في مناطق سيطرة النظام تبدو بعض الشوارع إن خلت من الذكور أمراً طبيعياً بعد سنين من استخدمت فيها قوات النظام الكثير من الشباب كحطب لنار الحرب المشتعلة منذ سنوات في سوريا.
و بين شباب تم سوقهم للخدمة العسكرين وآخرون تم اعتقالهم أو هاجروا للخارج أصبح العنصر الأنثوي هو السائد في مناطق عدة تابعة لحكومة دمشق.
فتيات في مطابخ المطاعم وعاملات سباكة!
نتيجة لقلة فرص العمل وتدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، عمل الكثير في مهن غير مرتبطة بمحال خبرتهم أو دراستهم؛ وبحكم الوضع الراهن بتنا نرى فتيات في مجالات عمل لم يسبق وجودهن فيها.
(ريم.ي) فتاة من أسرة متوسطة الحال، اضطرت لضيق الحال أن تعيل أسرتها فعملت كطباخة في أحد مطاعم دمشق.
قبل عام 2011 كان "الشيف" في المطاعم غالباً ما يكون من جنس الذكور، ولكن اليوم لم يعد من المستغرب وجود فتيات في مطابخ هذه المطاعم، لا تجد ريم أي حرج في هذا العمل؛ فهي خريجة معهد فندقي وتعتبر أن هذا العمل خلق للنساء أكثر بحكم أن لهن "نفس" في الطبخ أكثر من الذكور، وتضيف بأن "فتيات كثر بتن يعملن كنادلات أو محاسبات في المقاهي والمطاعم".
أما (علا.س) فكان مجال عملها بعيداً عن العمل الناعم، حيث لم تجد مفراً من أن تعمل في متجر والدها للأدوات الصحية والكهربائية؛ وذلك بعد سفر اخوتها خارج سوريا بسبب خدمة العلم و وضع والدها الصحي الحرج.
تفتح علا المتجر يومياً في الصباح الباكر، ترتبه وتبيع الزبائن و هي التي باتت ذات خبرة في أنواع وأصناف المغاسل وحنفيات الماء ومواسير المياه وغيرها، وتشير علا في حديثها لـ "روزنة" إلى أنها تعلمت أيضاً بعض أعمال السباكة عندما تضطر لإصلاح عطل في منزل عائلتها أو عندما يأتيها أحد الجيران طلباً للمساعدة.
الحرب كسرت كل الحواجز...
لم يكن حاجز الخوف والصمت وحدهما من كُسرا خلال الحرب، فالضوابط الاجتماعية وكثير من الممنوعات تغيروا في سوريا؛ فبعد الأعباء التي كانت تتحملها المرأة والعاملة على وجه الخصوص، زادت المسؤولية الملقاة على عاتقها وزادت الضغوط، فكثيرات هن السيدات اللواتي اضطررن للعمل في مهن لم يسبق لهن أن قبلوا العمل فيها.
(مديحة.ت) هي ربّة منزل؛ فقدت زوجها وباتت معيلةً لأربع أطفال أكبرهم في الـ 9 من عمره، لم تجد أمامها إلا أن تعمل كمنظفة للبيوت، بحكم عدم حصولها على شهادة تخولها الحصول على عمل أو وظيفة ثابتة.
تخرج من الصباح الباكر لتنظيف البيوت بعد أن أصبح لديها زبائن محددين ينتظرونها كل أسبوع لتساعدهم في أعمال التنظيف، حتى أنها باتت تحضر الأطعمة المنزلية المعدة للتموين لتبيعها.
تقول مديحة بأنها سعيدة في عملها وتجده أفضل من أن تنتظر مساعدة من أي شخص؛ فهي بذلك وفق تعبيرها لن يكون هناك من أحد قادر على استغلال حاجتها المادية.
أما (منال.ن)، فتاة في مقتبل العمر فقدت أهلها في الحرب؛ ولم تجد أمامها من خيار لمتابعة حياتها إلا أن تستفيد من المدخرات التي تركها لها أهلها؛ حيث استطاعت أن تفتح محلاً لبيع الملابس المستعملة.
منال بحسب قولها لا تريد ترك دراستها الجامعية في تخصص الأدب الإنجليزي؛ لكنها في نفس الوقت لا تستطيع الاعتماد على النقود التي تركها أهلها، وتضيف حول ذلك "خطر في بالي أن أستأجر محلاً واستخدمه لبيع الملابس والأحذية المستعملة، وها أنا اليوم على وشك التخرج من الجامعة وشق طريقي للمستقبل".
الأمر مختلف عند (بثينة.و) وهي طبيبة أطفال كانت في السابق تعمل في عيادتها الخاصة في ريف دمشق؛ إلا أنه وبعد أن خسرت عيادتها اضطرت لأن تعمل في إحدى المشافي الخاصة لتستطيع تأمين لقمة عيشها، و تقول أن "المعتقد السائد عن الأطباء أنهم جميعاً ميسوري الحال لكن هذا ليس صحيحاً تماماً وحالتي أكبر مثال".
و بحسب تقارير صحافية، كانت الأرقام الرسمية تشير إلى أن عمالة النساء في سوريا لا تشكل أكثر من 16 في المائة من قوة العمل السورية، وأن نسبة البطالة وصلت بين الإناث إلى نحو 11.1 في المائة عام 1994، وارتفعت إلى الضعف تقريباً بين عامي 2004 و2009. أما لدى الذكور، فقد كانت النسبة 6.3 في المائة وارتفعت إلى نحو 10.5 في المائة خلال الفترة نفسها، لكن الأرقام وخلال السنوات الخمس الماضية، ورغم ندرتها، إلا أنها ترجح تغيراً كبيراً لمصلحة النساء بعدما أصبحت قطاعات كثيرة تطلب عاملات لسد الثغرات.
و يعيش أكثر من 87 في المائة من سكان سوريا اليوم تحت خط الفقر، وفق تقارير البنك الدولي، بينما يبلغ معدل البطالة في البلاد 55 في المائة على الأقل، حسب إحصاءات غير رسمية، ويصعب العثور على فرص عمل بشكل متزايد.
الكلمات المفتاحية