أدى الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد يوم أمس الأربعاء؛ اليمين الدستورية في مقر مجلس نواب الشعب بالعاصمة تونس، وأعلن في كلمة له أن تونس ستبقى مناصرة لكل القضايا العادلة و"أولها قضية شعبنا في فلسطين"، وأن القضية الفلسطينية ستبقى في وجدان التونسيين.
ويتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، ليصبح بذلك ثاني رئيس لتونس يتم انتخابه بصورة ديمقراطية عقب "ثورة الياسمين".
وجذبت التجربة السياسية المشرقة المتمثلة بحرية الاختيار والانتخاب الحر خلال المرحلة الحديثة في تاريخ المنطقة الحديث، جذبت اهتمام جل شعوبها رغم كل ما تعانيه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، بخاصة وأن هذا الأمر يُشكل سابقة في التجربة الديمقراطية الحقيقية لإحدى دول المنطقة العربية التي عانت من الاستبداد السياسي وتسلط فئة حاكمة في عديد البلدان ذات الأنظمة الجمهورية على الحكم لعقود طويلة خلت.
ومنذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية بشكل رسمي في الـ14 من الشهر الجاري، يتساءل سوريون باهتمام حول النهج الذي يمكن أن يتبعه الرئيس التونسي الجديد في سياسات بلاده الخارجية وبالتحديد في طبيعة التوجه بخصوص عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين دمشق وتونس.
الصحفية والباحثة السياسية التونسية، ريم بن خليفة، قالت في حديث لـ "روزنة" إن الدبلوماسية التونسية عرفت بالتزام الحياد الإيجابي والرصانة والثبات في التعامل مع القضايا الدولية في عهد الرئيس التونسي السابق بورقيبة، وحتى في عهد بن علي أيضاً، وتابعت: "بغض النظر عما أقدم عليه المرزوقي (رئيس تونس بعد الثورة وقبل إقرار الدستور) ولم يتمكن الباجي قايد السبسي(أول رئيس لتونس في عهدها الجديد) من جبره لاعتبارات اقتصادية".
وتابعت: "إن عودة العلاقات مع سوريا لا تتعلق بما تعيشه تونس من بناء ديمقراطي، فقطع (العلاقات كان) قرارا اعتبره أهوجا و خاضعا لإملاءات خارجية في عهد الترويكا وحكم الرئيس محمد المنصف المرزوقي؛ خلال ماعرف بمؤتمر أصدقاء سوريا وعدم إعادتها رغم المطالب الملحة من الشعبين، حتى في فترة حكم الرئيس المرحوم الباجي قايد السبسي؛ وتجنب الخوض فيه تقريبا خلال القمة العربية المنعقدة في تونس في آذار الماضي كان بنفس الايعاز الخارجي والرغبة في عزل دمشق، أو كما أراها سوريا التي لا تقبل التجزيء سياسيا ولا جغرافيا".
اقرأ أيضاً: محلل سياسي تونسي لروزنة: العلاقات بين تونس ودمشق تعود بهدوء!
وكان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي؛ قد أعلن في بيان صدر عن مؤسسة الرئاسة يوم 4 شباط 2012 عن "طرد السفير السوري بتونس، وسحب أي اعتراف من قبلهم بسلطة الحكم السورية في دمشق، داعيا الأسد -آنذاك- للتنحي عن السلطة؛ وفق ما عبر عنه البيان في ذلك الوقت، وانتقدت حينها أحزاب معارضة عدة هذا القرار معتبرة أنه "متسرع"، متخوفة من تداعياته على التونسيين المقيمين في سوريا.
وفي 2015، خطت تونس خطوة نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية عبر إعلانها أنها ستعين ممثلا قنصليا أو دبلوماسيا لدى دمشق، بهدف متابعة أوضاع التونسيين في سوريا وأولئك الذين انضموا إلى تنظيمات متشددة.
ومثّلت سنة 2017 لمراقبي احتمالات تطور العلاقة بين دمشق وتونس "مرحلة إيجابية" دفعتهم للقول أن تصريحات كبار المسؤولين التونسيين حول العلاقة مع دمشق سيتبعها إعادة العلاقات بشكل رسمي بين الطرفين، حيث قال الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي؛ في نيسان 2017، إنه "لا مانع من إعادة العلاقات مع سوريا إلى مستواها الطبيعي، بعد أن تتحسن الأوضاع وتستقر في هذا البلد".
ونقلت وكالة "تونس أفريقيا" الرسمية للأنباء -آنذاك- على لسان السبسي تأكيده على "متانة العلاقات بين الشعبين التونسي والسوري"، وأكد الرئيس على "متانة العلاقات بين الشعبين التونسي والسوري"، وأوضح أن "السلطات التونسية لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأن لديها تمثيلية قنصلية في دمشق تتولى رعاية المصالح التونسية"، مشيرا إلى أنه "ليس هناك مانع جوهري في إعادة العلاقات إلى مستواها الطبيعي بعد أن تتحسن الأوضاع وتستقر في هذا البلد الشقيق".
ما علاقة السعودية؟
وحول ما إذا كان سيسعى سعيد لإعادة العلاقات، قالت بن خليفة في حديثها: "سعيد أكد في أول خطاب (له) على تحسين العلاقات الخارجية مع الدول الشقيقة والصديقة وتأكيد دعمه للقضية الفلسطينية، وأهمية عودة العلاقات السورية التونسية ليميز بين مفهوم النظام والدولة السورية".
وأردفت بالقول: "غير أن قرارا كهذا يتطلب الكثير من التروي، بخاصة و أنه قد يؤجج الغضب السعودي القطري تجاه تونس ناهيك عن استياء سيعم حركة النهضة (ذات الأغلبية البرلمانية)؛ التي أشرفت على قرار القطع سابقا، كما أن ملف العلاقات مع سوريا رغم المطالبة الشعبية بعودتها؛ يجعل السياسيين يتوجسون خوفا من عودة الإرهابيين والمقاتلين إلى تونس في وقت تتكاتف فيه جهود مؤسسات الدولة لمحاربة هذا الخطر".
وكان سعيد أكد قبيل نجاحه في الانتخابات الرئاسية، على عدم قبوله بقطع العلاقات في سوريا، وقال خلال حديث تلفزيوني في شهر أيلول الفائت، ورداً على سؤال -آنذاك- بأنه لو كان مكان رئيس الجمهورية التونسية، هل كان سيأخذ قراراً بقطع العلاقات مع سوريا، وأجاب حول ذلك: "بالتأكيد لا… لأن (ماحصل) في سوريا قد بدأ ثورة وتحولت إلى مؤامرة الهدف منها ليس تمكين الشعب السوري من الحرية التي طلبها ولكن (كان) الهدف منها هو إسقاط الدولة السورية".
وأجريت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 15 أيلول الماضي عقب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 تموز الماضي، مما اضطر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تعجيل موعد الانتخابات التي كان من المزمع إجراؤها في تشرين الثاني المقبل، تجنبا لتجاوز المدة الدستورية للرئيس المؤقت التي تبلغ 90 يوما.
و أعلنت الخميس الماضي، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رسميا فوز سعيد برئاسة الجمهورية بعد حصوله على 72.71 بالمئة من أصوات الناخبين، حيث مثلت انتخابات الرئاسة في تونس خطوة جديدة على مسار انتقال ديمقراطي تشهده البلاد، ويبرز كاستثناء مقارنة بدول عربية أخرى شهدت أيضا احتجاجات شعبية أطاحت بأنظمتها الحاكمة، بينها مصر وليبيا واليمن.
الكلمات المفتاحية