في الثلاثين من الشهر الجاري يدخل التدخل العسكري الروسي المباشر عامه الخامس في ظل تطورات عديدة يشهدها الملف السوري على الصعيدين الميداني والسياسي، كان لذلك التدخل الأثر المهم في كثير ملفاتهما.
ورغم الرواية القائلة بأن إيران طالبت روسيا وبشكل عاجل في تموز عام 2015 للتدخل بشكل فوري بسوريا قبل أن تظفر "قوى الاستكبار" بها، وذلك بعدما شعرت طهران أنها ستخسر كل ما أسست له في سوريا بشكل خاص وأن مشروعها قارب على الفشل ولن ينجو دون تدخل موسكو.
إلا أن روسيا لم يكن تدخلها فعلياً نجدة لإيران في حقيقة الأمر أو من أجل طلب دمشق لهذا التدخل بشكل رسمي في شهر أيلول من عام 2015 وإنما كانت روسيا قد وجدته فرصة مناسبة لإعادة إيجاد نفسها كقوة مقابلة لنفوذ الولايات المتحدة، فضلا عن أنها وجدت في حضورها المباشر في الملف السوري عاملاً يساهم في فرض توازنات خاصة بمصالحها فيما يتعلق بالملفات ذات العلاقة وبالأخص تصدير أزمة القرم (شباط 2014)، بالإضافة إلى ضمانها الوصول المباشر والدائم إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط.
شكل التواجد الروسي المباشر نقاط مفصلية في مسارات الملف السوري على الصعيدين الميداني والسياسي، فقد ساهم التقارب الروسي التركي بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية-السورية (تشرين الثاني 2015)، عاملاً مساعداً لابراز المكاسب الروسية حيث ساهم مسار أستانا (مطلع عام 2017) الذي أحدثته روسيا وانضمت إليه تركيا وإيران ليصبح مساراً عسكرياً وتقنياً موازيا لمسار جنيف السياسي حول سوريا، ساهم في تغيير خارطة السيطرة الجيوسياسية لمصلحة دمشق من خلال خلق مناطق لما سمي بخفض التصعيد وتهدئة الاقتتال على الأرض السورية، وتوقيع اتفاقات ثنائية بين روسيا وفصائل المعارضة في مناطق من جنوب ووسط سوريا.
اقرأ أيضاً: رسائل من نتنياهو عبر روسيا بخصوص المصالح الإيرانية في سوريا
وعلى إثر تلك الاتفاقات استطاعت روسيا إخضاع مناطق عدة لسيطرة حكومة دمشق في أرياف دمشق الغربية والشرقية وريف حمص الشمالي ومناطق من مدينة حمص و كان آخرها محافظة درعا وريف القنيطرة في صيف عام 2018.
وبالتوازي مع ذلك كان الطيران الروسي منذ أيلول 2015 يؤمن الغطاء الجوي الكثيف لقوات النظام إلى جانب قوات إيرانية أو مدعومة من طهران بشكل مباشر في القتال على الأرض ضد فصائل معارضة سواء في مدينة حلب قبل انسحاب المعارضة منها في قسمها الشرقي نهاية عام 2016، أو في أرياف محافظات عدة كالرقة وحلب الشرقي، وكذلك مدينة دير الزور و بعض مناطق من ريف المحافظة، فضلا عن الضغط الناري وسياسة الأرض المحروقة في المناطق التي تم إخضاعها لاتفاق التسوية/المصالحة، وكذلك هي السياسة نفسها التي تستخدم مؤخرا في مناطق ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إثر سيطرة قوات النظام على مدن وبلدات في الشمال السوري من أرياف حماة وإدلب، خلال حملة عسكرية استمرت على مرحلتين انطلقت الأولى نهاية نيسان الماضي، وكانت المرحلة الثانية مطلع شهر آب الفائت.
بوتين نفسه أجاب على سؤال "هل نجحت روسيا بتحقيق أهداف ذات قيمة" عندما قال في حوار مع فايننشال تايمز "لقد حققنا أكثر مما كنا نتوقع"؛ حينها أشار إلى ما عده إنجاز في القضاء على الإرهابيين الذين يشكلون تهديدا لروسيا حال عودتهم إلى بلادهم، وزعم أنه حقق الاستقرار للمنطقة، وفق ما تحدث به الكاتب المتخصص في الشؤون الروسية طه عبد الواحد؛ خلال حديثه لـ "روزنة" حول نتائج التدخل الروسي العسكري والأهداف التي حققتها موسكو من وراءه.
وتابع عبد الواحد حديثه: "أهم ما حققه (بوتين) ولم يشر له هو أنه حصل على قواعد عسكرية لأمد غير محدود في سوريا و تخضع كليا للسيادة الروسية، وحصل عبر تدخله في سوريا على فرصة لاستعادة الدورين الإقليمي والدولي، ولاحظ أن سوريا هي الملف الرئيسي الذي جر اهتمام العالم بالفعل نحو الدور الروسي".
وكذلك لفت إلى استخدام بوتين لسوريا للترويج للصناعات الحربية الروسية، وللسيطرة على قطاعات هامة من الاقتصاد السوري لصالح شركات روسية، والكثير غيره.
قد يهمك: بريد أوروبي سلّمه ماكرون إلى بوتين… ماذا تَضمّنَ عن سوريا؟
وأردف في سياق مواز: "بوتين سيعتبر أنه نجح حين "يتحكم" بغض النظر عن السيطرة ميدانيا.. وهو يمكنه التحكم بالطرق الدولية في منطقة خفض التصعيد في إدلب عبر التفاهمات مع تركيا حتى دون أن يضطر لعمل عسكري مع النظام.. لكنه بكل تأكيد لن يفوت الفرصة إن سنحت ليدفع نحو استعادة النظام سيطرته على باقي المناطق السورية، وهذا الأمر يبقى رهن التفاهمات مع أنقرة وحاليا رهن الموقف التركي".
واعتبر عبد الواحد بأنه وفي حال طرأت تغيرات على ذلك الموقف، قد يتغير الوضع تماما في إدلب، وفي الوقت ذاته يناسب بوتين تماما الإبقاء على منطقة خفض التصعيد إن توقف القتال، وتم بالفعل تشكيل اللجنة الدستورية وإطلاق الحل السياسي.
وأضاف: "هذا الوضع سيمنح بوتين الظروف المناسبة للعودة نحو ملف إعادة الإعمار ومطالبة الغرب بالتمويل على أساس أن الحل السياسي انطلق، وبالطبع ستكسب الشركات الروسية.. وإذا بقيت منطقة خفض التصعيد وانطلق الحل السياسي هذا سيشكل في الوقت ذاته ظرفا يساهم في تعاون سياسي روسي –أميركي في سوريا، وهو هدف تسعى إليه روسيا، علاوة بالطبع عن تعاونها مع تركيا وإيران والدول العربية التي دعمت كل حسب مصالحها المعارضة السورية.. باختصار (فإن) أي تطورات ستكون مناسبة لبوتين خلال الفترة القادمة، وسيسعى دوما لمواصلة "تحقيق أكبر مما توقع" في سوريا".
قاعدة حميميم وإعلان سحب القوات الروسية..
لقد شكلت قاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية منطلقاً للعمليات الجوية العسكرية الروسية في سوريا، وقد وقعت روسيا اتفاقا مع حكومة دمشق في آب 2015 يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية باستخدام قاعدة حميميم في كل وقت من دون مقابل ولأجل غير مسمى؛ حيث استخدمت روسيا القاعدة لتنفيذ مهام قتالية ضد فصائل المعارضة السورية، و بعد مرور سنة على التواجد الروسي أعلنت روسيا عزمها توسيع قاعدة حميميم بغرض تحويلها إلى قاعدة جوية عسكرية مجهزة بشكل متكامل.
ورغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن منتصف شهر كانون الأول عام 2017 بدء سحب القوات الروسية من سوريا، بعد أن أنجزت مهمتها في دحر من وصفهم بـ "الإرهابيين"، وقال بوتين آنذاك من قاعدة حميميم إن موسكو ودمشق نجحتا في القضاء على تنظيم "داعش"، إلا أن العمليات الجوية الروسية لم تتوقف بل ازداد اختراقها للسماء السورية، فضلا عن أن التنظيم الإرهابي ما يزال ينشط في جيوب بريف حمص الشرقي، كما أن الولايات المتحدة لم تعلن النصر على داعش في شرق الفرات إلا آذار 2019.
ولم تكل روسيا بأن تتذرع على الدوام بتواجد تنظيم "هيئة تحرير الشام" الإرهابي (جبهة النصرة) والمتحالفين معها في كل المناطق التي استهدفتها روسيا، وكان آخرها في منطقة إدلب لخفض التصعيد؟
كذلك وفي سياق آخر كانت الساحة السورية حقل تجارب للأسلحة الروسية؛ فضلا عن أنها كانت أيضاً بوابة لتسويق منتجاتها الحربية من طائرات وأسلحة متوسطة وثقيلة وكذلك منظومات الدفاع الجوي.
اقرأ أيضاً: بوتين يعترف بتواجد شركات أمنية روسية في سوريا.. كيف حدد مهامها؟
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في تصريحات سابقة منتصف العام الفائت، إن العملية العسكرية في سوريا مهمة لتحسين قدرات القوات المسلحة، لافتًا إلى أن هذه المشاركة الفعلية لا يمكن مقارنتها بالمناورات العسكرية.
وأضاف بوتين آنذاك "سوريا ليست ميدان تجارب للأسلحة الروسية الحديثة، لكننا نستخدمها هناك على كل حال، أن نمتلكها شكليًا هذا أمر، وأن نرى كيف تعمل في الواقع، في الظروف القتالية، أمر آخر".
وكانت وزارة الدفاع الروسية، أقرت أن مشاركتها في القتال إلى جانب النظام السوري، أكسبت قواتها المزيد من الخبرات القتالية، لافتة إلى أن هذه المشاركة أتاحت فرصة ثمينة لإثبات فعالية السلاح الروسي.
وكشفت الوزارة، أن أكثر من 63 ألف عسكري روسي، بينهم 26 ألف ضابط و434 جنرالًا، تلقوا الخبرات القتالية العملية في سوريا.
وابتداء من أيلول 2015، عززت روسيا حضورها العسكري في سوريا، إذ نشرت 21 طائرة هجوم أرضي من نوع سوخوي-25، و12 مقاتلة اعتراضية من نوع سوخوي-24، و6 قاذفات متوسطة من نوع سوخوي-34، و4 سوخوي-30 متعددة الأدوار بالإضافة إلى 15 مروحية (متضمنة مي-24 هايند الهجومية)، و تحمي هذه الطائرات 2 أو ثلاثة على الأقل من أنظمة الدفاع الجوي إس إيه-22، وطائرات من دون طيار مثيلة لطائرة إم كيو بردتور الأميركية تستخدم لتنفيذ طلعات استطلاعية.
و تضمنت القوات الروسية أيضًا آنذاك 6 دبابات من طراز تي-90 و15 قطعة مدفعية و35 عربة جند مدرعة و200 من مشاة البحرية (مع منشآت إسكان تسع 1,500 فرد)، كذلك رصدت قاذفات بي إم-30 سمرش.
و لم تكن المكاسب السياسية والعسكرية هي الأهداف والغايات الوحيدة من وراء التدخل الروسي العسكري في سوريا، كذلك كانت هناك مكاسب اقتصادية من خلال السيطرة على قطاع متعددة في الاقتصاد ومصادر الطاقة، سواء حقول الغاز وحمايتها أمنياً من قبل شركات أمنية روسية خاصة، أو الحصول على عقود استراتيجية في قطاعات الفوسفات والقمح.
الكلمات المفتاحية