أكدت أنقرة أن تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول فتح أبواب بلاده أمام اللاجئين نحو أوروبا ليست تهديدا أو مخادعة وإنما حقيقة.
التأكيد التركي يحمل في مضمونه رسائل عدة من بينها ما أشار إليه فعلياً نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، اليوم الجمعة إن "تركيا ليست حارسة لأي دولة ولا مستودع مهاجرين، وليست أيضا بلدا يدفع فاتورة الأزمات التي افتعلها الآخرون"، فضلا عن أنه يحمل مطالبة تركيّة تدفع الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى حملة أنقرة للضغط على الولايات المتحدة من أجل التسريع بإنشاء المنطقة الآمنة في شرق الفرات، وذلك سعياً من تركيا لكسب دعم الأوروبيين في الضغط على واشنطن حيال هذا الملف.
وشدد أوقطاي على أن الاعتقاد بأن تركيا ستحتضن موجة هجرة جديدة إذا بدأت، في جميع الأحوال، وعدم المبالاة إزاء هذه القضية، "مقاربة خاطئة تماما"، وأضاف، تعليقا على تصريح أردوغان، أن بلاده قد تكون مضطرة لفتح أبوابها، مبينا: "هذا ليس تهديدا أو مخادعة وإنما حقيقة".
وكان الرئيس التركي، أمس الخميس، توعد بفتح أبواب بلاده أمام اللاجئين وخاصة السوريين المتواجدين في سوريا للتوجه إلى الدول الأوروبية، في حال لم يقدم الاتحاد الأوروبي "المساعدة الضرورية" لأنقرة.
وسبق لرئيس الوزراء التشيكي أندري بابيس، أن أشاد يوم الثلاثاء الفائت بمقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول المنطقة الآمنة في سوريا، مشير إلى أن أنقرة لا تطلب المال بل إعمار المنطقة، جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في العاصمة التركية أنقرة.
اقرأ أيضاً: المنطقة الآمنة تُعكّر الأجواء التركية... ما قيمة وعود واشنطن؟
وقال بابيس "إن مقترح الرئيس أردوغان للحل جيد جدا، وتركيا لا تطلب إرسال المال بل تقول يجب بناء المنازل والمدارس هناك"، وأشار إلى قمة إسطنبول الرباعية حول سوريا، والتي عقدت بين زعماء تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، العام الماضي، لكن لم يتم بلورة حل ملموس للأزمة السورية.
ولفت بابيس إلى وجود 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، مشددا على ضرورة إيجاد واشنطن وموسكو وتركيا والدول المجاورة لحل في سوريا.
وفي السياق ذاته كانت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور قد أيّدت في الـ 22 من شهر آب الفائت إنشاء المنطقة، حيث قالت أن "إنشاء منطقة آمنة في سوريا أمر مهم لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة"، وأضافت أن "ضمان الأمن والاستقرار في سوريا أمر مهم، ونحن نراقب الوضع في سوريا بعناية".
ماذا يريد الرئيس التركي من تصريحاته؟
المحلل السياسي حسام نجار قال خلال حديثه لـ "روزنة" أن حملة النظام والروس على شمالي حماة وجنوب إدلب و الوصول لمدينة خان شيخون (ريف إدلب الجنوبي)؛ شكّلت ضغطاً كبيراً على تركيا فضلاً زيادة هذا الضغط بعد التظاهرات التي انطلقت يوم الجمعة الفائت ووصلت للحدود التركية منددة بالتهاون التركي بالتعامل مع الروس والنظام و هي الضامن الرئيس الثاني في الاتفاقيات.

وتابع بالقول: "بما أن تركيا دولة محورية في المنطقة و القضية السورية؛ و تحاول من فترة طويلة دخول الإتحاد الأوروبي و تعارضه بعض الدول، كان لا بد لأردوغان من الاستفادة من التظاهرات بطريقة يعكسها لصالحه فجاءت تصريحات أردوغان كرسالة متعددة الاتجاهات".
واعتبر نجار أن لتصريحات أردوغان الأخيرة رسائل موجهة لأوروبا بشقين إنساني وسياسي، وأردف حول ذلك: "في الشق الإنساني يقول لهم أنني قادر على إغراق أوروبا باللاجئين؛ (وفعلاً) قد وصلت طلائع هذا الإغراق لليونان؛ فيجب عليكم الإلتزام بالدعم المالي المطلوب، فهو في تصريح آخر يوضح هذا صراحة و أن الدول الاوروبية لا تعتقد أنها في مأمن من تزايد اللاجئين".
ووصل عشرات اللاجئين السوريين عبر البحر إلى الجزر اليونانية الأسبوع الماضي ضمن حوالي 600 مهاجر من جنسيات مختلفة قادمين من تركيا، من جانبها دعت المفوضية الأوروبية السلطات اليونانية إلى ترحيل المزيد من اللاجئين إلى تركيا؛ إثر ازدياد أعداد طالبي اللجوء القادمين إلى اليونان.
جاء ذلك في تقرير داخلي للمفوضية الأوروبية نشرته صحيفة “دي فيلت” الألمانية في عددها الصادر اأمس الخميس، ضغطت المفوضية من خلاله على السلطات اليونانية لممارسة حق إعادة ترحيل اللاجئين إلى تركيا بسبب زيادة أعدادهم.
وأضاف نجار: "(وأما) في الشق السياسي (فإنه) يطلب منهم، (بأنه وفي حال) لم يرغبوا بالدفع فعليهم العمل لإيقاف الروس سواء من خلال تشكيل كوتة لتسريع الحل السياسي أو الضغط على روسيا بمختلف المجالات إما لتخفيف دعمها للأسد؛ أو كذلك الإسراع بالحل السياسي، بالطبع موضوع المنطقة الآمنة خارج حسابات هذه التصريحات؛ فالمنطقة الآمنة ستكون للمتواجدين على أرضه حالياً و خاصة أهل المناطق المحاذية".
قد يهمك: أنقرة تحذر واشنطن من المماطلة في "المنطقة الآمنة"... ما خيارات تركيا؟
وزاد بالقول: "وبخلاف هذه التصريحات (فقد) صدر تصريح تركي يوم أمس (يفيد) تم التوصل مع الامريكان لحيثيات المنطقة الآمنة المتفق عليها، و هذا يؤكد بدون شك عدم رغبة تركيا الدمج بين هذه المنطقة وتصريحاتها الموجهة للاجئين الجدد".
ورجّح نجار بأن تركيا تحاول استغلال تخوف الأحزاب اليمينية في أوروبا من موضوع اللاجئين؛ وجعلها ضاغطاً على حكومات تلك الدول وخاصة مع تصاعد اليمين.
وختم حديثه متوقعاً بأنه وخلال المرحلة المقبلة سيكون هناك زيادة في الدعم المالي لتركيا، وكذلك العمل على عقد لقاءات سياسية متعددة الأطراف لمحاولة الوصول للحل السياسي وفق القرار 2254، و التي تبدأ بالاتفاق الكامل على اللجنة الدستورية ووضع نقاط الخلاف في تشكيلها جانباً وكذلك الخطوات الناظمة لعملها.
من جانبه رأى الباحث في العلاقات الدولية د.طارق وهبي خلال حديثه لـ "روزنة" أن الاجتماع الأخير بين بوتين وأردوغان في معرض الطيران والفضاء في روسيا كان مؤسساً لتحركات مهمة على جبهتين، الأولى هي شمال شرق الفرات ودور تركيا التنسيقي مع الولايات المتحدة لتحديد "المنطقة الآمنة" والثانية تتعلق حول ما سيحصل لآخر تجمع لمعارضي النظام السوري فيما تبقى من محافظة إدلب.
وتابع: "في كلتا الحالتين الدور الروسي واضح أنه الرابح بمعنى أن بالأول تركيا تضغط على أميركا وفي الثاني تركيا تضغط على أوروبا، روسيا تستفيد من زعزعة هذين الطرفين، تركيا في ملف اللاجئين تمرّست على ذلك على دفعات وهي قادرة أن تخلق بلبلة حقيقية يستفيد منها الأحزاب الشعبوية الاوروبية في أية انتخابات مقبلة".

وأردف: "لا يخفى على أحد أن القرار الذي اتخذ في إسطنبول لاستبعاد اللاجئين الذين لا يحملون بطاقة إقامة لاجئ في اسطنبول انه سيتم إعادتهم الى أماكن تسجيلهم، وهذا ما دفع بعضهم للرحيل إلى جهة بلغاريا ورومانيا للعبور إلى ألمانيا أو النمسا وفقاً لمعلومات أصدرتها EUROPOL المؤسسة الاوروبية المسؤولة عن التنسيق الأمني على الحدود الأوروبية".
ولفت وهبي إلى أن أردوغان أطلق الإنذار وهو يعلم جيداً أن الأوروبين سيهبون لتلبية مطالبه ولكن بشروط هذه المرة، بحيث تكون عبر رقابة حدودية مشددة لأن معظم المهربين يكونوا عبارة عن شبكات مؤلفة من أتراك مقيمين بين أوروبا وتركيا.
وأضاف: "لاحقاً ستعود أثينا بلعب دور الممثل الأوروبي لرقابة عملية بقاء اللاجئين في تركيا وعدم تهريبهم عبر قنوات تغمض السطات التركية عينها عنهم.. أوروبا أعطت تركيا أموالاً تفوق ما أعطته لإيطاليا واليونان مجتمعتين، و أردوغان يستعمل أسلوب إيران في الملف النووي تحت عنوان "الوفاء بالالتزامات"، ولكن الواضح أنه ابتزاز حقيقي؛ وللأسف أوروبا تعاني من هذا الملف الذي لو أوروبا لم تفي بما اتفق عليه القادة الأوروبين ستقوم موجة أخرى من النازحين الهاربين من بطش النظام السوري من إدلب".
اقرأ أيضاً: مؤتمر للمانحين حول سوريا الشهر المقبل
وبالعودة إلى الدور الروسي الذي يريد أن يشغل الأوروبيين باللاجئين والأميركيين بشرق الفرات وتكون تركيا المُسهّلة لتمرير المكتسبات الروسية؛ قال وهبي: "ترامب يستفيد أيضاً من موضوع الهجرة غير الشرعية في أوروبا لكي يعيد ما قاله لماكرون "أنتم كأوروبيين لا ولن تستطيعوا حماية حدودكم دون قوة الناتو" التي تسيطر عليها الولايات المتحدة".
ولفت ضمن السياق ذاته: "تركيا تلعب أيضاً بالموضوع الأهم والأخطر وهو التنقيب عن النفط حول جزيرة قبرص وهذا تريده أن يمرر دون أي اعتراض دولي؛ لذلك ترى أن الوقت جد مناسب لكي ينسى الرأي العام الخرق القانوني الواضح لقانون البحار، وهناك معلومات مؤكدة بأن روسيا ستضمن لها التنقيب على الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية التابعة لسوريا؛ وهذا أيضاً يضع روسيا المستفيد الأول.. تركيا تعتقد أنها قادرة على الإمساك بجميع هذه الملفات، ولكنها تقحم نفسها دون أن تعلم بسباق طاحن داخلي وخارجي قد يطيح بالمنطق السياسي المتبع حالياً".
وأعلنت تركيا، اليوم الجمعة، عن موعد تسيير الدوريات البرية المشتركة مع القوات الأميركية في "المنطقة الآمنة" في سوريا، وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: "خططنا للبدء بتسيير الدورات البرية المشتركة في 8 أيلول".
جاء ذلك خلال لقائه مع مجموعة من قيادات الجيش التركي المسؤولين عن أمن الحدود السورية، الجمعة، في ولاية ملاطيا، وسط تركيا، وأضاف: "نعتبر عمليات التحليق المروحية المشتركة مع الأميركيين (شمالي سوريا) فرصة لرؤية كل ما يُدعى القيام به في الميدان بما في ذلك تدمير التحصينات الإرهابية".
الكلمات المفتاحية