم تقوم مئات الشركات التي قد لا تعرف بوجودها حتى، بجمع الحقائق عنك. قد تتدفق هذه المعلومات في نهاية المطاف إلى الباحثين الأكاديميين، بعض الهاكر، السلطات القانونية أو حتى إلى بعض الحكومات الأجنبية.
اقرأ أيضاً: 4 أدوات تُستخدم للتجسس… احذروا منها!
تجمع غوغل عنك كميات هائلة من المعلومات، ربما أكثر مما تدرك مخيّلتك. تتذكر غوغل كل عملية بحث تقوم بها وكل فيديو يوتيوب تشاهده أو تبحث عنه. خرائط غوغل تسجل كل مكان تذهب إليه، والطريق الذي تسلكه للوصول إلى هناك، وتاريخ وصولك، وفي أي وقت غادرت فيه، حتى لو لم تفتح التطبيق مطلقاً.
عندما تلقي نظرة فعلية على كل ما تعرفه غوغل عنك، قد تكون النتائج مروعة وربما مخيفة بعض الشيء. لكن لحسن الحظ، هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها حيال ذلك.
نظراً لتكرار حوادث تسريب المعلومات وانتهاكات الخصوصية والتأثير الواضح لذلك في إضعاف ثقة الجمهور وقلب الرأي العام ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، استجابت شركة غوغل من خلال إنشاء مركز خصوصية يتيح للمستخدمين الوصول إلى البيانات التي تجمعها غوغل عنهم وحذفها أو الحد منها.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها غوغل لزيادة الشفافية وكسب ثقة الجمهور مجدداً، فإن الكشف الأخير عن أن عملاق البحث كان يشارك سراً البيانات الخاصة لمستخدميه مع معلنين من أطراف ثالثة، تحدّى ثقة الجمهور بالشركة التي لا توفر جهداً في طرح العديد من المنتجات الجديدة التي من شأنها أن تضع الميكروفونات والكاميرات في أكثر الأماكن خصوصية، في منزلك.
في العديد من المواقف، ستجد أنه كلما قمت بإجراء تغيير في الإعدادات من شأنه أن يقيّد أو أن يحد من مقدار تتبع غوغل لك، ستحذرك الشركة من أن خدماتها لن تعمل بشكل جيد دون الوصول غير المقيد إلى بياناتك، فمن المهم جداً العثور على التوازن الصحيح بين خصوصيتك وخدمات غوغل التي تعتمد عليها، باختيار الإعدادات التي تحد من وصول غوغل إلى معلوماتك دون الإضرار بتجربتك للخدمات المتنوعة المقدمة من الشركة.
استعادة السيطرة على البيانات الشخصية التي تخزنها غوغل عنك من خلال بعض نصائح الأمان سهلة التتبع
هل ترغب في منع غوغل من معرفة أي شيء عنك؟ في الواقع هذا أمر مستحيل، إذ يجمع عملاق الإعلانات البيانات في كل مرة تقوم فيها بالبحث في الويب، وفي كل مرة تقوم فيها بزيارة موقع ويب، وفي كل مرة تستخدم فيها هاتفك الذكي الخاص بك. نعم إنها تكلفة الحصول على العديد من الخدمات دون دفع أي أموال بالمقابل، ولكن بكل تأكيد هناك طرق للحد مما تجمعه غوغل عنك.
تقدم غوغل في صفحة إعدادات حسابك لوحة تحكم توفر لمحة سريعة عن البيانات التي تجمعها غوغل عنك عندما تستخدم خدماتها المتنوعة، يتضمن ذلك عدد عمليات تبادل البريد الإلكتروني التي قمت بها في جيميل، وعدد الملفات في غوغل درايف، وعدد الصور التي يخزنها غوغل لك.
ولكن المعلومات الأساسية هي ما يطلق عليه غوغل "بيانات النشاط" مثل نشاط الويب والتطبيقات، التسجيلات الصوتية، سجلّ المواقع الجغرافية، سجلّ يوتيوب والذي يتضمن سجلّ البحث وسجلّ المشاهدة. وهناك مصدر أساسي آخر لبيانات غوغل وهو ملفك الشخصي، المحفوظ في حسابك في غوغل ضمن قائمة "المعلومات الشخصية".
