لهذه الأسباب اعتمدت روسيا على "اتفاقية أضنة" لإعلان توافقها مع تركيا

لهذه الأسباب اعتمدت روسيا على "اتفاقية أضنة" لإعلان توافقها مع تركيا
تحليل سياسي | 24 أكتوبر 2019

في تصريح هو الأكثر وضوحاً يصدر عن مسؤولين بارزين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة حول دور واشنطن الآخذ في الانكماش في الملف السوري، أعرب وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، عن قلقه لعمق التقارب الروسي التركي، وأكد على ضرورة توجيه أنقرة نحو مسار آخر.

ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن إسبر اليوم الخميس قوله: "نرى كيف تقترب أكثر من مدار روسيا. نحتاج إلى أن تكون تركيا قوية وحليفا ثابتا، مثلما كانت في السابق".

وتأتي هذه التصريحات بعد يومين من توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اتفاق سوتشي لوقف عملية "نبع السلام" شمال شرقي سوريا، و تمهيداً لرسم ملامح جديدة في المنطقة وسحب فتيل الصراع هناك، حيث نص الاتفاق على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية "قسد"  إلى مسافة 32 كيلومترا داخل الأراضي السورية والحفاظ على الوضع الراهن في منطقة العملية التركية (رأس العين وتل أبيض).

الاتفاق المعلن في سوتشي يوم الثلاثاء الفائت؛ أشار في أحد بنوده العشرة على تأكيد الجانبين الروسي والتركي على أهمية "اتفاقية أضنة"، مع ضمان الجانب الروسي تسهيل تنفيذ هذه الاتفاقية في ظل الظروف الحالية. 

اقرأ أيضاً: بعد الساحل السوري..روسيا تفرض سيطرتها على المنطقة الشرقية

و لا يعتبر الحديث عن الاتفاقية التي مر على إبرامها أكثر من 20 عاماً (1998)؛ طرحاً جديداً، فقد سبق و أن تم الحديث عن إمكانية العمل بها في شهر كانون الثاني مطلع العام الجاري، وذلك إثر ارتفاع حرارة المنطقة الشرقية من سوريا -آنذاك- بعدما أعلن ترامب في ذلك الحين عدم رغبته ببقاء قوات بلاده في سوريا، قبل أن يعود لاحقا ويعدل عن ذلك بحجة ضمان "النصر على داعش".

 وفي ظل المتغيرات الميدانية في منطقة شرق الفرات، برز التوجه الروسي في ضرورة استثمار التوافق مع الجانب التركي من خلال نزع فتيل أزمة تفجر الوضع السوري وإيقاف العملية العسكرية التركية من ناحية؛ وهو ما أعلنته تركيا فعليا بعد الاتفاق، وكذلك من ناحية ثانية تأتي الفرصة مواتية لتحجيم الدور الأميركي من خلال "التواجد غير الشرعي" وفق التصريحات الروسية، عبر إقرار اتفاق ينطلق في مقام رئيس على "اتفاقية أضنة" ما يشكل بكل وضوح التأكيد على أن حكومة دمشق هي طرف شرعي وأساسي يجب التعامل معه بشكل مباشر أو عبر رعاية روسية تضمن إجراء تعديل على جزئية العمق المسموح لتركيا وزيادته من 5 كلم إلى 10 كلم.

الباحث في العلاقات الدولية؛ د.اياد المجالي قال خلال حديث لـ "روزنة" أنه وبعد ما شهدته المنطقة من المتغيرات السياسية، يبدو واضحا سيطرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مفاتيح المشهد السياسي؛ وفق تعبيره. 
 
وأضاف: "استطاع من بوتين عبر اجتماع سوتشي من أن يعيد رسم المشهد فيما يتعلق الموقف التركي، بعدما اتخذت أنقرة خطوات تصعيدية في عملية عسكرية ضد الأكراد.. هذا الاجتماع أعاد الأطراف في الأزمة السورية إلى واقعها الحقيقي؛ وأوقف العملية العسكرية، وثبّت الروس ما سبق و أن تضمنته اتفاقية أضنة الموقعة عام 1998؛ كإطار لمسارات العمل السياسي وتنفيذها على أرض الواقع مع النظام السياسي الحاكم في دمشق".

