"تمنيت لو كانت زوجتي رجل"... من القصص الرابحة في مسابقة "روزنة" للقصص الإنسانية

"تمنيت لو كانت زوجتي رجل"... من القصص الرابحة في مسابقة "روزنة" للقصص الإنسانية
أخبار | 28 سبتمبر 2019

أعلنت "روزنة" منتصف الشهر الجاري؛ أسماء الفائزين بمسابقة "الجندر" التي نظمتها مؤخراً لأفضل قصة إنسانية "لم تكتب بعد".

وبعد اجتماع اللجنة المكونة من ثلاثة أشخاص تم اختيار أربع قصص رابحة من القصص التي التزمت بمعايير وموضوع المسابقة، وينشر لكم هنا  موقع "روزنة"؛ القصة الفائزة في المرتبة الرابعة بعنوان  "تمنيت لو كانت زوجتي رجل" لـ سارة وهبة، على أن تنشر باقي القصص الفائزة تباعاً.

"تمنيت لو كانت زوجتي رجل"​

أنا عزيز، خلقت عزيز الاسم والكرامة، يبدو وقع اسمي على الأذن ثم نطقه ع ز ي ز  مدعاة للفخر ، أنا عزيز جدا على نفسي وعلى أهلي وعلى مجتمعي.

خلقت بقامتي الطويلة، شعري المجعد، وبعدها  بلحيتي الكثيفة، انتمي لعائلة متدينة، وتدينها و تربيتها لي في المجتمع المنغلق كون شخصيتي وعكس لي الصورة النمطية للعلاقات الاجتماعية والجنسية الغيرية، حتى السابعة عشرة لم أكن أعلم بأني سأنتمي يوما لعالم أخر، عالم نبدو فيه أنا وأمثالي أنموذجا  للشر المطلق، شواذ سافلون، يمارسون أنواع الفجور والفواحش، شياطين هذا العصر بلا منازع.

لم أتعرض للاغتصاب، حجج المستقيمون والشرفاء الغيريون، ولست مريضا، ولم أشعر يوما بأنني مريض، بل كنت أشعر بأن أمراض العالم ونفوسهم الخبيثة التي عملت على جلدي هم أكثر الشرور في هذا العالم، أنا لست غيري  مثلكم، أنا مثلي الجنس.

 بدأت باكتشاف مثليتي في الثامنة عشرة من عمري عندما بادرت إحدى فتيات حيينا على الحديث معي ثم طلبت مواعدتي كنت أرى نظرات الحب في عينيها الجميلتين، وبينما أردت اختبار ذكورتي لأول مرة أرادت هي اختبار أنوثتها عندما خلعت ثوبها، وأرتني جسدها الذي يبدو كأرض خصبة، يدين ناعمتين، نهدين مثيرين وأرداف مكتنزة، كنت عاجزا عن الاقتراب ولم يبدو لي لمسها فكرة جذابة، ولم يحصل انتصاب حقيقي ولا شهوة ولا رغبة سوى التحديق بجمالها الساحر، تحججت بخوفي من العلاقات السريعة وبأن أمامنا متسع من الوقت في التعرف على أفكار بعضنا؛  قبل تعرف جسدينا وفي وتبادل الهوايات والاهتمامات قبل تبادل القُبل، أعجبتها الفكرة ومضيت.

تعرضت ثلاثة مرات للموقف  ذاته وكنت عاجزا ، خشيت من تكرار المحاولات وأن أصبح منبوذا من قبل الفتيات ولا أنسى  ذلك الموقف ، وما سمعته يوما عندما اخترقت أذني قهقهات إحدى الفتيات اللاتي طلبت مواعدتهن ولم استطع الاقتراب منها ، "يا حرام ، ماله رجال". 

حملت رجولتي المشتهاة على ظهري وبقلبي تلك الكلمات ومضيت ووعدت نفسي في الكف عن مثل هذه المحاولات، شعرت برغبة في أن أتحول لشخص آخر، شخصا يشق جسده ويخرج عنه فيصبح انسانا أخر، شخصا قادرا على التمايز والافصاح عن علاقاته الجنسية واستحضارها في الاحاديث مع أقرانه، وبعد حالات الاكتئاب التي أنهكتني نصحني صديقي في ارتياد النادي الرياضي علني أخرج من قوقعتي واكسر عزلتي .

عالم الرجال مفتولي العضلات، كثيفو اللحى، خشني الصوت، كان لمدربي الفضل الأكبر في تعريفي عن ذاتي واكتشاف هويتي، عندما تشجعت لأول مرة عن الإفصاح بمشكلتي "كوتش بعاني مشكلة جنسية، لا يحدث انتصاب ولا رغبة في الاقتراب من الفتيات" و كمثل الطبيب الذي وجد علة لدوائي قال لي: "أنت طبيعي ، فتش عن حالك". 

لم يقنعني كلامه، ولكن صحبتنا التي جمعتنا وتدريبه في النادي الرياضي واحتكاكه و انغماسه في عالم الرجال جعله يكتشف أمري، وما لبثت اسبوعين حتى شعرت بالإعجاب والانجذاب نحوه، إعجاب لم يسبق له مثيل، ثم تلاه رغبة في الاقتراب منه  وهكذا عرفت نفسي.

قصتي تبدأ الأن...

"عزيز ، ياماما ، تجوز وفرح قلبي ، ياعزيز شو ناطر، داب قلبي لشوف ولادك" كانت جهودا حثيثة من والدتي العزيزة على قلبي بل جل ما أملك خلال سنوات ماضية، و أيضا الشغل الشاغل للعائلة بأكملها ، لقد تجاوزت الـ 35، حتى أخبرتني والدتي بأنها خطبت لي إحدى الفتيات.

و كسجين محكوم بالإعدام تزوجت ، امرأة تفوقني جمالا وذكاء ، وقدرة رهيبة في المسايرة والصبر، و أي النساء تصبر على رجل لا يقيم لجمالها أنوثتها وزنا، ولا تثيره حركاتها ولا أنوثتها الطاغية.

بتول زوجتي التي اقتربت منها واقمت  معها علاقة جنسية واحدة  بعدما شربت لترين من الويسكي ، والتي باءت جميع محاولاتها بالفشل الذريع بعدها.

وفي إحدى الليالي وبعد مرور خمسة أشهر من زواجنا، كان صوت ارتطام دموعها على وسادتها كافيا لأشعر بسفالتي و نذالتي وبأنني شخص يستحق التحقير، اعتقدت بتول بأنني على علاقة بأمرأة أحبها من زمن ولم أتزوجها، ثم بدأت في جلد ذاتها والاستهانة بقدراتها الجنسية أو حتى الاستهزاء من نفسها وفي شتم ذاتها، حتى مسحت دموعها بيدي وحضنتها قبلتها، وقلت لها "بتول أنت امرأة كاملة الاوصاف لكن أنا.. أنا.. إذا أخبرتك ماذا سيحصل؟ هل ستبقين الأمر سرا، وعدتني  بالكتمان وشدت على يدي، وأخبرتها بأنني مثلي".
 
حوقلت بتول في عيني، ثم بعينيها رمقتني نظرات غريبة، كانت أغرب من الموقف ذاته، لم تصدق، ضحكت و استمرت بالضحك، استمرت بتول بالضحك شهرين متواصلين مع انعدام الرغبة في الاقتراب مني كمحاولاتها السابقة.

قالت بتول: "أتحبه"، صَمّت ، وصمتت هي؛ تجرأت على الاقتراب منها لم تبعد يدايي وانهمرت بالبكاء، قلت لها سأطلقك يا بتول.

بتول إن قرأت كلماتي فأنا سعيد، لو تعلمين كم من الليالي مضت وأنا أحاول أن أقول لك من أنا، أحببتك وكأنك جزء مني، لو تعلمين يا بتول كم رسالة خططت، كم شتمت نفسي بل كرهتها، ولم يكن بمقدوري الاعتراف.

بتول لم تتفوهِ بكلمات جرحتني لكن صمتك وتقبلك لأمري جعلني أرغب في الافصاح عن نفسي، ولو في فضاء لا أحد يعرفني فيه ولا يعرفك ولكن على الكثيرين أن يعلموا بأن لقصتنا أشباه كثر، لم أختر أن أكون مثلي ولا أن أقع بغرام رجل، ولا أن أتزوجك يا بتول، ولا أن أطلقك.

في رسالتي التي عرجت عليها لأقص قصتي في محاولاتي الدائمة لإخفاء هويتي الجنسية كنت الوحيدة التي وقفت بجانبي؛ أنتِ شاهدة على صراعاتي، مثلما أنا شاهد على صراعاتك في المجتمع عندما تزوجت رجلا فقط لإبعاد شبح الوحدة والانعتاق من سرديات الوصم بالعنوسة.

في هذا العالم الذي نبدو فيه أنا وبتول و أشباهنا موصومون بالشر تارة؛ و بفقدان الأمل واليأس تارة أخرى؛ نقف عاجزين، لا نستطيع أن نجبركم على تقبلنا، جُلّ ما في الأمر نحن لسنا شياطين، وبقدر رحابة العالم يضيق بنا وكم يتمنى بأن يبصقنا بعيدا، لا مكان لنا في هذا العالم.

هذه القصة حقيقية وعلى ذمة الراوي..أنا الراوي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق