هو عام إلا أيام قليلة فصلت بين قمة هلسنكي التي جمعت كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وبين اللقاء الذي يجمعهما صباح يوم غد الجمعة على هامش قمة العشرين في أوساكا اليابانية.
ملفات كثيرة يفترض أن يبحثها الجانبان يتصدرها الملف السوري وملف بحث النفوذ الإيراني في المنطقة، فضلا عن ملفات أخرى قد لا تقل أهمية عنها مثل الوضع في فنزويلا، وملفات أفغانستان وأوكرانيا، بالإضافة إلى مسألة الاستقرار الاستراتيجي والنزاعات الإقليمي.
التطورات التي حصلت قبل عقد لقاء بوتين وترامب؛ دفعت بعض المتابعين للتوقع أن يكون هذا اللقاء محطة مهمة في التوافق بين الجانبين على الملف السوري؛ إلا أنه وفي الوقت ذاته لا يمكن اعتبار اللقاء الثلاثي الذي عقد في القدس المحتلة بين مسؤولي الأمن القومي في كل من روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة بأنه قد يحقق تقدماً لافتاً بين واشنطن وموسكو؛ في سياق إيجاد حل متوافق عليه يرسخ التوافق على القضية السورية عبر ذلك "اللقاء الأمني".
ويبقى التساؤل حول لقاء الغد يتعلق في مدى القابلية من الطرفين على إيجاد محددات تجمعهما على توافق يخلق جو من التفاهم المشترك قد يستند على أساس المصالح المشتركة والضامنة في الوقت نفسه لحل يرسي الاستقرار في سوريا.
قد يهمك: مصيدة سوريّة لإيران.. و قرع طبول الحرب ينتظر إشارة يابانية
الكاتب والصحفي المتخصص في الشؤون الروسية؛ طه عبد الواحد يرى في حديث لـ "راديو روزنة" أن بوتين على استعداد دائم للتوصل إلى اتفاق مع الأميركيين حول "العمل المشترك"، وهذا الأمر لا يقتصر بالنسبة له على سوريا.
ويضيف عبد الواحد حول ذلك بأن بوتين يريد بشكل عام إطلاق تعاون مع الولايات المتحدة ويأمل بتطبيع العلاقات الثنائية وإعادة ترتيبها على أساس الند للند، أي المساواة في الحقوق والواجبات والصلاحيات وبما يراعي المصالح الروسية إن كان في مناطق نفوذها التقليدية في دول الجوار أو في مناطق أخرى من العالم.
من جانبه يستبعد الباحث السياسي في العلاقات الدولية؛ نواف الركاد، خلال حديث لـ "راديو روزنة" حدوث اتفاق بين الرئيسين في الملف السوري، حيث لا يرى أي بوادر اتفاق بينهما؛ على اعتبار أن القضايا الاستراتيجية الشائكة لا تزال أسباب التنازع فيها قائمة.
ويتابع: "لا زال الطرفان يختلفان حول تقييم الوجود الإيراني في سوريا؛ ما بين الأميركي الذي يراه معطّلا للحل السياسي و يسبّب قلقا أمنيا للجوار، و ما بين الروسي الذي يراه وجودا شرعيّا جاء بطلب و رغبة " الحكومة السورية الشرعية "، أضف إلى ذلك، (بأن) التنازع لا يزال قائما حول ملف إدلب".
ويردف بالقول: "فالروس يرون المسألة غير قابلة للجدال بأن من حق حكومة الأسد أن تستعيد كامل التراب السوري، أما الأميركي لا يزال يمارس سياسة الحذر الكبير في هذا الملف المعقد؛ الذي ينطوي على رغبة الولايات المتحدة بفناء التنظيمات المتطرفة و عدم رغبتهم باتساع رقعة نفوذ (النظام) و روسيا، و قد نضيف هنا (أيضاً) ملف شرق الفرات المتنازع عليه بين القوى الثلاث (أميركا و روسيا و تركيا)".
على ماذا الاتفاق؟
ويتساءل عبد الواحد حول ماهية الاتفاق الذي قد يتم بين ترامب وبوتين، في الوقت الذي تتحدث فيه الخارجية الروسية عن نافذة أمل بخصوص تشكيل اللجنة الدستورية، مضيفاً من ناحية أخرى أن الاتفاق الممكن ربما يكون حول التنسيق في ملفات سوريا مثل التصدي للإرهاب معاً، ووضع القواعد الأميركية شرق وشمال سوريا، فضلا عن كيفية التعاطي مع الوجود الإيراني.
ويتابع: "الحديث عن اتفاق حول آليات للتسوية فهو مستبعد؛ إلا إذا كان حول انضمام الولايات المتحدة للعمل ولو بصفة مراقب مع منصة أستانا، وربما توافقات حول آليات لتجاوز العقبات على درب تشكيل اللجنة الدستورية وآلية عملها والانتخابات وما إلى ذلك، لكن وسط هذا كله أرجح أنهما سيركزان خلال المحادثات على إيران وضمان أمن إسرائيل وأمن مضيق هرمز".
اقرأ أيضاً: لماذا تراجع ترامب عن توجيه ضربة لإيران في الدقيقة الأخيرة؟
وليس ببعيد عن مسألة أمن إسرائيل التي توليها كل من روسيا والولايات المتحدة الشأن الكبير في ميزان الحسابات الخاصة بكل طرف، يقول الركاد أنه و رغم أن اجتماعات القدس الأمنية وضعت لبنات أساسية لتنسيق ثلاثي مستمر؛ وفق رأيه، إلّا أنها لم تخرج بتفاهمات كبيرة على المستوى السياسي تبشّر بقرب انفراج الأزمة.
و على ضوء ذلك يتوقع المزيد من الضغوط الأميركية على روسيا لتقليص الفارق في المقاربات السياسية بينهما، و بالمقابل يتوقّع أيضاً المزيد من العناد الروسي من أجل تنفيذ استراتيجيتهم كما رسمها مهندسو السياسة والأمن الروسيين.
ويختم بالقول: "اللقاء قد يثمر اتفاقات في مسائل أخرى غير القضية السورية، لكن الساحة السورية ستشهد المزيد من مكاسرة الأذرع للأسف الشديد".
من الجدير ذكره أن اتصالا جرى بين دونالد ترامب، ونظيره فلاديمير بوتين، في أيار الفائت؛ ووصفه ترامب آنذاك بـ"الجيد جدا"، مؤكدا وجود إمكانية لبناء علاقات عظيمة مع موسكو.
وقال الرئيس الأميركي في تغريدة له: "هناك إمكانية لبناء علاقات جيدة وعظيمة مع روسيا؛ رغم ما تقرأونه وترونه عبر الإعلام المضلل، أنظروا كيف قاموا بتضليلكم بـ"التواطؤ مع روسيا" يمكن للعالم أن يكون مكانا أفضل وأكثر أمنا، أمر جميل".
الكلمات المفتاحية