بعد طلبه سحب قوات أميركية من الحدود السورية-التركية؛ ما أعطى إشارة لأنقرة دفعتها للمضي بإعلان عمليتها العسكرية التي أطلقت عليها مسمى "نبع السلام"، توالت الانتقادات تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قبل مسؤولين عسكريين أميركيين، بعد قراره سحب قواته، وهو الأمر الذي مهّد الطريق أمام تركيا للقضاء على خصومها من الأكراد السوريين؛ الذين تحالفت معهم واشنطن خلال السنوات الماضية لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي؛ في المناطق التي تسيطر عليها الآن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرق سوريا.
القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزف فوتيل، اتهم ترامب بالتخلي عن حلفاء يشكلون القسم الأكبر من "قسد" التي كان لها دور حاسم في محاربة تنظيم "داعش".
ووفق وكالة "فرانس برس"، كتب فوتيل بأن "سياسة التخلي هذه قد تقضي على معركة دامت 5 سنوات ضد تنظيم "داعش" وستضر فعليا بمصداقية الأميركيين في كل المعارك المقبلة التي سنحتاج فيها إلى حلفاء أقوياء".
كذلك اعتبر القائد السابق للقوات البرية الأميركية في أوروبا؛ مارك هرتلينغ، أن قرار دونالد ترامب "ينذر بكارثة مقبلة على الولايات المتحدة"، وكتب على تويتر "الأكراد ضمن قوات سوريا الديموقراطية - حلفاؤنا السابقون الموثوقون في محاربة تنظيم "داعش" - يتعرضون لهجوم من تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي.. إن العواقب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ستدوم طويلا وستكون على حساب أمان أوروبا والعالم".
اقرأ أيضاً: هل توسّع أنقرة عمليتها العسكرية في شرق الفرات؟
بينما قال مسؤولون في البنتاغون إن الأكراد كانوا مدربين بشكل أفضل من الجنود الأتراك أو العراقيين مثلا لشن حملات لاستعادة مدن مهمة كانت بأيدي تنظيم "داعش".
وحول الدوافع الأخيرة المرتبطة بقرار ترامب بالانسحاب من سوريا؛ قال الكاتب و الباحث د.هيثم خوري، في حديث لـ "روزنة"، أن هناك 3 عوامل جعلا ترامب يقرر الخروج عسكريا من سوريا؛ أولهم يتمثل في عدم رغبة ترامب في الاستمرار في التعامل مع المحتجزين لدى "قسد" الذين كانوا ينتمون إلى داعش، والذين يُقدّرون بعشرات الآلاف.
وتابع:"ترامب طلب من دول الاتحاد الأوروبي أن تأخذ المحتجزين الذين ينتمون لهذه الدول مع عائلتهم وعددهم يقدر بـ 60 الف ولكن هذه الدول رفضت.. بالنسبة له فإن استمرار احتجاز هؤلاء مُكلف، فهو رجل أعمال و يحسب حساب كل مصروف.. فإذاً بسبب رفض الاتحاد الأوروبي التعاون مع المحتجزين عقد صفقة مع تركيا مضمونها الدخول إلى سوريا مقابل تكفل الولايات المتحدة بموضوع المحتجزين".
وأردف بالقول: "السبب الثاني يتعلق بالانتخابات، حيث كان ترامب قد وعد في الحملة الانتخابية الماضية بتقليل الوجود العسكري الأميركي في الخارج؛ أي باعادة الجنود الأمريكيين إلى بيوتهم وأطفالهم، وهذا الموضوع يحاكي مشاعر كثير من الناخبين، وهو الآن أمام حملة انتخابية جديدة، وبالتالي يريد أن يخاطب مشاعر هؤلاء الناخبين من جديد ولا يريد أن يقوم أحد بالتهجم عليه قائلا أنه لم يحقق وعوده الانتخابية".
وأما العامل الثالث يرى خوري ارتباطه بعملية العزل التي ابتدأها الكونغرس الأميركي بحق ترامب، لذلك أراد الرئيس الأميركي حرف النقاش في الكونغرس والإعلام والشارع الأميركي عن ذلك الأمر، وأضاف: "هذه العوامل الثلاث هي التي جعلت ترامب يسحب جنوده ويسمح للأتراك بالدخول للمنطقة الشرقية منها".
قد يهمك: صفقات أميركية متناقضة في سوريا… ما مصير المنطقة الآمنة وإدلب؟
وفي سياق مواز اعتبر خوري أن الولايات المتحدة لن تنسحب من الشق السياسي للقضية السورية؛ مشيراً إلى أنها ستبقى حاضرة فيه كما كانت حاضرة في الماضي.
وأكمل: "أظن أن واشنطن تدرك بأن الحل السياسي ليس بقريب.. و خروج الولايات المتحدة من المسار السياسي القضية السورية يعني خروجها كليا من هذه القضية وهي حتما لا ترغب في ذلك، فهي مهتمة بعدة ملفات متعلقة بهذه القضية أولها الوجود الإيراني في سوريا، و ثانيها المصالح الإسرائيلية، و ثالثها عدم ترك الساحة لروسيا كليا في هذا الأمر، وآخرها (يتعلق) بشكل النظام السوري القادم.. إذاً كل هذه الاسباب تجعلها متمسكة بالبقاء في المسار السياسي للقضية السورية".
وختم حديثه بالقول: "الولايات المتحدة لن تترك الساحة كليا لروسيا، وهي مازالت تمسك بمعظم الخيوط المتعلقة بالقضية السورية، ومازال لها اليد العليا في هذه القضية حتى بالمقارنة مع روسيا".
من جانبه قال المحلل السياسي المختص في الشؤون الأميركية؛ رامي دباس، في حديث لـ "روزنة" أن سحب التواجد العسكري الأميركي في شمال سوريا يدل على أن إدارة الرئيس الأميركي لا تريد الحروب.
وأردف: "وهذا يدل كذلك بأن الرئيس ترامب على الرغم من براعته الاقتصادية في إدارة بلاده فهو بعيد كل البعد عن السياسة و مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط و العالم أجمع، وبطبيعة الحال هذه هي سياسة الرئيس الأميركي منذ البدء؛ فهو إذا ما تورط في حرب حاليا فهذا يعني تهديد مباشر على فرص انتخابه رئيسا على أميركا".
وعلى المقلب الآخر اعتبر دباس استبعد حدوث انسحاباً أميركياً من الملف السوري، حتى و إن أراد ترامب ذلك، مضيفاً بالقول: "أميركا دولة مؤسسات و كثيرا ما قام الكونجرس الأميركي بتعطيل قرارات متعددة لترامب، وأعتقد إن أقدم ترامب على هذه الخطوة سيقوم الكونجرس بتعطيل قراره؛ ولن يكون هناك انسحاب كامل من الملف السوري، و لن تترك أميركا الملف السوري لروسيا بالكامل".
اقرأ أيضاً: ترامب يراهن بوتين على الملف السوري... ما موقف تركيا و إيران؟
وكانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، انتقدت قرار ترامب، سحب القوات من شمال شرقي سوريا، وكتبت كلينتون، التي كانت منافسة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في تغريدة على "تويتر"، يوم الاثنين الفائت: "فلنكن واضحين أن الرئيس وقف إلى جانب الزعيمين المستبدين لتركيا وروسيا، وليس إلى جانب حلفائنا الأوفياء ومصالح أمريكا الخاصة".
بينما كشف تقرير لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، أن الجيش الأمريكي لم يكن مطلعا على القرار الذي اتخذه ترامب بالانسحاب من المواقع الحدودية بين سوريا وتركيا.
وقال مسؤولون في وزارة الدفاع "البنتاغون"، إنهم تلقوا تعليمات بالانسحاب بشكل مفاجئ تماما وغير متوقع، حيث تم إرسال رسائل إلى القادة الميدانين المتواجدين في سوريا جاء فيها "سنغادر الميدان".
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن عن سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا على خلفية استعدادات تركيا لشن عملية عسكرية ضد القوات الكردية في تلك المنطقة، وقال ترامب إن دعم القوات الكردية أثناء محاربة تنظيم "داعش" بسوريا كان مكلفا جدا بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
الكلمات المفتاحية