تصعيد روسي-أميركي محتمل شرقي سوريا… نموذج أفغاني في المنطقة؟

تصعيد روسي-أميركي محتمل شرقي سوريا… نموذج أفغاني في المنطقة؟
تحليل سياسي | 12 نوفمبر 2019

يبدو أن تضارب المصالح بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا وبالتحديد في شمالها الشرقي، قد يبرز خلال الفترة القريبة المقبلة بصورة مغايرة عما كانت ترقى إليه مستوى الخلافات بين الجانبين خلال المرحلة الماضية. 

التطورات الأخيرة المتعلقة بما أعلنت عنه واشنطن؛ كانت تدل على تعقد المشهد هناك، سواء عبر اتفاق واشنطن مع أنقرة حول شرق الفرات، وهو الاتفاق الذي سبق الاتفاق الروسي التركي حول المنطقة ذاتها (منتصف الشهر الماضي)، دون وجود أية تفاهمات روسية أميركية بخصوص ذلك، تبعه تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقاء قواته في حقول النفط السورية في الشرق السوري، وهو ما رفع من درجة حرارة التصعيد بين الطرفين. 

و أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نهاية الشهر الفائت، أن حقيقة إبقاء القوات الأميركية بعد الإعلان المتعلق بسحبها من سوريا لحماية حقول النفط من "داعش" مجرد ذريعة، وقال لافروف -آنذاك- "تصرفات الولايات المتحدة في سوريا تتعارض مع القانون الدولي.. الولايات المتحدة وأعضاء التحالف الذي تقوده موجودون بشكل غير قانوني في سوريا". 

الآن وعلى إثر إعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التأكيد على استمرار عمله مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حيث أكد المتحدث باسم التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" ماليز كاغينز، يوم أمس، أنهم ملتزمون بهزيمة "داعش" الكاملة "ماديا وإيديولوجيا"، كون نهاية التنظيم المادية، "لا تعني نهايته إيديولوجيا"، مضيفا أن "هذا يأتي في سياق تقوية العلاقات المستمرة بين قواتنا وقسد من ديرك إلى دير الزور في إطار العمل المشترك بيننا".

وتأتي تصريحات كاغينز بعد 8 أشهر من إعلان واشنطن النصر الكامل على تنظيم "داعش" الإرهابي في مناطق شرق الفرات. 

قد يهمك: شراكة روسية-تركية محتملة في "المنطقة الآمنة"... هذه تفاصيلها

في الأثناء قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الولايات المتحدة تسعى لفصل مناطق في شرق الفرات عن سوريا، وإقامة شبه دولة عليها، وأضاف لافروف خلال منتدى السلام في باريس: "تطلب الولايات المتحدة من دول الخليج توظيف استثمارات كبيرة هناك، لإقامة إدارة محلية عمادها "قوات سوريا الديمقراطية"، ووحدات حماية الشعب الكردية وآخرون، فيما لا تخفي نيتها السيطرة على حقول النفط هناك".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تمنع حلفاءها من الاستثمار في مشاريع إعادة إعمار سوريا، وقال: "نحن والحكومة السورية نؤيد دعوة الجميع إلى تهيئة الظروف لتحديث البنية التحتية وتسهيل عودة اللاجئين، وعودة الحياة الطبيعية إلى سوريا".

وتبقى أبرز التساؤلات التي تتمحور حول هذا الشأن، هو إمكانية استنساخ نموذج مصغر و مشابه لأفغانستان في شمال شرقي سوريا، حينما برز تنظيم "القاعدة" لمحاربة النفوذ السوفييتي هناك مطلع التسعينيات، وبقيت أميركا لسنوات بعد فشل السوفييت في أفغانستان وما زالت؛ بذريعة محاربة "القاعدة" والقضاء على التنظيمات الإرهابية.

والآن قد يتعزز هذا النموذج من خلال تنظيم "داعش" التي جاوزت فترة محاربته 5 سنوات، فبعد إعلان النصر عليها منذ 8 أشهر، لم تجد واشنطن آلية تعاون مشتركة مع الدول الفاعلة في الشأن السوري لضمان عدم عودة التنظيم، في الوقت الذي دخلت فيه موسكو بقوة على ملف شرق الفرات بالتفاهم والتنسيق مع أنقرة، و هو الأمر الذي على ما يبدو أثار حفيظة واشنطن، ما جعلها تعيد من حساباتها؛ حتى ولو اضطرت إلى اتخاذ خطوات تصعيدية تكون من شأنها تعقيد المشهد مجددا في المنطقة.

التحالف الدولي يبحث استراتيجيته..

بينما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن تطلعها لتنظيم اجتماع الدول الأعضاء للتحالف الدولي لمحاربة "داعش" في العاصمة الأميركية واشنطن، يوم الخميس المقبل، وسيكون حضور الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية لدول التحالف الذي يصل عدد أعضائه إلى نحو 76 دولة.

يذكر أن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بدأ في أيلول 2014 بـ11 دولة فقط، بينما يصل عدد أعضائه الآن إلى أكثر من 75، وتقوده الولايات المتحدة الأميركية.

وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن أجندة الاجتماع ستركز على مناقشة استراتيجية التحالف الدولي في محاربة التنظيم الإرهابي، وكيف سيتم التنسيق لمواصلة التصدي للتنظيم، بعد مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، مشيرة إلى أن الاجتماع سيركز أيضاً على التطورات الأخيرة في شمال شرقي سوريا، وعلاقتها باستقرار وأمن المنطقة.

اقرأ أيضاً: تحذيرات من عودة ظهور "داعش" في الشمال السوري

فيما لم تتضح معالم معالجة أهم الملفات ذات الصلة بالمنطقة، ألا وهي مسألة معتقلي "داعش" لدى "قسد"، بخاصة في ظل تخلي الدول الأوروبية عن مسؤولياتها تجاه استلام العناصر الذين يحملون جنسياتها، فضلا عن إعلان العراق عدم قدرة على محاكمة عناصر "داعش" لديه، وهو ما يتسق مع الموقف الأميركي، حيث يتضح أن إدارة ترامب الممسكة بزمام الأمور في المنطقة هناك حتى الآن، يتضح بحسب متابعين أنها تعتبر هذا الملف ورقة سياسية تريد التلويح بها وقتما تشاء، دون إيجاد أي حل حقيقي وشامل لذلك حتى الآن.

وحول ذلك اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الثلاثاء، أن قضية الأعضاء الأجانب في تنظيم "داعش" الذين أسروا في سوريا "مسؤولية مشتركة دولية" وأنه لا يمكن الطلب "من العراق أو سوريا معالجة المشكلة للجميع… نحتاج إلى تعاون دولي لمعالجة المشكلة".

وباشرت تركيا الإثنين الماضي، بإبعاد الأعضاء الأجانب في تنظيم "داعش" لديها، وتأتي هذه الخطوة إثر الهجوم الذي شنته تركيا في شمال شرقي سوريا تحت إطار عملية "نبع السلام"، وانتقده الغرب بشدة لاستهدافه القوات الكردية حليفة التحالف الدولي لمحاربة "داعش".

وحذرت القوات الكردية مرارا من عودة التنظيم المتطرف مستفيدا من الفوضى الأمنية الذي سببها الهجوم العسكري التركي، ولا تزال هذه القوات تحتجز آلاف الإرهابيين خصوصا من فرنسا وأميركا في عدة سجون في شمال شرقي سوريا، والآلاف من نساء وأطفال الجهاديين الأجانب في مخيمات.

وأضاف غوتيريش "أعتقد أن ثمة مسؤولية مشتركة دولية ومسؤولية جماعية حيال هؤلاء المقاتلين، أي لا يمكننا الطلب من العراق أو سوريا معالجة هذه المشكلة للجميع. يجب أن يكون هناك تضامن دولي حقيقي"، وتابع "اذا بدأ الجميع بتحريض هؤلاء الأشخاص ضد بعضهم ستكون النتيجة إرهابيين غير مسجونين سيقومون بعمليات ستشكل خطرا على الجميع"، وحول مسألة نساء وأطفال الإرهابيين الأجانب قال غوتيريش إن "في رأيه الشخصي على كل بلد أن يتحمل مسؤولية إعادتهم وتنظيم آليات دمجهم في مجتمعاتهم".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق