ما بين التداولات السرية والتحضيرات المرتقبة تدور الأنباء المجتمعة حول هدف محاربة النفوذ الإيراني في سوريا؛ شرقها وكذلك في جنوبها.
ويُعد تشكيل جيش العشائر في الشرق السوري بالقرب من الحدود مع العراق، أو في الجنوب السوري المسيطر عليه من قوات النظام منذ أكثر من عام بقليل وتنتشر فيه الخلايا التابعة لإيران، يُعد أمراً بالغ الأهمية لمن يترقب إبعاد نفوذ طهران خارج سوريا، إلا أن المتتبع لتجذابات الصراع في المنطقة وتداخلاتها وربطها والملف السوري، قد يستبعد حملة عسكرية وشيكة ومواجهة مباشرة مع إيران من أجل طرد نفوذها من سوريا، فاستراتيجيات إدارة الصراع في المنطقة باتت تأخذ منذ سنوات منحى إطالته أمد مقابل تفكيك خيوط الأزمة، لمحاولة تقليل الأضرار على القوى الكبرى المتداخلة مصالحها داخل ملفات المنطقة.
سعت واشنطن ضمن مسارات متعددة إلى حصار النفوذ الإيراني المتغول في المنطقة، وبالتحديد في سوريا، و بالتوازي مع الأدوات الرئيسية المستخدمة في تقليم أظافر إيران، تشي المعلومات التي رشحت مؤخرا حول تشكيل قوتين عسكريتين سوريتين إحداهما في الشرق (محافظة دير الزور) بتوجيه أميركي ودعم سعودي، والثانية في الجنوب (محافظة درعا) بتوجيه روسي في المقام الأول، تشي بشكل أو بآخر أن مرحلة جديدة في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا باتت في طور التحضير.
ماذا عن جيش عشائر على الحدود مع العراق؟
مصادر محلية في دير الزور أفادت لـ "روزنة" بتجديد واشنطن مساعيها لتشكيل قوة عسكرية عشائرية تستهدف النفوذ الإيراني المتوسع في تلك المنطقة، معتبرة أن الولايات المتحدة تسعى لاستبدال مخططها السابق والذي كان يتمثل بإدخال قوات تحالف عربي بتمويل خليجي بشكل كامل في المناطق التي تتواجد بها القواعد العسكرية الأميركية شرق الفرات لضمان أمن المنطقة وحماية مصالح حليفها الكردي، فضلا عن منع تمدد نفوذ إيران، إلا أن التعديل الجديد على خطة واشنطن لمناطق شرق سوريا تقتضي الاعتماد على تمويل خليجي (سعودي بامتياز) من أجل ضمان تأسيس نواة صلبة لقوة عسكرية سورية توجهها واشنطن لمحاربة النفوذ الإيراني هناك.
المتحدث باسم المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية؛ مضر حماد الأسعد، نوّه في حديث لـ "راديو روزنة" حول هذا الشأن؛ بأن الولايات المتحدة وقبل مساعيها الحالية لتشكيل جيش العشائر، فشلت سابقاً في تشكيل جيش كان سيحمل اسم "حرس الحدود"، كانت تهدف واشنطن من وراءه الالتفاف على المشروع التركي في تنفيذ "المنطقة الآمنة" شمال شرق سوريا، وفق قوله.
وتابع: "أميركا كانت تطرح هذا المشروع من أجل منع دخول تركيا أو الجيش الوطني ("المعارض") إلى منطقة الجزيرة والفرات.. وكان حرس الحدود يفترض أن يكون بقيادة "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية)، وهذا الأمر كان مرفوضا من قبلنا وكذلك من تركيا و الجيش الوطني، وعندما باءت محاولتها هذه بالفشل تعمل الآن على تشكيل جيش العشائر".
ولفت الأسعد إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتحريك دعم سعودي خليجي من أجل تشكيل جيش العشائر من أبناء العشائر التي بقيت حاليا في مناطق سيطرة "قسد" من أجل محاربة القوات التابعة لإيران في المنطقة.
