منشورٌ موحّد صدر بشكلٍ جماعي عن أكثر من ثلاثين مطعماً ومصنعاً وفعالية اقتصادية تتبع للسوريين في السودان، مفاده أن الجميع توقّف عن العمل وتقديم الخدمة، بانتظار قرارات الحكومة السودانية الخاصة بمنع المستثمرين الأجانب ومنهم السوريون من مواصلة عملهم بانتظار حزمة قراراتٍ جديدة.
ويعيش في السودان نحو 300 ألف سوري معظمهم في الخرطوم وأم درمان، ويشكّلون المرتبة الأولى من بين المستثمرين الأجانب هناك، بقيمة استثمار قدرها نحو 200 مليون دولار أمريكي في مجالات المطاعم والفنادق والزراعة والخدمات.
خلال السنوات الماضية، فتحت السودان الباب أمام استقبال السوريين، وعاملتهم كالمواطن السوداني تمامًا في الخدمات الصحّية والتعليم والاستثمار والضرائب وغيرها من الأمور الحياتية.
ولكن مؤخّرًا يبدو أن هذا "الربيع" قد انتهى هناك، حيث طالت قراراتٍ جديدة السوريين في السودان، سواء من يعملون منهم أوالذين لا يعملون، وصلت إلى حد اعتقالاتٍ عشوائية بحقهم بشكلٍ تعسّفي، إضافةً إلى فرض غرامات ضخمة مقابل إخراجهم من السجون سيئة الخدمات، وفقًا لوصف لاجئ سوري خرج لتوّه من السجن بعد أن دفع غرامة قدرها 50 ألف جنيه سوداني (نحو 1100 دولار أمريكي).

قرار شمل الجميع وطُبّق على السوريين فقط
حصلت "روزنة" على نسخة قرار الحكومة السودانية الخاص بـ "تنظيم المستثمرين الأجانب" والذي تم على إثره ملاحقة السوريين هناك.

وجاء في القرار الصادر عن "وزارة الصناعة والتجارة" رقم 10 في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لعام 2019، أنّه "يُحظر لغير السودانيين الحاملين للجنسية السودانية بالميلاد من ممارسة النشاط التجاري في عدّة مجالات ومنها "كافة إجراءات الصادر (التصدير) إلّا بموجب قانون الاستثمار واتفاقيات حكومية خاصة، كافة إجراءات الاستيراد، والتواجد في الأسواق وممارسة عمليات البيع والشراء سواء مباشرةً أو عن طريق وسيط" على أن يعرّض كل من يخالف هذه القرارات نفسه للمساءلة القانونية.
ويُقصد بجملة "السودانيين حاملي الجنسية بالميلاد" أي أن السوريين الذين حصلوا على الجنسية السودانية خلال السنوات الماضية ممنوعون من الاستثمار أيضًا.
في مطلع شهر تشرين الثاني / نوفمبر الفائت، بدأت الشرطة السودانية بمداهمة المحال التجارية التابعة للسوريين، وقامت باعتقال كل من لا يحمل تصريح عمل وعرضه على المحكمة، التي تخيّره بين السجن لمدّة 6 أشهر أو دفع غرامة تختلف من سوري لآخر، ولكنها تتراوح بين 50 و200 ألف جنيه سوداني (بين 1100 و4500 دولار أمريكي).
اقرأ أيضاً: بعد إعلان الحكومة الجديدة في السودان…تضييق وتشديد يطال العمال السوريين
اعتقالات بشكلٍ تعسّفي
قابلت "روزنة" 3 سوريين يعيشون في الخرطوم، الأول لديه مطعمًا للمأكولات السورية، والثاني يملك متجرًا للخدمات الزراعية، في حين لدى الثالث سوبر ماركت للمنتجات السورية، وجميعهم أغلق محلّه منذ بدء حملة الاعتقالات خوفًا من توقيف العمّال، وبالتالي اضطراره إلى دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل إخراجه.
سامر "اسم مستعار" مالك المطعم السوري في الخرطوم أوضح لـ "روزنة" أن السوريين في السودان يملكون 3 أنواع من الوثائق، الأوّل يحمل الجنسية السودانية والثاني يحمل إقامة عمل والثالث لديه إقامة مؤقّتة عادية تمكّنه من البقاء على الأراضي السودانية ولكن لا تخوّله العمل.
وأضاف سامر: "بالنسبة للحاصلين على إقامة عمل فإنّ النظام القانوني في السودان يفرض إرفاق إقامة العمل بوثيقة أخرى مكمّلة لها اسمها "كرت العمل" مؤكّدًا أن أحد عمّاله كان لديه إقامة عمل استخرجها سابقًا ولكن رغم ذلك تم اعتقاله بسبب عدم امتلاكه كرت العمل.
ويؤكّد صاحب متجر سوري آخر في الخرطوم رفض الكشف عن هويته، أن استخراج إقامات العمل توقّف منذ عدّة أشهر، وأضاف: "يطالبوننا باستخراج إقامة عمل قيمتها 18 ألف جنيه سوداني، وليس لدينا مشكلة ولكن عندما نتوجّه لاستخراجها يتم إخبارنا بأن منح إقامات العمل متوقّف حاليًا" مشيرًا إلى أنّهم يمنعون العمل بدون إقامة عمل وفي نفس الوقت يرفضون استخراج هذه الإقامة ما يعني أنّهم لا يريدوننا أن نعمل في بلادهم.
قد يهمك: السوريون في السودان... لا عمل بدون تصاريح نظامية بعد اليوم
تطبيق القانون بشكل عنيف
وأوضح التاجر ذاته، أن عمليات الاعتقال بحق السوريين كانت بطريقة همجية حيث يتم مداهمة المحل السوري بشكلٍ عنيف وسحل العمّال أمام الجميع وتكديسهم في سيارة بيك آب تابعة للشرطة بطريقة غير آدمية، كما تحدّث عن الوضع السيء للسجون هناك حيث تنتشر عدّة أمراض وبائية ولا يوجد رعاية صحّية كافية.
وحصلت "روزنة" على مقطع فيديو صوّره أحد السوريين في الخرطوم يظهر عملية مداهمة أحد المطاعم السورية، إضافةً إلى عدّة صور من داخل السجون هناك.

وبحسب 3 سوريين قابلتهم "روزنة" فإن الاعتقال لا يتم من داخل المحلّات السورية، بل حيث يوجد السوري يتم اعتقاله حتّى لو كان يسير في الطريق أو يجلس في الحديقة، بحجّة أنّه بالتأكيد يعمل ولا يملك كرت العمل، بينما يرى السوري سامر مالك المطعم السوري في السودان أن القرار صدر ليشمل كل الأجانب ولكن تم تطبيقه على السوريين فقط، مبيّنًا أنه يتم احتساب السوريين على النظام السابق الذي كان يقدّم التسهيلات لهم، في حين يوجد عشرات المتاجر والمطاعم اللبنانية والفلسطينية والأثيوبية ولكن لم تتعرّض لأي مداهمة.
من جهته دعا الناشط السوداني طلحة نور الجليل في مقطع فيديو نشره على صفحته بموقع "فيسبوك" إلى ضرورة مراعاة حال السوريين الذين يعملون في السودان منذ سبع أو ثمانية سنوات كمراعاة لحال هؤلاء كونهم اندمجوا بالمجتمع السوداني وأصبح لديهم زبائن وعمل، على أن يتم تطبيق القانون على المستثمرين السوريين الذين يأتوا حديثًا إلى السودان، إضافةً إلى عدم فرض الغرامات بطريقة غير مدروسة، منعًا من هروب المستثمر الأجنبي وإحداث شرخ في الدولة.
الكلمات المفتاحية