تستخدم غوغل البيانات التي تجمعها عنك لإنشاء ملف تعريفي متكامل يدعى "ملف تخصيص الإعلانات"، لتجني بعد ذلك أرباحها الهائلة من خلال الإعلانات الموجهة اعتماداً على الملفات التعريفية لكل مستخدم، فقد نشرت الشركة الأم لغوغل، وهي شركة ألفابيت، عائدات الإعلانات في الربع الأخير من العام الماضي والتي بلغت 32.6 مليار دولار، ليس عن طريق بيع بياناتك مباشرةً، وإنما من خلال السماح للشركات بتخصيص إعلاناتها إعتماداً على بياناتك. الآن يمكنك تخيل مدى قيمة بياناتك ومدى أهميتها في دفع عجلة الاقتصاد الحديث.
اقرأ أيضاً: طرق الحماية من التهديدات الأمنية في الهواتف المحمولة
لقد أصبح لديك فكرة عن حجم البيانات التي يتم جمعها عنك، والآن حان الوقت للقيام بشيء ما حيال ذلك.
تفضّل إعدادات غوغل الافتراضية جمع البيانات بدلاً من الخصوصية الشخصية، لكن الشركة تقدم التسهيلات المتعلقة في إدارة الإعدادات في صفحة حسابك من خلال خيار فحص الخصوصية الذي سيرشدك عبر مجموعة من الخطوات البسيطة. ويتضمن ذلك إعدادات النشاط ومعلومات الملف الشخصي والإعلانات المخصصة.
إذا كان لديك الوقت، فاحصل على كوب من القهوة أو شيء أقوى، واقض بعض الدقائق بالاطلاع على البيانات التي تخزنها غوغل عنك والتي سيكون لك كامل الحرية في إبقائها مخزنة أو حذف جزء منها أو حتى حذفها كلها وسيكون لك الحق في إختيار ما إذا كنت تريد السماح لغوغل بتتبعك أو إزالة تفعيل خاصية التتبع تلك.
تقنية الحذف التلقائي
تعمل غوغل على تجريب تقنية الحذف التلقائي لبعض تفاعلات المستخدمين معها بدلاً من تخزين البيانات لسنوات. مع بداية مايو 2019 أعلنت الشركة عن مجموعة جديدة من عناصر التحكم في الحذف التلقائي. وذلك في أقسام البيانات الثلاثة الرئيسية، نشاط الويب والتطبيقات، سجلّ المواقع الجغرافية وسجلّ يوتيوب، في محاولة من الشركة للتخلص من عبء الاحتفاظ بالبيانات التي لم تعد مفيدة.
يمكن للمستخدمين اختيار مهلة زمنية مدتها 3 أشهر أو 18 شهراً. سيتم تلقائياً حذف أي شيء يزيد عمره عن 18 شهراً. إنها خطوة إيجابية للأمام، لكن غوغل لم توضح سبب اختيار الحد الزمني، شبه العشوائي. لكنها تخطط لإضافة الميزة إلى أجزاء أخرى من نماذج جمع البيانات الخاصة بها.
خصوصية البيانات في زمن تعلم الآلة
كن حذراً، إن قيامك بإبطال خاصية تتبع غوغل لنشاطك عبر الإنترنت، لا يعني بالضرورة أنك أغلقت بياناتك تماماً أمام غوغل. فقد أقرّت الشركة بأنه يمكنها تتبع موقعك الفعلي حتى إذا قمت بإيقاف تشغيل خدمات الموقع وذلك من خلال المعلومات التي يتم جمعها من اتصالك بشبكة الوايفاي المحلية أو شبكة الاتصالات النقالة ومن خلال الإشارات اللاسلكية الأخرى بالقرب من هاتفك أيضاً.
ناهيك عن وجود التناقضات في بعض الأحيان بين تصريحات شركة غوغل حول مشكلات الخصوصية.
على سبيل المثال، أقرّت غوغل مؤخراً أنها تقوم بالاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني جيميل الخاصة بك لتجميع قائمة مشترياتك على الرغم من التصريح العلني في بيان صحفي صدر عام 2018 وجاء فيه "لكي نكون واضحين تماماً: لا أحد في غوغل يقرأ رسائل البريد الإلكتروني جيميل الخاص بك، إلا في حالات محددة للغاية حيث تطلب منا ذلك ونحن نوافق، أو عندما نحتاج إلى ذلك لأغراض أمنية، مثل التحقيق في خطأ أو التحقيق في سوء استخدام"، ربما كلمة "لا أحد" في خطاب غوغل تعني "لا إنسان"، ففي عصر تزداد فيه قوة الذكاء الصنعي يوماً بعد يوم، يكون تفسير مثل هكذا خطاب موضع نقاش حقيقي موسّع.