و أردف: "نحن في مجلس القبائل و العشائر السورية لا ننوي تشكيل جيش للعشائر، فنحن نعتبر الجيش الوطني وقيادة الجيش الحر هي الممثل العسكري الوحيد في الثورة السورية.. نحن لنا تواصل مع قيادات الجيش الوطني و الجيش الحر وننسق معهم من أجل عملية تحرير المناطق المحتلة من قسد أو المقاتلين الايرانيين والعراقيين (التابعين لطهران) وكذلك النظام السوري".
وتابع في السياق ذاته: "نحن ضد تواجد نفوذ الإيرانيين في المنطقة ونرفض وجودهم رفضا قاطعا، وهناك عدة أسباب لذلك؛ أولها الجرائم التي تم ارتكبوها في منطقة الجزيرة والفرات، فضلا عن حالات التشيّع التي ينشرونها في المنطقة؛ و شراء العقارات والأراضي الزراعية بالترهيب والاغراءات المالية، حتى أنهم أقاموا قواعد عسكرية في المنطقة؛ وكل ذلك ضد الشعب السوري.. الإيرانيون يريدون أن يكون لهم طريق يأتي من العراق عبر بوابة البوكمال ومن ثم دير الزور والرقة فحلب إلى الساحل السوري".
قد يهمك:شبح حرب إقليمية يحوم في سوريا... من يشعلها؟
واعتبر الأسعد أن الولايات المتحدة ودول الخليج فيما "لو كانوا صادقين" في محاربة النفوذ الإيراني شرق الفرات؛ فإن عليهم التنسيق مع "مجلس القبائل والعشائر السورية" من أجل تشكيل جيش العشائر و تحرير المنطقة بشكل كامل من كل القوى الارهابية التي تتواجد فيها.
وختم بالقول: "إخراج إيران من المنطقة يكون من خلال تنفيذ المنطقة الآمنة، فإذا تم تنفيذها على كامل مساحة منطقة الجزيرة والفرات؛ فهذا يعني توحيد كل الجهود العربية والكردية والسريانية والآشورية من أجل محاربة الإرهاب؛ وبالاتفاق والتعاون بينهم وبين جيش مغاوير الثورة المتواجد في التنف؛ سيشكلون جيشا قويا يستطيعون من خلاله إخراج النفوذ الإيراني من المنطقة".
وكانت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أشارت إلى أن كل من دمشق وموسكو تستعدان لمثل هذه الخطوة في الشرق السوري من جانب خصوم بشار الأسد.
وأضافت أن "روسيا تعمل على تحسين بنيتها التحتية العسكرية في سوريا، حيث تحشد الأسلحة والموارد ذات الصلة، ومستمرة في بناء قاعدة حميميم الروسية الجوية. وعلى ما يبدو، سوف تشرك أيضا المكون البحري. فهناك العديد من السفن الحربية في القاعدة البحرية في طرطوس.. وهكذا، فإن تعزيز البنية التحتية العسكرية في حميميم وطرطوس يشير إلى أن روسيا، حتى بعد هزيمة تنظيم داعش وغيره من المتشددين، تستعد لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط لفترة طويلة".
هل تتشكل قوة عسكرية مشابهة في درعا؟
وفي سياق مواز استبعدت مصادر خاصة لـ "روزنة" إمكانية تشكيل جيش عشائر أو "جيش الجنوب" كما بات يطلق عليه مؤخراً في التسريبات المتعلقة بهذا الجانب.
وقالت المصادر أن احتمالات تشكيل قوة عسكرية سورية لمواجهة النفوذ الإيراني في الجنوب تحديداً تبقى مستبعدة؛ معتبرة أن أي تحرك أميركي لمواجهة أذرعة إيران شرقي سوريا لا يعني بأي حال إمكانية توحيد الجهود لمحاربة أذرعة طهران؛ مرجعة ذلك إلى عوامل عديدة تتعلق أولها باختلاف الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في كل منطقة، والفوارق الكبيرة بين رغبة أميركية حقيقية لإخراج نفوذ إيران من سوريا وإن كانت الاستراتيجية المتعلقة بذلك تعمل ببطء، بينما تبتعد نوايا روسيا عن أي تحرك لضرب مصالحها المشتركة مع إيران؛ في المرحلة الحالية على الأقل.
الكاتب والباحث عصام زيتون وفي تعليقه حول التسريبات الواردة فيما يتعلق بتشكيل "جيش الجنوب"، استبعد خلال حديثه لـ "روزنة" إمكانية حدوث هذا التطور خلال الفترة القريبة المقبلة على اعتبار أن الحلف الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) الذي تم توكيله عالميا بحل الأزمة السورية كما يرتأي؛ ما هو إلا حلف استخباراتي يقوم على الكذب و الدعاية، مشيراً وفق ذلك بأن الإدعاء بتشكيل "جيش الجنوب" برعاية روسية لمقاومة الوجود الإيراني يقوم على الدعاية الروسية بادعاء الالتزام بالوعود التي قطعتها لإسرائيل، والمتمثلة بإبعاد نفوذ طهران من الجنوب السوري.
اقرأ أيضاً:ما تأثير إيران على مكانة الأسد لدى روسيا؟
وتابع حول ذلك: "الروس لديهم قوة في سوريا ولكن لا تُقارن مع القوة الإيرانية، وهناك مصلحة مشتركة بين الجانبين وهذا الموضوع أكبر من سوريا.. ما نراه على الأرض السورية منذ 2015 هو تقسيم واضح من القطب الروسي التركي الإيراني.. تركيا في إدلب و الروس بقواعدهم ومطاراتهم في منطقة الساحل امتدادا إلى القلمون الشرقي؛ بينما إيران في المنطقة الجنوبية، و هناك شريك رابع وهو الجانب الأميركي والذي اقتطع الجزء الذي يريده (شرق الفرات) وترك لهم تقاسم الباقي".
وتابع بالقول: "الدور الروسي في الجنوب السوري هو محط شكوك وقلق، و تسليم المنطقة الجنوبية منذ أكثر من عام تم بتفاهم أمني إسرائيلي روسي؛ على أساس أن إسرائيل مسموح لها من قبل روسيا باستهداف أي شحنة أسلحة إيرانية باتجاه لبنان أو تدعم التواجد الإيراني في المنطقة وكان لهذا الجانب تفاهم معين".
وأضاف: "لكن هذا التفاهم نلحظ أنه قد طرأ عليه تذمر إسرائيلي مُعلن؛ من عدم وفاء الروس بوعدهم بتحجيم النفوذ الإيراني.. في الجنوب يتم خلال الفترة الحالية تغيير ديمغرافي و مذهبي عبر بناء حسينيات وهذه إن لم تكن الآن قواعد عسكرية ولكنها بمثابة قنابل موقوتة في المستقبل".
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال اليوم الخميس إن مواصلة الطيران الإسرائيلي شن غارات على الأراضي السورية يتسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وأضاف لافروف في تصريح صحفي: "فيما يتعلق بالضربات الجوية الإسرائيلية للأراضي السورية، لم نخف يوما موقفنا السلبي من مثل هذه التصرفات، التي تزيد من زعزعة الأوضاع، وتؤدي إلى مزيد من التصعيد، وربما حتى خروج الأوضاع عن السيطرة".
وأكد وزير الخارجية الروسي أنه "لا يجب جعل سوريا مسرحا لمخطط أحد ما، أو ساحة لتصفية الحسابات"، مضيفا أن "المهمة الرئيسية لكل القوى المسؤولة يجب أن تكون المساعدة وإعادة الأمن للأرض السورية".
الكلمات المفتاحية