يبدو أن قرار الترحيل لمواجهة الهجرة غير الشرعية الذي أصدرته السلطات التركية مؤخراً قضّ مضاجع كثير من السوريين، وقلّب عليهم مواجع الحرب من جديد بعد سنوات من الابتعاد عن رائحتها وصوتها.
فالصعوبات التي يعاني منها المرحلون إلى سوريا مؤخراً لعدم امتلاكهم بطاقات حماية مؤقتة، ازدادت بعد وصولهم إلى الشمال السوري، فضلاً عن أن خيارات المرحلين تجاه ذهابهم إلى مناطق سيطرة النظام هي في حكم الميتة؛ فذهابهم إلى هناك يعني أنهم أمام أمرين إما الاعتقال أو الإرغام على الالتحاق بالخدمة العسكرية.
عبد الله السيد، 23 عام (اسم مستعار)، كان يقيم في إسطنبول منذ 3 سنوات ونصف، باتت عائلته بلا معيل وهو الذي يقوم بتأمين مصاريف معيشتهم وتحويل الأموال لوالدته وإخوته في سوريا.
تم ترحيل عبدالله في الـ 24 من الشهر الجاري إلى ولاية كلس مع نحو 17 شاباً، ومنها إلى معبر باب السلامة الحدودي إلى الداخل السوري، بعد أن طلبت منهم الشرطة التركية التوقيع على ورقة "عودة طوعية".
اقرأ أيضاً: ولاية إسطنبول تمهل السوريين حتى 20 آب لتصحيح أوضاعهم
يقول السيد لـ"روزنة"، إنه اتفق مع أحد السماسرة على الذهاب إلى أورفا لاستخراج بطاقة حماية مؤقتة مع مجموعة من الشباب، إلا أن إدارة الهجرة أغلقت التسجيل على "الكمليك" إلى ما بعد عيد الأضحى، ليذهب بهم السمسار إلى مدينة ماردين، حيث لاقوا الرد ذاته.
ويتابع بأن "الشرطة التركية أوقفت السيارة، واحتجزتنا جميعاً لعدم امتلاكنا بطاقات حماية مؤقتة، وتم سوقنا إلى مخفر في ماردين بعد وعدنا أنه لن يتم ترحيلنا، وأنه سيعملون على استخراج "كمليك" للجميع من إدارة الهجرة".
ويردف أنه في إدارة الهجرة بصم جميع الشباب على وثائق وأوراق اعتقدوا أنها من أجل "الكمليك"، إلا أنها كانت أوراق عودة طوعية؛ وفق حديثه.
ويضيف "صعدنا في باص مع الشرطة التركية، قالوا لنا أنهم سيأخذوننا إلى كلس، وبعد ذلك تم ترحيلنا إلى سوريا من معبر باب السلامة، وهنا كانت الكارثة والصدمة الحقيقية".
يقول السيد في ختام شهادته "أشعر بالضياع، عائلتي في دمشق، وأنا في إدلب الآن، وأنا المعيل الوحيد لعائلتي المؤلفة من شاب صغير يبلغ من العمر 13 سنة، وفتاتان في الجامعة ووالدتي، حيث كنت أعمل في الطباعة في إسطنبول، والآن لا أدري ماذا أفعل، وبخاصة أن الخدمة العسكرية تنتظرني في مناطق النظام، إذا لم يتم اعتقالي".
قد يهمك: تركيا… قصص بعض من رُحّلوا إلى سوريا قسراً
ليس عبد الله السيد هو الشاب الوحيد الذي يعاني من الترحيل، الشاب نور المحمد (اسم مستعار)، 22 سنة، أيضاً كان يقيم في إسطنبول، تم ترحيله أيضاً مع 19 شاباً آخرين إلى مخيم كلس، لذات السبب المتمثل بعدم امتلاكهم بطاقة حماية مؤقتة.
يقول المحمد لـ"روزنة": "احتجزتني الشرطة التركية أثناء ذهابي إلى العمل في 23 الشهر الحالي، بعد يوم من إصدار ولاية إسطنبول قرار الترحيل للمهاجرين غير الشرعيين، بينما تم احتجاز ستة شباب آخرين من أماكن عملهم، إلى مخفر في إسطنبول".
و يشير إلى أنّ عائلته في بورصة ويعمل على اعالتهم من إسطنبول، حيث ذهب سابقاً لاستخراج "كمليك" من الولاية وطلبوا حينها أوراقاً ثبوتية، (جواز سفر سوري أو دفتر عائلة) ولم يكن يحمل أي من تلك الأوراق، ليبقى بلا بطاقة حماية في إسطنبول لمدة عامين.
ولفت المحمد إلى أن بعض الشباب المحتجزين بصم بعضهم لاستخراج "كمليك" ورغم أن الأوراق التي تثبت تقديمهم لاستصدار بطاقة الحماية المؤقتة، إلا أنه تم احتجازهم.
وتابع شهادته بأن الشرطة التركية أخذتهم في باص إلى أضنة ومنها إلى غازي عنتاب فكلس، وفي مخيم كلس تم فرزهم إلى صالة رياضية مع أكثر من 200 شاب سوري، حيث تم أخذهم إلى مكتب هناك بصموا فيه على وثائق وأوراق، حيث تم ترحيل بعضهم؛ بينما أبقوا البعض في مخيم كلس بعدما وصلت أوراقهم من أنقرة، والتي تتيح لهم البقاء في تركيا.
وأصدر المكتب الإعلامي لوالي مدينة إسطنبول التركية، في 22 تموز الحالي، بياناً أكد فيه استمرار السلطات التركية بترحيل الأجانب الداخلين إلى البلاد بطريقة غير رسمية، في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأعطت الولاية اللاجئين السوريين الذين يملكون بطاقات حماية مؤقتة (كمليك) تم إصدارها في محافظات غير إسطنبول ويعيشون في إسطنبول، مهلة حتى تاريخ 20 آب /أغسطس القادم عام 2019 ، حتى يعودوا إلى محافظاتهم.
وتستضيف تركيا نحو 3.5 مليون لاجئ سوري، موزعين على مدن وبلدات في مناطق متفرقة من البلاد، أبرزها: "غازي عنتاب، هاتاي، أورفا، وإسطنبول"، فيما يعيش 250 ألف منهم في مخيمات قريبة من الحدود التركية مع سوريا جنوب البلاد، حيث فرّ معظمهم هربًا من الحرب الدائرة في بلادهم.
الكلمات المفتاحية