توافق روسي فرنسي حول الملف السوري… ما احتمالات ذلك؟

توافق روسي فرنسي حول الملف السوري… ما احتمالات ذلك؟
تحليل سياسي | 04 يناير 2020
بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفيا الوضع في سوريا، وأكدا ضرورة استمرار الحرب المشتركة ضد الإرهاب، وأهمية تعزيز العملية السياسية في سوريا.

وبحسب بيان للكرملين؛ فقد "تبادل الجانبان وجهات النظر حول سوريا، وأطلع بوتين ماكرون على التقدم المحرز في تطبيق الاتفاقات الروسية التركية في شمال شرقي سوريا وإدلب"، وأضاف البيان: "أكد زعيما البلدين على ضرورة مواصلة الحرب المشتركة على الإرهاب بحزم، وشددا على ضرورة تعزيز العملية السياسية في سوريا وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين هناك".

ويبدو بحسب مراقبين أن الفترة الحالية هي الفترة الأمثل للتقارب بين الجانبين، وسط حالة الفتور التي تشوب العلاقة بين واشنطن وباريس؛ بسبب عدة ملفات، يأتي في مقدمتها تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران. 

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، موقف فرنسا من عملية قتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، معتبراً أنّ فرنسا "مخطئة" باعتبارها العالم "أكثر خطورة" بعد مقتل سليماني في غارة أميركية في العراق.

وكان وزير الخارجية الأميركي يعلّق أثناء مداخلة عبر شبكة "سي ان ان" على تصريح لوزيرة الشؤون الأوروبية في الحكومة الفرنسية اميلي دو مونشالان قالت فيه "نستيقظ في عالم أكثر خطورة" بسبب مخاطر "التصعيد العسكري" في الشرق الأوسط، وقال بومبيو "الفرنسيون هم ببساطة مخطئون في هذه النقطة". 

قد يهمك: ما أهداف فرنسا و بريطانيا من زيادة عدد قواتها في سوريا؟

وبات تغير الموقف الفرنسي تجاه عدة مسائل في الملف السوري واقترابه مع الرؤية الروسية، أمراً ملموساً أكثر من أي وقت مضى، فباريس التي كانت وافقت بشكل مبدئي على رغبة واشنطن (في تموز الماضي) بإرسال قوات فرنسية إلى منطقة شرق الفرات السورية لملئ فراغ انسحاب القوات الأميركية، قد تسلك مساراً مغايراً عن توجه حلف الناتو والذي كان رحب أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، في تشرين الأول الماضي، باقتراح ألماني حول إنشاء "منطقة آمنة" تحت مظلة الأمم المتحدة في شمالي سوريا، في مقابل رفض روسي، جاء -آنذاك- على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، والذي شدد على رفض بلاده فكرة سيطرة الناتو على المنطقة الآمنة في شمال سوريا، معتبرا أن هذه الفكرة لا تتضمن أمورا جيدة.

وباتت الرؤية الفرنسية حيال مسألة المنطقة الآمنة أو حتى الملف السوري ضمن إطاره العام أقرباً إلى موسكو، في ظل مهاجمة الرئيس الفرنسي لـ "الناتو"، مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، واصفاً إياه -آنذاك- بأنه "يعيش موتا سريريا" معللا ذلك لعدة أسباب من بينها "نقص التزامات الولايات المتحدة تجاه الحلف"، وذلك خلال تصريحات أدلى بها في مقابلة مع مجلة "ذي إيكونوميست" الأسبوعية البريطانية.

الأمر الذي يشير إلى احتمالية موافقة فرنسا على الدور الروسي المتنامي في شرق الفرات، ما يمنح موسكو نفوذاً أكبر على صعيد الدور الأميركي المتراجع في الملف السوري. 

الكاتب و الباحث السياسي؛ د.عبد القادر نعناع، قال خلال حديث لـ "روزنة" أنه ورغم محدودية التأثير الأوروبي في المشهد السوري، في ظل عدم توفر أدوات التدخل العسكري، مقابل تدخل رباعي (أميركي روسي إيراني تركي)، حسم أمره مبكراً، إلا أن ذلك لا يعني غياب الدور الأوروبي مطلقاً. 

وتابع: "هناك مروحة واسعة من المواقف السياسية الأوروبية، التي تساهم (بحد أدنى) من خلال الضغط على القوى الأربعة المتدخلة أو على (النظام السوري) نفسه أو على القوى الأخرى في المشهد السوري، إضافة إلى دور إنساني وثقافي وتمويلي.. أي أن الأوروبيين حاضرون في المشهد السوري، لكن دون تأثير في مجريات الأحداث، رغم أنهم متضررون أكثر بكثير من القوى الأخرى، عبر استضافة اللاجئين وتوطينهم، دون أن يكونوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عما يجري في سوريا".

اقرأ أيضاً: تصعيد روسي-أميركي محتمل شرقي سوريا… نموذج أفغاني في المنطقة؟

وأردف: "لكن إلى مدى يستطيع الأوروبيون تحقيق ذلك، أعتقد أنه من المبكر قليلاً الاعتقاد بأن وجود دور أوروبي عبر هذا المقترح أمر ممكن، فهو بحاجة إلى تنسيق أوروبي لبناء موقف متكامل، وجاهزية من قبل حلف الناتو لإرسال قوات عسكرية إلى المنطقة (قوات مراقبة وحماية)، عدا عن ضرورة التنسيق مع تركيا أولاً، ومع الولايات المتحدة، أي طرفا الناتو الحاضرين في المشهد السوري".

من جانبه رأى الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الدولية؛ د.طارق وهبي خلال حديث سابق لـ "روزنة" بأن الملفات المشتركة الدولية بين الجانبين ليست بالسهلة، خصوصاً و أن روسيا تمتلك تدخلاً مباشراً في الأزمتين السورية والإيرانية وغير مباشر بالمبيعات العسكرية إلى إيران.

وأضاف "فرنسا و بشخص وطريقة الرئيس ماكرون ترغب أن تستقطب روسيا لمسار أقرب وسطي يبحث عن إحياء الديغولية التي كانت تدعم التدخل في شؤون الدول دون الدخول طرفاً بالصراع، و ليست المرة الأولى التي تبحث فرنسا عن الدعم الروسي الصريح حول مواضيع جد مشتركة كاستمرارية الاتفاق النووي رغم تصلّب الموقف الأميركي، والبحث عن دستور جديد لسوريا بموافقة الروس وضغطهم على النظام رغم القرار العسكري المشترك الروسي السوري للقضاء على آخر تجمع للمعارضة في إدلب".

ونوه بالقول أن مفهوم الديمقراطية لكلا الطرفين يقف عائقاً أمام تطور العلاقات التنموية المستدامة، و بأن فرنسا تحاول جاهدة أن تدعم المعارضين الروس في روسيا تحت شعار حرية الرأي والإعلام؛ بينما بوتين يظهر لماكرون مدى العنف المستعمل لإجهاض حركة السترات الصفر، وفق تعبيره.

وتابع: "الرئيس ماكرون يريد أن يلعب دور الوسيط الدولي في التأزم الحاصل في عدة ملفات، و الرئيس بوتين الذي يحتفل بمرور عشرين عاماً على سدة الحكم في روسيا يعلم جيداً انه بحاجة الى محاور بمستوى روسيا وفرنسا ورئيسها هم الأنسب".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق