تتواصل الانشقاقات والتصدعات في صفوف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)؛ بدعاوى مختلفة من بينها تميع الإيديولوجيا أو الفساد المالي والإداري للقائمين عليها، في حين تواصل "الهيئة" حملاتها ضد النشطاء، ومن يحاول فضح ممارساتها الإدارية والأيدلوجية.
وتجلت أبرز النتوءات في الآونة الأخيرة في جسم "الهيئة" العسكري، إثر ظهور القيادي فيها "أبو العبد أشداء" في تسجيل مصوّر فضح من خلاله تلك الممارسات، ودعا إلى محاربة الفساد داخلها.
ويعتبر التسجيل إعلان ومكاشفة لعلّها الأكثر "مصداقية" في توصيف هلع قادة الأخيرة إلى جمع المال والسيطرة على مقدرات الثروة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، حتّى ولو كلف ذلك الاصطدام والقتال مع فصائل كانت بالأمس حليفتها وضمن كيانها ولعل من أبرزها حركة "نور الدين الزنكي"؛ وفق ما أفاد به مصدر معارض لـ "روزنة".
ولعلّ ما ساقته "الهيئة" من مبررات للقضاء على "الزنكي" في بداية العام الجاري، نسفته مكاشفات أبو العبد أشداء، الذي أوضح أنّ الأخيرة سطت على أكثر من مليون دولار أميركي من أموال الحركة، إلى جانب سطوها على أكثر من 1100 آلية، إضافة إلى مستودعات كبيرة من الذخيرة والأدوية.
ويتضح من كلام "أشداء" أنّ الصراع الذي اختلقته "الهيئة" مع معارضيها ليس صراع إيديولوجي أو حتّى "تخويني" كما ظهر في حديث متزعمها "الجولاني" من مسببات للقضاء على "الزنكي" غرب حلب من اتهامات لها بالعمالة والتواصل مع الروس، لكن الثابت الوحيد أنّ الأسباب المباشرة لذاك الصراع هو السيطرة على مقدرات معبري "المنصورة" مع النظام غرب حلب، والغزاوية مع عفرين قرب دارة عزة.
كما أنّ من جملة الأسباب وفق المصدر المعارض؛ هو حلم "الجولاني" في السيطرة على ما كان يعرف بـ"ريف الزنكي" هو السيطرة على مقدرات المنطقة الصناعية التي تتحكم بها الحركة، والتي تعتبر المعقل الأساس لصناعة الأدوية والمواد الغذائية إضافة إلى صناعات أخرى تشكل نحو 40 بالمئة من منشآت حلب الصناعية.
اقرأ أيضاً: هل تستطيع تركيا تفكيك هيئة تحرير الشام؟
ولعلّ خطاب "أشداء" لن يخرج من شخص كاره للمنهج أو إيدلوجيا تنظيم "الجولاني"، وإنما ممن يقرّ بها، لكنه يرغب بإعطائه شيئًا من تلك المقدرات، وهو الذي تولى إمارة حلب قبل أن تسيطر عليها قوات النظام بأشهر، لكنه يشعر الآن -كما يقول مقربون منه لـ"روزنة"- بالخذلان لما آل إليه أمره وأمر مقاتليه من خذلان وتجاهل من قبل تيار " الجولاني".
ومع أنّ خطوات "أشداء" وصفت بـ"الإصلاحية" من قبل جمهور "الهيئة" إلا أنّ الجهاز الأمني لم ترق له تلك الأحاديث التي يصفها مقربون منه بـ"المسمومة" والتي تهدف إلى ما يسمى اصطلاحًا في تلك "الجماعات" بـ "شق الصف"، و"الوهن من عزيمة المقاتلين"، فكان القرار بداية بـ"العزل" ومن ثم التحويل للقضاء.
ويبدو أن مكاشفة "أشداء" هي استمرار للتيار المتشدد الذي كان يقوده "أبو اليقظان المصري" و"القزعلي" وغيرهم من أعمدة التيار المتشدد الذين يرون في علاقة "الهيئة" مع الأتراك في إدلب بـ"التعامل مع نظام علماني كافر" لايصح ولايجوز، وهم الذين كانوا يُطبلون لمنع دخول الجيش التركي إلى إدلب تنفيذًا لـ "أستانا" ويتهمون يتفاوض مع النظام فيها بـ"الخيانة"، أصيبوا بالصدمة والإنكاسار مع تولي عناصر "الهيئة" حماية الأرتال التركية في تشرين الأول من عام 2017 .
وتأتي كل تلك التصدعات في خضام أحاديث متواترة عن سعي أنقرة لحل "هيئة تحرير الشام" ضمن توافقات مع موسكو من أجل تنفيذ اتفاق سوتشي حول إدلب (أيلول 2018)، لكن تلك الأحاديث لا تجد ما يؤكدها على أرض الواقع فلا "الهيئة" تعترف بمفاوضات الحل والانصهار ضمن بوتقة "الجيش الوطني" المعارض ولا الوسطاء المفترضين ( فيلق الشام) يقرّ بذلك، ويعتبر أنّ تلك الأحاديث هي محض إشاعات وافتراءات.
الكلمات المفتاحية