اعترف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الخميس، أن الشركات الأمنية الخاصة الروسية موجودة في سوريا، في إشارة لقوات "فاغنر" الروسية.
ورغم أن بوتين قال أن تلك الشركات لم تتدخل في القتال وإنما يتمثل وجودها في حل المشكلات الاقتصادية المتعلقة بحقول النفط وتطوير إنتاجها، إلا أن هذا الاعتراف في مثل هذا الوقت، يعتبر خطوة مغايرة عما كانت تنتهجه التصريحات الرسمية الروسية في التعتيم على تواجد تلك الشركات الأمنية في سوريا.
وقال بوتين في تصريحاته يوم أمس أن الشركات الروسية الخاصة ليست مرتبطة بالدولة الروسية نافيا أن تكون قد شاركت أيضاً في الأعمال القتالية، وأضاف "نحن ندرك أنهم حتى في حل هذه المهام الاقتصادية، كما اعتادوا القول، فإنهم يخاطرون بحياتهم، وهذه أيضا تعد مساهمة في مكافحة الإرهاب".
المحاضر في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة نيجني نوفغورود الروسية؛ د.عمرو الديب؛ اعتبر خلال حديثه لـ راديو "روزنة" أن الحكومة الروسية كانت ترفض ربط عمل الشركات الأمنية الروسية بها، لكن وجود هذه الشركات معروف للعامة منذ فترة.
وتابع "السؤال المهم هنا يتمحور حول طبيعة عمل هذه الشركات ومدى تغلغلها في الداخل السوري, و هذا أمر طبعا لا نملك الإجابة عليه؛ لكن يمكن لنا أن نخمن أن هذه الشركات لها دور واضح في حماية الشركات الروسية في سوريا، فالشركات الروسية موجودة منذ فترة طويلة في الداخل السوري من أجل مشاريع إعادة الإعمار، ناهيك عن وجود شركات تجارية روسية-سورية تسيطر على إستيراد و تصدير المنتجات السورية أو الروسية".
واستبعد الديب خلال حديثه أن تورط روسيا مواطنيها سواء عسكريين أو مدنيين بالدخول في مواجهات برية؛ مضيفاً بأن "الجيش السوري و القوات الإيرانية تقوم بالمهمة على أكمل وجه، فيمكن تلخيص وجود هذه الشركات في جانب حماية المصالح الإقتصادية الروسية في سوريا و هذا أمر مشروع خصوصا في الوضعية السورية الحالية".
وختم حديثه بالإشارة إلى استحالة تجاهل النفوذ الروسي في سوريا من أحد؛ كما أن "لا أحد يستطيع أيضا أن يلغي حق روسيا في الدفاع عن مصالحها التجارية-الإقتصادية في سوريا؛ خصوصا في ظل أوضاع أمنية بالغة الصعوبة، لذلك عمل هذه الشركات الأمنية ضروري و حيوي للوجود الإقتصادي الروسي في سوريا".
وسبق أن نشر جهاز الأمن الأوكراني، أسماء 206 أشخاص، معظمهم روس، قال إنهم عناصر قوة مسلحة خاصة تقاتل في سوريا ضمن قوات ما بات يعرف بقوات "فاغنر"، مشيراً إلى مقتل 58 عنصرا من تلك القوات في محافظة دير الزور في شهر شباط الماضي، وقال إن من بين الأشخاص الـ206 أيضاً من يحملون جنسيات أوكرانيا وبيلاروس وأرمينيا ومولدوفا وكازاخستان وأوزبكستان، إلى جانب المواطنين الروس، مستدلاً بتقارير سابقة حول مقتل أكثر من 600 شخص يعملون كمرتزقة ضمن "فاغنر"، شرقي أوكرانيا وسوريا.
اقرأ أيضاً: قوات روسيّة "خاصة" تستعد لملء فراغ الانسحاب الأميركي من سوريا!
ونشرت وكالة بلومبيرغ منتصف شهر شباط من العام الفائت تقريرا عن هجوم الـ 7 من شباط 2018 ومما جاء فيه أنه: "قتل أكثر من 200 متعاقد عسكري معظمهم روس يعملون لحساب حكومة الرئيس بشار الأسد في هجوم فاشل على نقطة تمركز للقوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية المتحالفة معها في محافظة دير الزور الغنية بالنفط حسبما قال روسيان".
ونقلت الوكالة عن مسؤولين أمريكيين أن حوالي 100 مسلح لقوا حتفهم في الهجوم وأصيب ما بين 200 إلى 300 شخص، وكان الهجوم يستهدف موقع "قوات سوريا الديمقراطية" في معمل غاز "كونوكو" الذي يبعد 8 كيلومترات فقط عن خط التماس بين الطرفين.
قوات فاغنر و جيش بوتين السري؟
و قوات "فاغنر" هي شركة أمنية روسية خاصة؛ يديرها ديمتري اوتكين، ويلقب باسم "فاغنر" وقد خدم سابقا في القوات الخاصة التابعة لوكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع الروسية، وأحيل للتقاعد برتبة رائد، بينما يقف وراء تشكيلها ضابط سابق في الاستخبارات الروسية يدعى ديمتري أوتكينوكان.
ورغم أن الكرملين ينفي أي علاقة للسلطات الروسية بهذه القوات، لكن الضابط أوتكينوكان سبق أن استُقبل مع نائبه آندريه تروشيف في كانون الأول عام 2016 في الكرملين، وظهر على شاشات التلفزيون خلال حفل خاص لتكريم "أبطال" سوريا عبر تقليدهما أوسمة تثميناً لجهودهما في "تحرير" مدينة تدمر من سيطرة تنظيم داعش، كما التقطت صورة لهما مع بوتين.
الكاتب المختص في الشؤون الروسية؛ طه عبد الواحد، قال في حديث لـ "راديو روزنة" أن الكرملين لن يعلن على الإطلاق بأن مقاتلي فاغنر هم قوة عسكرية تستفيد منها موسكو في تدخلها العسكري بسوريا؛ رغم أن هذا ما يجري فعليا على الأرض.
واعتبر بأن أي استخدام لهذه المجموعة سيبقى محاطا بسرية مطلقة، عازياً ذلك إلى القوانين الروسية التي تحظر نشاط المؤسسات العسكرية وتعاقب عليه بالسجن لعدة سنوات.
ولفت عبد الواحد إلى أن الدور الذي قد تلعبه "فاغنر" سيكون في إطار أي تحركات للنظام السوري، مستشهداً بتحقيقات الصحف الروسية التي كشفت بأن مقاتلي "فاغنر" لعبوا الدور الأهم في "انتصارات" القوات البرية للنظام السوري مدعومة بغطاء جوي من قاعدة حميميم، منوهاً بأنه في حال قررت قوات النظام بالتنسيق مع موسكو ملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي؛ فقوات "فاغنر" سيكونون في واجهة هذه التحركات، خصوصاً و أن تقارير صحافية كشفت أن قوات فاغنر يقومون بمهمة استعادة السيطرة على الحقول النفطية وحمايتها مقابل حصة من الإنتاج؛ وكذلك الأمر ينطبق على أي مناطق في سوريا تتمتع بأهمية اقتصادية.
قد يهمك: هل بدأ صراع "الشركات الأمنية" على سوريا؟
وكانت تقارير كشفت، في وقت سابق، أن قوة مسلحة خاصة تدعى "فانغر" وتضم حوالي 3 آلاف مواطن روسي، تقاتل في سوريا وشرقي أوكرانيا وهي مرتبطة بالكرملين بطريقة غير مباشرة، والمعروف عن شركات الأمن الروسية أن جميع مهماتها الموكلة إليها من قبل الحكومات تكون غير أخلاقية وتتضمن جرائم حرب.
و نشر موقع قناة "ABC" الأميركية تقريرا مفصلا تحت عنوان "جيش فلاديمير بوتين السري: آلاف من المقاولين الروس يقاتلون في سوريا" جاء فيه مجموعة "فاغنر" قد نشرت في سوريا 3 آلاف مقاتل منذ 2015، قبل أن تتمكن القوات الروسية من ترجيح كفة الميزان لصالح الأسد.
وتحدث التقرير أن المقاولين الروس يتولون حماية المنشآت النفطية والغازية التي يتم استردادها لمصلحة النظام بموجب عقد بين دمشق وشركة ايفرو بوليس الروسية والتي يقال أن مالكها رجل أعمال مقرب من بوتين ويلقب بطباخ بوتين حيث ستحصل الشركة على نسبة الربع من عائدات الحقول التي يتم استردادها من تنظيم داعش ولمدة خمس سنوات.
ونقلت "ABC" عن موقع "فونتانكا" الإخباري؛ أن ايفرو بوليس ليست سوى واجهة لفاغنر؛ ومالك ايفرو بوليس هو يفغيني بريغوزين ويخضع أيضا لعقوبات أميركية بسبب دوره في القتال في شرقي أوكرانيا أيضا.
وتعمل ايفرو بوليس التي يملكها بريغوزين في مجال خدمات الإطعام ومن بين زبائنها الجيش الروسي وقال زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني إن شركات بريغوزين باتت تسيطر على كل عقود وزارة الدفاع الروسية. وأشارت الشركة على موقعها على شبكة الانترنت أنها تعمل في مجال بيع الأغذية عام 2016، لكنها أضافت مؤخرا مجالات التعدين وإنتاج الغاز والنفط إلى قائمة مجالات أنشطتها وافتتحت مكتبا لها في العاصمة السورية دمشق.
الكلمات المفتاحية