أعلن مجلس الرقة المدني نهاية الشهر الفائت عن إطلاق مبادرة جديدة لإعادة إعمار كنيسة الشهداء في مدينة الرقة، بهدف تشجيع أبناء الطائفة المسيحية على العودة لمدينتهم، بعد سنوات من هجرة معظمهم بسبب الحرب وتردي الوضع المعيشي والاضطهاد الذي مورس بحقهم من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي.
وبحسب مجلس الرقة المدني فإن آخر الإحصاءات التي قام بها المجلس أظهرت وجود 60 عائلة مسيحية فقط في الرقة حالياً، فيما كانت تقطنها نحو 1000 عائلة قبل بداية الحرب في سوريا منذ سبع سنوات.
وستتولى لجنة الشؤون الاجتماعية في مجلس الرقة المدني مسؤولية إعادة إعمار كنيسة الشهداء، والتي تقع وسط مدينة الرقة، وبعد أن سيطر تنظيم داعش على المدينة بداية عام 2014؛ استولى عناصر التنظيم على الكنيسة وحولوها إلى مقر لهم، لتتعرض أخيراً للدمار إثر غارة جوية لطيران التحالف الدولي صيف عام 2017.
إلى ذلك يفيد عبد السلام حمسورك رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس الرقة لـ "روزنة" بأن آليات المجلس تقوم حالياً بإزالة أنقاض الكنيسة، تمهيداً للشروع في أعمال إعادة بنائها كما كانت سابقاً دون أي تغيير، ويقول حمسورك: "منذ تأسيس مجلس الرقة المدني، ودخولنا إلى المدينة بعد تحريرها، وضعنا نصب أعيننا إعادة إعمار الكنائس والمساجد وكل دور العبادة والمنشآت الخدمية التي دمرتها الحرب، ولكن كنيسة الشهداء لها خصوصية كونها أكبر كنيسة في الرقة، وهي محفورة ذاكرة أهل الرقة من مسلمين ومسيحيين لموقعها الحيوي وسط المدينة".
ويضيف حمسورك "كنا قد ناشدنا عبر الوسائل الإعلامية المنظمات العاملة في الرقة لدعم بناء الكنيسة ودور العبادة، ولكن لم يستجب لنا أحد، ومؤخراً تبنى المجلس مشروع إعادة إعمار كنيسة الشهداء بدعم محلي من قبل شخصيات تريد المشاركة في بناء الكنيسة من جديد، وحالياً قمنا بتشكيل فريق هندسي يشرف على إعمار الكنيسة، وخلال الفترة القليلة المقبلة سيبدأ العمل، وسننتقل بعدها للعمل على إعادة بناء كنيسة سيدة البشارة التي تعرضت بدورها للتخريب من قبل عناصر التنظيم وتحولت إلى أنقاض خلال الحرب".
ويتابع "قمنا في مجلس الرقة المدني بعقد اجتماع مع أبناء الطائفة المسيحية المتواجدين في الرقة واستمعنا إلى مطالبهم وسنعمل على تحقيقها وتوفير الأمان لهم وشكلنا لجنة من مسيحيي الرقة للإشراف على أعمال إعادة بناء الكنيسة، سنحاول قدر إمكاننا تأمين وظائف ومساعدات للفقراء وأصحاب الدخل المحدود من الطائفة المسيحية، لدينا مكتب التشغيل في مجلس الرقة المدني، ونحن نأخذ بعين الاعتبار أن تكون هناك حصة معينة في الوظائف لكل مكون من مكونات الرقة، ونحن نتمنى أن يعود باقي المسيحيين إلى مدينتهم وبيوتهم، الرقة مزيج من الأعراق والطوائف، وبالتأكيد فإن هذا التنوع يشكل غنى للمدينة".
وتوجد في مدينة الرقة 3 كنائس، أكبرها كنيسة الشهداء التي يجري العمل حالياً على إعادة بنائها وهي لطائفة الأرمن الكاثوليك، وكنيسة سيدة البشارة للروم الأرثوذوكس، أما الكنيسة الثالثة تقع داخل مدرسة الحرية للأرمن الأرثوذكس.
اقرأ أيضاً: الرقة: بدء العام الدراسي والأهالي متخوفون من شائعات خطف الأطفال
ويرى هاكوب سيمون وهو مسيحي أرمني من الرقة يبلغ من العمر 59 سنة، أن مبادرة إعادة بناء الكنيسة مهمة جداً وستساهم بتشجيع عودة أبناء الطائفة للرقة من جديد، ويقول لـ "روزنة": "غادرت الرقة منتصف عام 2015 بعد أن كثرت مضايقات تنظيم داعش بحقنا، واليوم بعد أن غادر التنظيم عدت ووجدت منزلي مدمر بالكامل، وحتى الكنائس تدمرت، كل ذكرياتنا أصبحت أنقاض، أنا أحب الرقة التي ولدت وترعرعت فيها، ولكن كثرة المضايقات أجبرتني على الرحيل كما غيري من أبناء الطائفة المسيحية".
وعن الظروف التي أدت لهجرة معظم المسيحيين من الرقة يضيف هاكوب "بعد الحرب بدأ المسيحيون بالهجرة تدريجياً عقب استيلاء جبهة النصرة على كنيستي سيدة البشارة والشهداء، وبداية حملة التضييق على المسيحيين والتي اشتدت مع فرض تنظيم داعش سيطرته الكاملة على الرقة، أنا بقيت في الرقة خلال تلك الفترة، ودفعت الجزية ثلاث مرات، وكان الدفع حسب سعر غرام الذهب، في المرة الأولى دفعت 27 ألف ليرة سورية عن شخصي فقط، والمرة الثانية دفعت 56 ألف ليرة عني و56 ألف أخرى عن ابني، والمرة الثالثة أيضاً 56 ألف وهذا كله خلال نحو عام ونصف، ولم أعد أتحمل تكلفة الجزية بسبب ضيق الوضع المادي فأنا موظف حكومي ولا أقدر على كل هذه المصاريف".
ويردف بالقول: "معظم المسيحيين مثلي لم يتحملوا هذه القوانين الجائرة، فوجدت نفسي مجبراً على ترك بيتي والرحيل، ولكن السبب الحقيقي الذي جعلني أهرب من الرقة هو تهديد عناصر داعش بزواج بناتنا، كان عناصر التنظيم يقولون لنا علناً أنه في حال لم ندفع لهم الجزية فيجب أن نتنازل لهم عن بيوتنا، أو ندخل في الإسلام، أو نزوجهم بناتنا، فالخيار الأخير جعلني أقرر الهرب بشكل فوري من الرقة".
و مع سيطرة "داعش" على الرقة وضع التنظيم مسيحيي الرقة أمام ثلاثة خيارات، من خلال ما أسماه "عهد الذمة مع نصارى الرقة، والخيارات هي (الأول أن يدخلوا في الإسلام، والثاني أن يختاروا البقاء على دينهم فيتوجب عليهم دفع الجزية والخضوع لقوانين التنظيم، والثالث أن يرفضوا الدخول في الإسلام ودفع الجزية، فإن فعلوا ذلك فهم محاربون وليس بينهم وبين داعش إلا حد السيف).
ومنع التنظيم المسيحيين من إظهار رموزهم الدينية في الأماكن العامة وأمام المسلمين، ومنعهم كذلك من استخدام مكبرات الصوت أثناء صلواتهم، أو إقامة شعائرهم خارج الكنائس التي كان التنظيم يسيطر عليها أصلاً، بالإضافة لخضوعهم لقوانين التنظيم المتعلقة بطريقة اللباس ومنعهم من حمل السلاح.
(أبو جوزيف - اسم مستعار) أحد المسيحيين الذين يعملون في المدينة الصناعية بالرقة فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي لـ "روزنة" خوفاً من خلايا تنظيم داعش والنظام السوري، ويشير إلى أن عناصر التنظيم كانوا يتعمدون إذلالهم وتحقيرهم، ويقول: "الحياة مع داعش كانت أشبه بالعبودية، في حال عرفوا بأنك مسيحي، فسيقومون علناً بالتمييز ضدك ومضايقتك، في إحدى المرات كنت أحجز في كراج البولمان من أجل السفر للعلاج في دمشق، وكان يجب أن أقف على الدور للحجز، وقتها كان هناك داعشي ينظم الدور، وعندما علم بأني مسيحي قام بإعادتي إلى آخر الدور، وكرر ذلك ثلاث مرات، رغم أني رجل كبير في السن وقدمي مصابة، الشبان المسلمين حاولوا مساعدتي وقاموا بتقديمي أمامهم نظراً لسوء حالتي الصحية، ولكن الداعشي وبخهم بشدة على مساعدتهم للكافر الذي هو أنا وأعادني إلى آخر الدور".
ويضيف أبو جوزيف " كان هناك خوري واحد للكنائس الثلاثة في الرقة، لا توجد تفرقة بين الكاثوليك والأرثوذوكس في الرقة، كنا نقيم صلواتنا معاً، مع سيطرة الفصائل المتشددة على المدينة في آذار 2013، قامت جبهة النصرة بتهديد الخوري، وتم تفجير عبوة ناسفة أمام كنيسة سيدة البشارة، ما دفع الخوري للهرب ولا نعرف أين هو الآن، وأبناء الطائفة المسيحية فعّالين في المجتمع الرقي، فهم يعملون في حرف ومهن مختلفة".
ويكمل بالقول أن "نسبة جيدة تعمل هنا في المدينة الصناعية، وكذلك يوجد أطباء ومهندسين وموظفين، وما يهم المسيحيين خارج الرقة بالدرجة الأولى الوضع الأمني، للأسف حالياً الأمن غير مستتب بالمدينة في الوقت الحالي، ما خلق حالة من الخوف لدى أبناء الرقة المسيحيين في الخارج وعدم التفكير بالعودة، المطلب الأول هو استقرار الوضع الأمني وتأمين فرص عمل وترميم الكنائس من أجل عودة مسيحيي الرقة".
الكلمات المفتاحية