بينما اعتبر المحلل السياسي بسام القوتلي خلال حديثه لـ "روزنة" أن الانطلاق من "اتفاقية أضنة" في اتفاق سوتشي الأخير حول شرق الفرات يعطي شرعية للتدخل التركي انطلاقا من الاتفاقية مع حكومة دمشق وهي التي لم تقم بإلغائها لذلك هي تعتبر سارية؛ وفق قوله. 

وأضاف أنه كذلك لموسكو فائدة في الانطلاق من "اتفاقية أضنة" خلال اتفاقها الأخير مع أنقرة، حيث أعطت موسكو تعطي الشرعية لحكومة دمشق بمعنى ان تركيا تقوم بذلك بشرعية من دمشق بما يعني وجود اعتراف موجود من قبل أنقرة بحكومة دمشق.

 وتابع: "تركيا استفادت بقطع الامتداد الجغرافي التي حاولت أن تبنيه القوات الكردية YPG  في شمال شرقي سوريا، وبالنسبة لروسيا فقد استطاعت إعادة النظام إلى مناطق الشمال السوري.. الطرفين التركي والروسي رابحين ضمن نطاق الشرعية من دمشق عبر اتفاقية أضنة، (وذلك أيضاً) فتح المجال لاحتمال إعادة أنقرة إلى علاقات مع دمشق و لو بعيدة نسبيا".

فيما رأى المجالي أن بوتين "استطاع في اجتماع سوتشي إعادة بث الروح في العلاقات التركية السورية، فمن أبعاد هذا الاتفاق يمكن القول أنه كان هناك مطلب روسي للتنسيق الأمني بين دمشق و أنقرة، واستطاعت موسكو أن تفرض "اتفاقية أضنة" كحل للعديد من المعيقات المتعلقة بالتفاصيل السياسية والعسكرية في شمال شرق سوريا". 

واعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن الروس يدركون بأن "التعويل على تركيا في العمل المنفرد سيدفع بالأزمة إلى مزيد من التعقيد والتصعيد.. أعتقد أن أنقرة استطاعت أن تحد من مساعي تركيا في العديد من محاور السيطرة على المناطق الحدودية في شمال شرق سوريا".

ولفت إلى أن اتفاق سوتشي حول شرق الفرات أحبط اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم اقراره قبل أيام بين الجانبين الأميركي والتركي.
 
وختم بالقول: "التفاهم الحاصل بين تركيا و روسيا يوضح اقتناع الرئيس الروسي لمطالب تركيا بإبعاد الوحدات الكردية من المناطق هناك.. الروس لا زالوا يشرفون على متغيرات و أطراف الأزمة و كذلك الإشراف على المباحثات سواء كانت السرية والمعلنة بين الوحدات الكردية ودمشق". 

قد يهمك: هل تغادر القوات الأوروبية الشمال السوري؟ 

هذا وتعود اتفاقية أضنة، التي أبرمت بين أنقرة ودمشق في تسعينيات القرن الماضي، إلى الأضواء مجددا بعد أن شدد الإعلان الروسي- التركي الأخير على أهميتها ودور روسيا في ظل المتغيرات الحالية، وكانت ارتفعت حدة التوتر بين أنقرة و دمشق عام 1998، وذلك على خلفية دعم الأخيرة -آنذاك-  لتنظيم حزب العمال الكردستاني، وإقامة زعيمه عبدالله أوجلان في سوريا إلى جانب عدد من قياديي الحزب، ورعاية دمشق لمعسكرات تدريب الحزب في داخل الأراضي السورية ومنطقة البقاع في لبنان التي كانت تحت النفوذ السوري في ذلك الوقت. 

حيث حشدت تركيا قواتها على الحدود مع سوريا في تشرين الأول من عام 1998، وهدّدت بعملية عسكرية رداً على ما قامت به دمشق بدعم حزب تصنفه أنقرة كـ "منظمة إرهابية"، وقد تكللت وساطة إقليمية بتوقيع اتفاقية أضنة في 20 تشرين الأول من العام ذاته.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق