موسكو تُناور... دستور روسي تفرضه على اللجنة الدستورية السورية!

موسكو تُناور... دستور روسي تفرضه على اللجنة الدستورية السورية!
أخبار | 13 سبتمبر 2019

لا يبدو أن مساعي المبعوث الأممي إلى سوريا؛ غير بيدرسن، بتشكيل اللجنة الدستورية ستكلل بالنجاح خلال الشهر الجاري؛ وفق ما كان قد أعلن عنه مؤخراً متفائلاً بتشكيل اللجنة الدستورية رسمياً قبل نهاية أيلول. 

المعطيات الميدانية والدبلوماسية فيما يتعلق بالملف السوري لا تشير بأن فعلاً حقيقياً سيحدث نحو ما يصرح به بيدرسن؛ فالملفات الميدانية لم ولن تهدأ خلال الفترة الحالية على أقل تقدير، ولو أن ملف شرق الفرات والمنطقة الآمنة هو الأقل تعقيداً من ملف منطقة إدلب لخفض التصعيد؛ الذي باتت تقف فيه واشنطن على مقربة كبيرة من تشابكاته بعد قصفها الصاروخي على معسكر لجماعة "حراس الدين" قبل أن تصنفها على قائمة الإرهاب منذ يومين. 

إذاً فالتوافق الثلاثي الضامن لأستانا حول أسماء قوائم اللجنة الدستورية وكذلك اختصاصات اللجنة وقواعد إجراءاتها؛ فيما لو تم التوافق الكامل فعلياً وتم الإعلان عنه في قمتهم التي تستضيفها أنقرة يوم الاثنين المقبل، إلا أن زيارة بيدرسن إلى واشنطن لوضع لمساته الأخيرة من أجل حسم موعد الإعلان عن اللجنة؛ لن تكون بالزيارة المثمرة التي يرتجيها الدبلوماسي النرويجي، فالولايات المتحدة لا تبدو في موقف يتيح كشف الستار عن المشروع الدستوري الذي لم ينضج منذ أكثر من سنة ونصف، فمن ناحية نجد أن الحضور الأميركي الميداني في سوريا يشهد عودة غير مسبوقة وكأن ملف مقاتلة الجماعات الإرهابية في الشمال سيكون البوابة لذلك، وعلى الضفة الأخرى تردي وضع العلاقات الأميركية الروسية بالعموم لا يفسح المجال للتعاون المشترك والفعلي بين واشنطن وموسكو حيال سوريا. 
 

ولعل آخر تصريحات وزير الخارجية الروسي؛ سيرغي لافروف، والتي أدلى بها لصحيفة "ترود" الروسية ونقلتها وكالة "سبوتنيك" اليوم الجمعة حول اللجنة الدستورية السورية، واصفاً اللجنة المترقب الإعلان عنه باللجنة التي تهدف إلى تطوير الإصلاح الدستوري، ليأتي وفي مثل هذا الوقت كاشفاً عن الرؤية الروسية الغامضة إزاء الهدف من تشكيل اللجنة والغاية المرتجاة منها، بخاصة وأن ذلك من أكثر التساؤلات أهمية التي كانت تدور حول اللجنة؛ بين أن تقدم اللجنة دستورا سوريا جديدا بالكامل أو أن تطرح تعديلات تتلائم والرغبة الروسية بالمقام الأول؛ على أن تكون ضمن إطار الإصلاح الدستوري وهو ما كشف عنه لافروف في تصريحاته. 

إذاً فإن تصريحات لافروف لا تدع مجال للشك وفق ما نقلته "سبوتنيك" بأن موسكو تناور في أساس مهم من عملية تشكيل اللجنة؛ وهو هدفها الذي يتوضح من المسمى الروسي أن اللجنة سيقتصر هدفها على إصلاح دستوري؛ و كأن لا أفق لدستور سوري جديد تعده شخصيات سورية، وبالتالي يجدر التساؤل حول إمكانات إطلاق اللجنة الدستورية في ظل وجود هذا التعارض في الرؤى والأهداف ما بين الروس والنظام من جانب وبين الأتراك والمعارضة وحتى واشنطن من جانب آخر.
 
 
فضلاً عن أن هذه التصريحات قد تذهب للقول أن روسيا تتحين الدخول عبر اللجنة بدستورها المقترح منذ مطلع عام 2017؛ ما دامت هذه اللجنة تنحصر مهمتها في الإصلاح الدستوري. 

روسيا تسعى إلى تمكين الأسد؟

الناطق بإسم "هيئة التفاوض" المعارضة؛ د.يحيى العريضي، لم يستبعد مناورة روسية والانقلاب على الهدف الأساسي للجنة واعتبار أنها للإصلاح الدستوري؛ سعياً في فرض مقترح الدستور الروسي، مشدداً في حديثه لـ "روزنة" على أن هيئة التفاوض لن تكون شاهد زور، وميّسراً لأمراض روسيا والنظام الذي تدعمه.

بينما اعتبر الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية؛ محمد منير الفقير، بأن تصريحات لافروف تكشف عن رؤية روسيا في سوريا والمتمثلة بتمكين حكومة دمشق من استعادة السيطرة على كامل الحدود السياسية لسوريا، وهذا الموضوع يزيل أي لبس عن أعين المعارضة السورية و أصدقاء الشعب السوري بأن روسيا ممكن أن تكون تملك تصورا لحل يحقق جزء من تطلعات الشعب السوري.

وقال وزير الخارجية الروسي، في تصريحاته اليوم الجمعة إن الوضع في سوريا أخذ يعود إلى المسار السلمي، وبقيت هناك فقط بؤر توتر معينة، وأضاف لافروف في مقابلة مع صحيفة "ترود" الروسية: "لقد انتهت فعلا الحرب في سوريا.. وأخذت هذه الدولة تعود بشكل تدريجي إلى الحياة الطبيعية السلمية، لقد بقيت هناك بؤر توتر في الأراضي التي لا تسيطر عليها الحكومة السورية، على سبيل المثال في إدلب وشرق الفرات".

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تُعلّق على قُرب تشكيل اللجنة الدستورية

وفي هذه الظروف، وفقا للوزير الروسي، تبرز في المقام الأول، مهام "تقديم مساعدات إنسانية شاملة لسوريا ودفع العملية السياسية لحل الأزمة لتحقيق استقرار موثوق وطويل الأجل في هذا البلد، وكذلك في منطقة الشرق الأوسط ككل".

وقال لافروف: "نعتقد أن تشكيل وإطلاق لجنة تهدف إلى تطوير الإصلاح الدستوري سيكون خطوة مهمة في دفع العملية السياسية التي يقودها السوريون أنفسهم وتنفذ بمساعدة الأمم المتحدة. في الأساس، سيعطي عقد هذه الجلسة للأطراف السورية (الحكومة والمعارضة) للمرة الأولى فرصة البدء في حوار مباشر حول مستقبل البلاد".

وحول تصريحات لافروف، أضاف الفقير في تعليقه لـ "روزنة" أن "روسيا منحازة تماما للنظام ورؤيتها للحل السوري هي رؤية صفرية لصالح النظام؛ وليس هناك أي اعتبار بأن هناك اعتبار تطلعات للشعب السوري من قبل روسيا؛ وهي ذاهبة بهذا الاتجاه منذ اليوم الأول.. النظام عمل وفق الرؤية الروسية بملف الهدن المحلية حيث كان يتم قضم المناطق المعارضة له على مستوى المحافظات من خلال تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد".

ورأى أن تصريحات لافروف تترجم رؤية روسيا واختزالها للقرارات الدولية خاصة القرار "2245" والذي ترجمته موسكو على أنه حل على طريقة الإصلاحات الدستورية؛ ما يعني بالمحصلة أن روسيا يمكن أن تستلهم دستور عام 2012؛ مع بعض التعديلات والتي سيتم شرعنتها من خلال اللجنة الدستورية.

واستبعد الفقير وجود أي أفق لدستور سوري جديد، مرجحاً سعي روسيا بأن تُضمّن بالدستور المعدل لعام 2012 بعض المقترحات التي كانت اقترحتها عام 2017 المرتبطة بإيلاء بعض الصلاحيات للإدارات اللامركزية. 

وتابع بالقول: "لكن العنوان الاساسي في هذا الشأن أنه لا تغيير في السلطة التي تعتبرها روسيا هي السلطة الشرعية (سلطة دمشق) ولا بد من إعادة تمكينها.. مسودة الدستور الروسي الذي طرحته موسكو عام 2017 اعتقد بأنه كان لجس النبض، وتصريحات لافروف كانت منتظرة ومتوقعة فلا جديد من قبل روسيا التي تعمل على تمكين الأسد من بسط سلطته ونفوذه على كامل سوريا".

وأردف مُذكّراً بأن "روسيا دفعت باتجاه القرار الدولي "2245" كإعادة إنتاج لبيان "جنيف-1" وبعد القرار الدولي دفعت بقرارات تفصيلية مرتبطة بالسلل الأربعة؛ وبعدها ضغطت باتجاه أن تكون سلة الدستور هي الأساسية، وبعد الخوض بملف الدستور تضغط موسكو الآن باتجاه أن يكون هناك تعديل دستوري وليس اقتراح دستوري جديد". 

وختم بالإشارة إلى أن كل هذه الخطوات تحشد لها روسيا، ومن بعد الانتهاء من سلة الدستور فإنها ذاهبة لملف الانتخابات برؤيتها الخاصة؛ حيث "تدفع بانتخابات تشمل المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام وتتجاهل ملايين اللاجئين خارج حدود سوريا، روسيا تتجه لتعويم النظام و شرعنته بشكل كامل".     

قد يهمك: هل بات تشكيل اللجنة الدستورية قريباً؟

وكانت وسائل إعلام روسية نشرت مسودة الدستور الروسي الذي أعدته موسكو مطلع عام 2017، والذي تسعى فيما يبدو روسيا لفرضه ضمن مخططها للجنة الدستورية، حيث تقترح مسودة الدستور الروسي توسيع صلاحيات البرلمان السوري بقدر كبير على حساب صلاحيات الرئيس السوري.

وجاء ذلك في المادة 44 من مسودة المشروع، إذ ورد فيها "تتولى جمعية الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية من المنصب، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب"، بينما لا يمنح الدستور السوري الحالي لا للبرلمان هذه الصلاحيات، ولم تشر المسودة الروسية إلى حقّ رئيس الجمهورية بحلّ المجلس النيابي، كما لم تشر إلى إمكانيته تعيين نائب رئيس له، وهما من حقوق الرئيس المسجلة في الدستور الحالي.

وتقترح المسودة الروسية الإبقاء على مدة ولاية رئيس الجمهورية والمحددة بسبع سنوات مع إمكانية الترشح لولاية واحدة تالية، و كذلك تقترح المسودة الروسية إزالة تعابير تشير إلى عربية الجمهورية السورية وإحلال اسم "الجمهورية السورية" للتشديد على ضمان التنوع في المجتمع السوري.

كما اقترحت المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري الجديد جعل تغيير حدود الدولة ممكناً عبر الاستفتاء العام، واعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين في أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته.

وجاء في البند الثاني من المادة التاسعة لمسودة المشروع: "أراضي سوريا غير قابلة للمساس، ولا يجوز تغيير حدود الدولة إلا عن طريق الاستفتاء العام الذي يتم تنظيمه بين كافة مواطني سوريا وعلى أساس إرادة الشعب السوري"، وتشير المسودة الروسية إلى ضرورة مراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا في التعيينات الحكومية، مع تخصيص بعض المناصب لتمثيل الأقليات.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق