ما احتمالات عقد اتفاق مرحلي بين واشنطن وأنقرة حول المنطقة الآمنة؟

ما احتمالات عقد اتفاق مرحلي بين واشنطن وأنقرة حول المنطقة الآمنة؟
تحليل سياسي | 24 يوليو 2019

 

يبدو أن مفاوضات المنطقة الآمنة في الشمال السوري بين أنقرة وواشنطن ستطول وقد لا تصل إلى ما يرضي تركيا، فالمنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لفرضها بكل الجهود منذ 6 شهور، لم تعد الظروف كما كانت في المنطقة أو حتى التوجهات الأميركية حيال الملف السوري واستمرار تواجد قواتها العسكرية في شمال شرق سوريا. 

فعلى صعيد سحب القوات الأميركية من سوريا بعد أن كانت واشنطن عازمة على سحب قواتها كليا من الأرض السورية، بات هذا التوجه من الماضي والتأكيدات المعلنة فيما يتعلق بذلك تشير بوضوح إلى أن القوات الأميركية لها مهامها الموجبة لاستمرار بتواجدها، سواء من ناحية ضمان القضاء على تنظيم داعش، أو حتى من ناحية مواجهة النفوذ الإيراني بعد ارتفاع حدة التوترات مؤخراً، وهو ما أكده مارك إسبر وزير الدفاع الأميركي الجديد قبل تعيينه بأيام، والذي قال في أولى تصريحاته منتصف الأسبوع الفائت بأن القوات المسلحة الأميركية المتبقية في شمال شرق سوريا ستبقى هناك كجزء من القوة متعددة الجنسيات لمواصلة الحملة ضد تنظيم داعش. 
 
 
ورفض إسبر في تصريحاته آنذاك تحديد عدد القوات الأمريكية المتبقية أو موعد إجلائهم النهائي، مبررا بأن ذلك من أجل تحقيق الأمن السريع، حيث تعتبر تصريحات إسبر توجها بات أكثر قناعة وعمقا حول استبعاد القوات الأمريكية وهو ما قد يعني بأي حال من الأحوال أن أي مطالبات بإنشاء المنطقة الآمنة من قبل أنقرة لن تُؤتي أُكًلها.

و أقسم مارك إسبر اليمين في البيت الأبيض كوزير للدفاع بعد موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه يوم أمس الثلاثاء، عقب 7 أشهر على الاستقالة المدوية لسلفه الجنرال السابق في مشاة البحرية، جيمس ماتيس.

اقرأ أيضاً: واشنطن تُجدّد رؤيتها بخصوص سوريا.. ما هي الأسباب؟ 

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مراسم أداء وزير الدفاع الجديد اليمين "إنه يوم مهم جدا لبلدنا". وأضاف "ليس هناك شخصية مؤهلة أكثر منه لقيادة وزارة الدفاع".

ويتولى إسبر مهامه على رأس مؤسسة يهزها تبدل قادتها منذ نهاية كانون الأول من العام الفائت (إعلان ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا)، في غياب وزير قادر على مقاومة اندفاعات رئيس مثل ترامب بينما تخوض أكبر قوة عسكرية في العالم حربين في سوريا وأفغانستان، وتوترا مع طهران.

وبحسب تقارير صحفية فإن إسبر قريب جدا من رئيس الأركان المقبل الجنرال مارك مايلي الذي سيتولى منصبه في أيلول المقبل خلفا للجنرال جو دانفورد؛ وهو قريب أيضا من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي درس معه في أكاديمية ويست بوينت العسكرية العريقة؛ وقد تخرج الرجلان في السنة نفسها عام 1986.

وهنأ وزير الخارجية بومبيو زميله السابق؛ وكتب في تغريدة على تويتر أن "الدبلوماسية والدفاع أساسيان للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ولحماية المصالح الأمريكية".

الكاتب الصحافي والمحلل السياسي؛ بشار جرار، قال خلال حديث لـ "روزنة" من واشنطن؛ أنه من غير الممكن أن يحقق أردوغان ما يصبو إليه بإقامة منطقة آمنة أو تخلي واشنطن عن الحليف الكردي السوري، في ظل ما أسماه بتمرد أردوغان على الأطلسي إثر صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية "اس-400" وتلويح إدارته بقاعدة إنجيرلك ردا على عقوبات واشنطن المرتقبة. 

واعتبر جرار أن تولي مارك إسبر منصب وزير الدفاع رسميا بعد تثبيته من قبل الكونغرس لا يحدث فارقا على إدارة ترامب لملفات الشرق الأوسط وبخاصة عقدتها السورية-التركية-الكردية.

وأضاف بأن "أركان إدارة ترامب مجتمعة تنظر بعين الريبة لمتلازمة الفشل المتدحرج إن جاز التعبير لاختيارات إردوغان الكارثية فيما يخص العلاقة مع واشنطن والناتو من جهة؛ ونزواته وشطحاته على الساحة الإقليمية من جهة أخرى". 

قد يهمك: هل يتجه ترامب لإلغاء فكرة المنطقة الآمنة شمال سوريا؟

وتابع: "واشنطن وبمجرد اعتماد آلية "كاتسا" لمعاقبة أنقرة أنزلت تركيا منزلة "الخصوم" ولا تريد حتما أن تراها فيما تبقى لإردوغان في السلطة -طوعا أو قسرا- تنحدر إلى درجة الدولة المعادية أو الفاشلة". 

و رجّح جرار بمسايرة واشنطن لهواجس أنقرة من خلال خيار قوات متعددة الجنسيات يكون فيها أحد أو مجموعة من المكونات الرئيسية الثلاثة: العربي، الإسلامي والأوروبي، وكذلك لم يستبعد أن يكون هذا الاتفاق مرحليا لضمان عدم التشويش على معركتين في غاية الأهمية سواء في محافظة إدلب، وكذلك تطهير سوريا بالكامل من جميع القوات الأجنبية بمن فيهم الإيرانيون.

وختم حديثه بالقول: "لعل في خبرة السفير الأميركي لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد الشرق أوسطية وبخاصة قيادة القوات متعددة الجنسيات في شبه جزيرة سيناء لثماني سنوات وإدارته المتميزة لملفات حساسة في دول هامة في المنطقة من ضمنها لبنان، بريق أمل في وضع حد لتدهور العلاقات التركية الأميركية-الأطلسية".

الباحث السياسي في العلاقات الدولية؛ نواف الركاد رأى من ناحيته خلال حديثه لـ "روزنة" بأن المسافة لا تزال بعيدة بين الجانبين التركي و الأمريكي حول تصوّر المنطقة الآمنة؛ على اعتبار أن الجانب الأميركي وجد في هذا المقترح مخرجا من أزمة التصادم المحتمل لحليفيه (الكردي والتركي)، لكنّه يفهمه بالطريقة التي لا يفهمها الأتراك من المصطلح.

وتابع "الأميركي يريد (المنطقة الآمنة) بعمق يتراوح بين 4 و 14 كم في أبعد التقديرات دون إزاحة قسد من الشريط الحدودي و دون شموله للمدن و بمشاركة القوات الأميركية و الفرنسية و البريطانية و دون تسيير لسلاح الجو التركي في المنطقة تمهيدا لإعادة اللاجئين السوريين إليها، بينما تعني تركيا بالمنطقة الآمنة أن تكون بعمق يتراوح بين 30 و 40 كم شاملةً المدن الحدودية و مزيحة لقوات قسد و بإدارة تركية كاملة مع جولات سلاح الجو فيها". 


وأوضح الركاد أن الاختلافات في الرؤية حول المنطقة الآمنة بين أنقرة وواشنطن هو ما أدى لتكرار الوصول إلى الجدار المسدود كلّ مرة يلتقي فيها جيمس جيفري و العسكريين الأمريكيين مع القادة الأتراك، مشيراً إلى أن السبب في ذلك يكمن بدرجة أساسية في رغبة واشنطن بالاحتفاظ بالورقة الكردية في يدها و خلق حالة صداع مستمر للأمن القومي التركي و خلطاً للأوراق فيما يتّصل بالحل السياسي. 

و تابع بأن "أمام ذلك تجد تركيا ذاتها في موقع إحراج كبير فمن جهة لا يمكنها احتمال ألم هذا الصداع؛ و من جهة أخرى لا يمكنها احتمال آلام التبعات المترتبة عن قرار أحادي تركي دون التنسيق مع أحد". 

وختم حديثه بالإشارة إلى أن مسار التفاوض بين الطرفين سيأخذ وقتا طويلا حتى تلين شروط كل طرف على الآخر من أجل أن يصلان إلى تصوّر مشترك عن حدود و طبيعة و كيفية إدارة المنطقة الآمنة؛ مستبعدا أن تراوغ تركيا للتفاهم مع روسيا حول هذه المنطقة في راهن الوقت لأن الشروط الروسية أكثر إجحافا و صعوبة قد تصل إلى حدّ فقدان تركيا ورقة إدلب و شرق الفرات معا.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أعلن اليوم الأربعاء، أن الاقتراحات الأميركية الجديدة المتعلقة بالمنطقة الآمنة في شمال سوريا لا ترضي تركيا، مضيفاً أن البلدين لم يتفقا بشأن إخراج المقاتلين الأكراد من المنطقة ولا على مدى عمقها أو من ستكون له السيطرة عليها.

وأدلى جاويش أوغلو بتلك التصريحات للصحافيين في أنقرة، بعد محادثات أجريت على مدى ثلاثة أيام بين الوفدين التركي والأميركي.

وتطرقت المحادثات التي أدارها من الجانب الأميركي، جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص بشأن سوريا لإقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا، وتطورات خارطة الطريق الخاصة بمنبج الواقعة إلى الغرب من المنطقة المزمعة.

وأشار جاويش أوغلو إلى أن تركيا ستشن هجوماً جديداً في سوريا ما لم يتم التوصل إلى اتفاق قريباً مع الأميركيين حول المنطقة الآمنة. وشنت تركيا هجومين عبر الحدود منذ عام 2016 ضد مقاتلي داعش والمقاتلين الأكراد.

وتنظر تركيا إلى المقاتلين الأكراد الذين قاتلوا إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش كإرهابيين، وتطالب بإنشاء منطقة آمنة لإبعاد هؤلاء المقاتلين عن حدودها. وقد أرسلت مؤخراً تعزيزات عسكرية إلى المنطقة الحدودية، مما يعزز احتمالات شن عملية عسكرية جديدة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق