عن معركة إيران الاقتصادية في سوريا.. الواقع و النتائج

بشار الأسد
بشار الأسد

سياسي | 15 يونيو 2019

لا يقف المشروع الإيراني في التغول داخل الأراضي السورية على الجانب العسكري ونشر العقائد الدينية المتناسبة مع ذلك المشروع؛ بل يشمله أيضاً التوسع والسيطرة الاقتصادية في القطاعات الرئيسية من مفاصل الدولة السورية.


فما بين مشروع "دمشق الكبرى" إلى ميناء اللاذقية؛ تبرز المطامع الإيرانية بشكل يعمق أكثر من تثبيت أقدامها في مختلف المدن السورية التي يسيطر عليها النظام السوري، ميناء اللاذقية الذي تعتبره طهران بوابة مهمة لتثبيت دخولها لمنطقة الشرق الأوسط؛ وذلك على الرغم من ازدياد الضغوط الأميركية ضد طهران في إخراج نفوذها كلياً من سوريا.

بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003؛ وتغيير نظام الحكم هناك، أشارت تقارير ودراسات منذ ذلك الوقت إلى بدء إيران بشكل حثيث على تنفيذ مشروع ما أطلق عليه بـ"الهلال الشيعي"، و الذي يمتد من طهران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان وشواطئ المتوسط ، إلا أن موجة "الربيع العربي" في عام 2011؛ ساهمت بشكل أو بآخر في رسم إيران لمعالم مشروعها في المنطقة بشكل أوضح؛ و ذلك حينما تدخلت إيران المباشر في الشأن السوري ووقوفها إلى جانب النظام بتقديم الدعم المالي والعسكري له.
 
صحيفة "تايمز" البريطانية كانت نشرت تقريراً في آذار الماضي؛ تحدثت فيه عن طموحات إيران في السيطرة على أهم مرفأ تجاري في سوريا (ميناء اللاذقية)، كما أفاد التقرير بأن الميناء سيكون حلقة الوصل بين البحر المتوسط والطريق البري فيما يعرف بـ"الهلال الشيعي" الممتد من إيران عبر العراق وسوريا.

ما هو شكل العلاقات الاقتصادية بين دمشق و طهران؟

مع استمرار التوغل الإيراني في مناحي عديدة من الحياة في سوريا؛ ومن ضمنها و أهمها كان الجانب الاقتصادي حاضراً خلال السنوات الماضية بشكل أكبر عما كانت عليه العلاقات الاقتصادية قبل عام 2011.

في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عام 2014، قالت إن العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية لم تقتصر على تلك المبالغ الكبيرة من الأموال والمصادر التي خُصصت للاستثمارات في وسائط النقل والبنية التحتية السورية، حيث وقّعت طهران قبل أشهر قليلة من اندلاع الثورة اتفاقية للغاز الطبيعي بقيمة 10 بلايين دولار مع سوريا والعراق لبناء خط أنابيب للغاز يبدأ في إيران ويمر في سوريا ولبنان والبحر المتوسط حتى يصل إلى عدد من دول أوروبا.

وبموجب الاتفاقية التي دعمها المرشد الأعلى علي خامنئي فإن العراق وسوريا تحصلان على كميات معينة من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي كل يوم؛ كما أقر المرشد الإيراني 5.8 بليون دولار كمساعدة لسوريا آنذاك.

كما وقع الطرفان اتفاقية أخرى تنص على تأسيس بنك مشترك في دمشق، تملك فيه الحكومة الإيرانية 60 في المائة، كان من المفترض أن يسمح الاتفاق لإيران تعيين مواقع مالية أخرى تتم فيها تحويلاتها إلى سوريا، وبفعل الضغط الدولي المفروض على النظام السوري كان يسعى إلى تشكيل جبهة اقتصادية إقليمية من خلال مشروع مكون من 17 مادة جرى التوقيع عليها وركزت على "التجارة والاستثمار والتخطيط والإحصاءات والصناعات ووسائط النقل والصحة والزراعة والسياحة"، إلا أن الجهود الإيرانية فشلت لتعزيز هذا الجانب.
 
ودفع الضغط الاقتصادي على الدولتين كلا من إيران وسوريا إلى توقيع اتفاق تجارة حرة رمزي في كانون الأول 2011، في محاولة للتقليل من تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول الجامعة العربية على دمشق.

الباحث الاقتصادي؛ خالد تركاوي، اعتبر خلال حديثه لـ "روزنة" أنه وعلى الرغم من توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية بين طهران و دمشق؛ إلا أن نطاق التبادل التجاري بين الجانبين بقي ضعيفاً قبل عام 2011.

عازياً ذلك إلى سببين رئيسيين؛ حيث اعتبر أن ما كان يحكم تلك العلاقات آنذاك في المقام الأول يرتبط بالثقافة المختلفة بين سوريا و إيران؛ معبراً عن ذلك بالقول" الشعب السوري كتجار وصناعيين لم يتقبلوا أن يستوردو سلع من إيران، وكذلك هناك مسألة ثانية تتعلق بالجغرافيا حيث لم تكن تخدم الطرفين"، و على الرغم من ضعف العلاقات الاقتصادية مع إيران قبل عام 2011 بحسب تركاوي، إلا النظام عمل على توقيع عقود استراتيجية مع الإيرانيين.

وكانت دمشق أنشأت عام 2010 معملاً لإنتاج السيارات في مدينة عدرا الصناعية؛ حيث تم الإنتاج مع الشركة الإيرانية المشغلة، و منذ مطلع عام 2011 حاولت أن تدخل إيران بشكل أكبر على المستوى الاقتصادي إلى جانب تدخلها العسكري في سوريا؛ وذلك في استغلال منها لتأزم الوضع الاقتصادي للنظام ونفاذ ما يمتلك من احتياطيات نقدية.

تركاوي قال أن البنك المركزي في بداية عام 2011 كان يملك احتياطي نقدي يستطيع من خلاله أن يمول نفسه لمدة 21 شهر فقط؛ ما يعني أن تلك الاحتياطيات نفذت نتيجة استيراد السلاح ولوازم مقاتليه.

اقرأ أيضاً: مصيدة سوريّة لإيران.. و قرع طبول الحرب ينتظر إشارة يابانية


وأضاف: "إيران عرضت بأن تقدم قروض ائتمانية وتم تحديد سقف اول قرض بمليار دولار، واستمر بالارتفاع حتى وصل مؤخرا الى 5 مليار دولار، وتلك المبالغ كانت تأتي إلى المصرف التجاري السوري بالدرجة الأولى؛ والمصرف يتولى توزيعها على قطاعات الدولة ومن خلال هذه الأموال تم شراء النفط والقمح وسلع أخرى".  

التطبيق العملي لاتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع طهران بدأ في عام 2012، حيث كان قد وصل مستوى التبادل التجاري بينهما من 280 مليون دولار عام 2010 و700 مليون دولار في 2012 إلى ما يقارب مليار دولار عام 2014، كما اتفقت طهران مع دمشق في حينه؛ على تسيير خطين بحريين بينهما لتعزيز التبادل التجاري.

الخط الائتماني الإيراني.. مشروع تمدد وسيطرة؟

مطلع عام 2013 جرى التوقيع على اتفاقية "الخط الائتماني الإيراني" بين النظام السوري والحكومة الإيرانية بقيمة مالية تساوي مليار دولار، وتم تجديد هذه الاتفاقية في منتصف عام 2015.

وهدفت إيران من خلال هذه الاتفاقية إلى تقديم المساعدة الاقتصادية للنظام السوري ضمن عقود مُبرمة مع المُستوردين السوريين من القطاع العام والخاص، على أن يتم تسديد قيمة هذه العقود خلال 7 سنوات، كما أوجبت الاتفاقية أن تكون 60 بالمئة من السلع المشتراة ذات منشأ إيراني، والباقي تشتريها إيران لتبيعها للنظام السوري بسبب فرض العقوبات الاقتصادية عليه منذ مطلع عام 2012.
 
الخط الائتماني الذي عرضته طهران كان بادياً منذ الأيام الأولى أن طهران تسعى من خلاله لإحكام تمدد نفوذها في سوريا من خلال السيطرة الاقتصادية، و أكدت تقارير صحافية منتصف العام الفائت أن الكثير من المواد التي دخلت إلى سوريا عبر الخط الإئتماني الإيراني، كانت غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الدولية المعتمدة لدى سوريا، ما يعني أن السيطرة الاقتصادية لم تكن فقط على مستوى إدخال نسبة كبيرة من السلع ذات المنشأ الإيراني و إنما أيضاً كانت لتمرير السلع الرديئة.
  
موقع "مراسلون" المحلي كان كشف في تقرير له في شهر حزيران من العام الفائت نقلا عن مصدر مطلع في وزارة الصناعة؛ بحسب وصفه، أن الكثير من المواد التي دخلت إلى سوريا عبر الخط الإئتماني الإيراني كانت غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الدولية المعتمدة لدى سوريا، مشيراً إلى صفقات عديدة تمت بعلم اللجنة الاقتصادية، ذكر منها صفقة "واحد طن" من الشاي والتي اعترض على إدخالها العديد من المعنيين لعدم مطابقتها للمواصفات، إلا أن أحد أعضاء اللجنة الاقتصادية وهو وزير مالية سابق قد فرض إتمامها و شبّه ذلك المسؤول تلك الصفقة بقوله: "عندما يقدم لك جارك طبق من البرغل عليك قبوله حتى ولو كان خامم"؛ بحسب ما نقل الموقع المحلي.

تقرير موقع "مراسلون" لم يقف عند ذلك الحد؛ بل نقل أيضاً عن مصادره إن دمشق كانت تجد صعوبة في شراء السلع الغذائية بسبب العقوبات المفروضة عليها، مما جعلها تتبع أسلوبا جديدا في مناقصات شراء السكر والأرز والطحين، عن طريق استخدام بنك تنمية الصادرات الإيراني لدفع الثمن، ونتيجة لذلك تم عقد مناقصات من قبل المؤسسة العامة للتجارة الخارجية، لشراء 150 ألف طن من السكر، و50 ألف طن من الأرز، و25 ألف طن من الدقيق وسلع غذائية أخرى، باستخدام خط ائتمان من إيران وتم استيرادها ولكنها أيضاً لم تكن مطابقة للمواصفات.


قد يهمك: هل توافقت القوى الدولية على عزل إيران؟


المواد الفاسدة لم تقتصر على السلع الغذائية، بل امتدت أيضاً لتشمل المواد الداخلة في البناء فكانت صفقة الحديد المنفذة على اتفاقية الخط الائتماني أيضاً، والتي تم إيقافها في ميناء طرطوس بداية الأمر لعدم قدرتها على تحمل الزلازل، ما يعني أنها كانت مخالفة للمواصفات.

الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي قال في حديث لـ "روزنة" أن إيران عملت على تعزيز الخط الائتماني من أجل أهداف بعيدة أيضاً تتجلى في مطامعها تجاه فترة إعادة الإعمار بسوريا واستغلال تدفق الأموال التي ستأتي لسوريا؛ خاصة بعد الحظر الاقتصادي المفروض على إيران.

ولا تقف إيران عند ذلك الحد وفق رأي قضيماتي و إنما تريد أيضاً زيادة خنوع النظام السوري؛ ليكون لها الكلمة الأكبر في سوريا ومقارعة الروس في السيطرة على الأرض السورية، مشيراً إلى أنه " ومن خلال مجموعة الاتفاقيات التي وقعت بين النظام السوري وإيران بداية العام الحالي؛ يتجسد لنا وبشكل واضح بداية تحصيل إيران لثمرة تدخلها بسوريا ودفع المليارات من الدولارات في سبيل بقاء الأسد في السلطة وهذه الاتفاقيات ليست بالشيء الجديد فالكل يدرك المطامع الايرانية في سوريا وأهمها المطامع الاقتصادية".

حينما اشترطت إيران أن تكون السلع المشتراة عبر الخط الائتماني من خلال شركات إيرانية فإنها كانت تطمع من أجل أن تكون القروض ذات فائدة عليها؛ وذلك وفق ما أفاد به الخبير الاقتصادي خالد تركاوي، وتابع بالقول: "أصبح الاستيراد أكبر من إيران في محاولة لفك الحصار عن نفسها؛ ولكن في الواقع أن السوق السورية ضعيفة الحجم، خاصة في ظل الوضع القائم وعدد المهجرين الذي خرج من سوريا".

في نهاية شهر كانون الثاني الماضي، و في خطوة وصفتها دمشق بالتاريخية، وقعت حكومة النظام السوري والسلطات الإيرانية اتفاقا حول التعاون الاقتصادي الاستراتيجي بعيد الأمد بين الجانبين.

رئيس حكومة النظام؛ عماد خميس هو الذي تولى توقيع الاتفاق بينما كان نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، ممثلاً عن الجانب الإيراني، حيث تم إبرام 9 مذكرات تفاهم في مجالات عدة بينها سكك الحديد وبناء المنازل والاستثمار ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال بالإضافة إلى التعليم والثقافة، وفي تصريحات أدلى بها عقب مراسم التوقيع؛ آنذاك، اعتبر خميس أن الاتفاقات التي أبرمتها دمشق مع إيران "دلالة على جدية دمشق بشكل كبير في تقديم التسهيلات للشركات الإيرانية العامة والخاصة للاستثمار وإعادة الإعمار".
 
ولا يمكن اعتبار الاتفاقيات الموقعة بين دمشق و طهران بغير القانونية، فهي مُلزمة بالعرف الدولي بحكم أن النظام السوري عضو في مؤسسات الأمم المتحدة التي تضمن سيادة أعضائها التامة، وبالتالي فإن منح عقود التنقيب والاستخراج للغاز والنفط على الساحل السوري و حتى عقود إعادة الإعمار ومنح آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية وغيرها من اتفاقات سيكون قانونيا.

هل تنجح إيران في تحقيق هدفها التالي؟

تمثل مرحلة إعادة الإعمار في سوريا؛ خطوة مهمة لدى طهران تسعى بشكل حثيث لمداومة نفوذها الاقتصادي في سوريا حتى الوصول إلى تلك المرحلة وهي محافظة على ثقلها المتجذر و الآخذ في التوسع؛ رغم كل التصعيد الإقليمي والدولي الرافض لاستمرار النفوذ الإيراني.

و تسعى طهران على خلق أدوات تساعدها على زيادة توغلها في مناحي الاقتصاد السوري، حيث أعلنت طهران في شهر شباط الماضي عن إبرامها مذكرة تفاهم مع دمشق.
وتقضي مذكرة التفاهم المبرمة في شهر شباط الماضي ببناء طهران لـ مدينة و200 ألف وحدة سكنية؛ على أن يبدأ التنفيذ خلال الشهور المقبلة.

نائب رئيس جمعية المقاولين في طهران؛ ايرج رهبر؛ قال آنذاك أن الأعمال الإنشائية المزمعة ترتكز في العاصمة دمشق، مؤكداً على أن الجانب السوري يرغب بشدة حضور المقاولين الإيرانيين في إعادة إعمار سوريا، وفي السياق ذاته كان نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، قال خلال زيارته لدمشق في كانون الثاني الماضي؛ أن إيران ستقوم ببناء عدة محطات للطاقة في المنطقة في إطار مذكرة التعاون الاقتصادي مع سوريا، يكون أولها في مدينة اللاذقية.
 
 
وتتفق تلك التصريحات فيما أعلنته حكومة النظام نهاية العام الفائت؛ بأن الشركات الإيرانية ستتمتع بالأولوية في إعادة إعمار سوريا خلال المرحلة ما بعد انتهاء الأوضاع في البلاد، وذلك بعدما أكدت وكالة "سانا" أن دمشق تتجه و طهران إلى تعزيز التعاون والعلاقات الاقتصادية بشكل استراتيجي طويل الأمد، بالإضافة إلى توسيع مجالات التعاون الاستثماري بينهما.

وقال آنذاك وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية؛ محمد سامر الخليل، خلال لقائه في طهران مع فعاليات اقتصادية في طهران، "بدأنا نضع يدنا على المشاكل والعوائق التي تقف في طريق تطوير العلاقات بين البلدين ونسعى لحلها".

وأضاف في حينه؛ أن هناك ما سماها "رغبة كبيرة بين الجانبين في تطوير العلاقات وخاصة الاقتصادية"، ودعا إلى "فتح حسابات متبادلة وبنوك مشتركة بين البلدين"، مشيراً إلى "أهمية التعاون بين المصرفين المركزيين لسوريا وإيران وخاصة مع استقبال توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي، التي أبرمها الجانبان"، مشيراً إلى أن الأولوية في إعادة الإعمار في سوريا ستكون للشركات الإيرانية سواء كانت على المستوى الحكومي أو على مستوى القطاع الخاص.

هذا ويشير صندوق النقد الدولي إلى إن تكلفة إعادة الإعمار في سوريا تقارب 400 مليار دولار، ووفقاً لبيانات الصندوق، ستذهب نحو 65 بالمئة من هذا المبلغ إلى قطاع الإسكان.

رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية "أفايب"؛ محمد محسن أبو النور، رأى خلال حديثه لـ "روزنة" أن إيران لن تشارك في إعادة إعمار سوريا بل إنها ستعمل على الاستفادة من الأموال المتدفقة من الخارج لصالح الشركات التابعة لها؛ خاصة وأنها بنت لها قاعدة اقتصادية كبيرة خلال السنوات الأخيرة وتملك استثمارات في مجالات حساسة و حيوية؛ وفق وصفه.

و أضاف بأنه "من المحتمل أن تدر الاستثمارات الإيرانية دخلا كبيرا عليها في مرحلة إعادة الإعمار فيما لو تمت خلال الفترة المقبلة، وكذلك فإن  المطامع الإيرانية لا تتوقف على أن يكون لها دور اقتصادي فقط بل أن يكون لها دور استراتيجي بعيد المدى، لذلك إيران وقعت اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع النظام".

وكانت إيران وقعت اتفاقًا مع النظام السوري بقيمة 400 مليون يورو لإنشاء محطة كهرباء في مدينة اللاذقية، في تشرين الأول الماضي، بينما لفتت تقارير صحفية أميركية شهر آذار الماضي بأنّ طهران تشجع منذ فترة المُطوِّرين العقاريين الإيرانيين البارزين على شراء عقارات في دمشق، مشيرة إلى أن انعدام الاستقرار في سوريا أثنى العديد من المُطوِّرين الإيرانيين عن الاستثمار في "البلد الذي مزَّقته الحرب".

هل تستغل إيران الاقتصاد السوري للتخفيف من أثر العقوبات؟

وبالتوازي مع المسعى الإيراني للمشاركة بشكل رئيسي في إعادة الإعمار؛ تبرز الرغبة الإيرانية في الاستفادة من عملية إعادة الإعمار من أجل تخفيف أثر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

في تشرين الثاني الماضي أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية وشددت عقوبات أخرى على قطاعات النفط والبنوك والنقل الإيرانية؛ بعد أن انسحبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بين طهران والقوى العالمية الست؛ وكانت واشنطن فرض أول جولة من العقوبات على إيران في شهر آب من العام الفائت، وكان الاتفاق أسفر عن رفع معظم العقوبات المالية والاقتصادية على إيران مقابل تحجيم أنشطتها النووية المثيرة للجدل تحت رقابة من الأمم المتحدة.
 
 
وعندما تخلى ترامب عن الاتفاق النووي وعد بفرض "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية" على إيران قائلا إن هذا سيجعلها ترغب في إبرام اتفاق جديد. وأضاف "عندما يريدون ذلك.. فأنا جاهز ومستعد وقادر"، وجاء إعادة فرض العقوبات ضمن مساع أوسع نطاقا من الرئيس الأميركي لإجبار إيران على تحجيم برامجها النووية والصاروخية ودعمها لقوات بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان ومناطق أخرى بالشرق الأوسط.


هل تحمي روسيا النفوذ الإيراني في سوريا من التهديدات الأميركية؟


المسؤولون الإيرانيون يرون أن مزيداً من الاستثمارات في سوريا من شأنها المساهمة في تخفيف الضغط المالي على إيران الناتج عن العقوبات الدولية المفروضة على طهران.

الخبير الاقتصادي و رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا؛ أسامة قاضي، قال في حديث لـ"روزنة" أن تخفيف العقوبات عن إيران لايبدأ بفتح السوق السورية الشحيحة والموضوعة تحت المقاطعة، لافتاً بأن الوجود الإيراني في سوريا يعتبر جزءاً من مشروعها القومي والذي له أبعاد اقتصادية؛ بحسب رأيه.

قاضي اعتبر أنه و ضمن ظروف المقاطعة الحازمة لإيران فإن استغلال الاقتصاد السوري قد ينعش الاقتصاد الايراني بشكل بسيط، إلا أنه أكد أيضاً بأنه لو فيما قُدّر لإيران أن تقوم بإدارة وتشغيل ميناء اللاذقية فإنه سيكون منفذها على البحر المتوسط، وأضاف بقوله "من خلال حوالي ثلاثين اتفاقية موقعة بين طهران و دمشق، فإنه سيسمح  بتنشيط بعض الأعمال في سوريا فيما لو ضمنوا عدم اعتراض الروس على دورهم الاقتصادي، على كلّ عملياً أكثر المشاريع الإيرانية التي هي قيد التنفيذ هي مشاريع عقارية حول دمشق؛ تحمل شبهة التغيير الديموغرافي استكمالاً للمشروع الإيراني في المنطقة".

وكانت دمشق وقعّت في كانون الثاني الماضي اتفاقيات عديدة مع إيران؛ كان منها اتفاق مع وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية، إضافة إلى مذكرة تفاهم بين المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية والخطوط الحديدية الإيرانية.

كما تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال الأشغال العامة والإسكان، وكذلك تضمنت الاتفاقيات مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الترويج للاستثمار بين هيئة الاستثمار السورية، ومنظمة الاستثمار والمساعدات الفنية والاقتصادية الإيرانية، إضافة إلى مذكرة تفاهم في مجال الجيوماتيك بين الهيئة العامة للاستشعار عن بعد في سوريا ومنظمة الجغرافيا في إيران، إضافة لإعطاء ايران خمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية ورخصة تشغيل الهاتف المحمول وخمسة آلاف هكتار لإنشاء المستودعات والمحطات النفطية، وتدلل كل هذه الاتفاقيات أنها ستلعب دوراً جزئياً في تنشيط الاقتصاد الإيراني.

المحلل الاقتصادي والمستشار المالي؛ يونس الكريم، قال في حديث لـ "روزنة" أن من أوجه فرض النفوذ الاقتصادي كان قد تمثل من خلال كسب إيران لورقة المطاحن في سوريا منذ عام 2012 والتي كانت تمتلكها تركيا سابقا حتى عام 2011، إلا أن روسيا شاركتها لاحقا، بحسب تعبير الكريم.

وأضاف: "ثم سعت إيران للسيطرة على الفوسفات و الإسمنت إلا أن روسيا عادت أيضا وسيطرت على هذه القطاعات (بنسبة كبيرة)، ثم كان هناك قطاع الطاقة حيث سعت إيران لتأمين وصول أنبوب نقل النفط الذي يمر ببغداد وتسعى للوصول إلى الساحل السوري و إلى لبنان أيضاً".

الكريم نوه إلى استفادة إيران من النظام على الصعيد الاقتصادي بأمور رئيسية ولكن لمدة محدودة؛ مشيراً إلى "بيع النفط الإيراني بأسعار عالية للنظام لاستغلال حاجته لذلك، وكذلك كانت جميع القروض الائتمانية التي حصل عليها النظام من إيران كانت لشراء السلع من إيران؛ على الرغم من جودتها المنخفضة"، موضحاً أن دمشق تستفيد من أي عقوبة اقتصادية على إيران؛ على اعتبار أن سوريا تصبح المنفذ الوحيد لتصريف البضائع؛ لذلك رأى أنه كلما ازدادت العقوبات الاقتصادية على إيران كلما استطاع النظام الحصول على قروض ائتمانية وتسهيلات اقتصادية من الجانب الإيراني.

وأردف: "النظام كان يرغب بالحصول على أموال إيرانية في سوريا لخلق استثمارات؛ فضلا عن السعي للحصول على قروض مالية كبيرة، ولكن بعد العقوبات والعجز المالي وانخفاض العملة الإيرانية أصبح النظام يعتقد بأن وجود مصرف إيراني في السوق السورية لن يكسبه أي امتيازات؛ بل انما سيكون له دور سلبي مع واقع المصارف السورية المتهالكة".

وحول الاستثمار الإيراني في قطاع الإسكان السوري؛ اعتبر الكريم أن منح حيز كبير من قبل النظام لطهران يأتي لإراحة النظام بشكل نسبي من مصاعب قطاع الإسكان و رميه على الجانب الإيراني، ووفق تقديراته فإن الايرانيين وافقوا على هذا الأمر فقط من أجل تأسيس حاضنة شعبية بين الطبقة المتوسطة وما دونها لدى السوريين؛ لأن بناء هذه الوحدات السكنية أمر غير استثماري و غير مربح؛ بحسب وصفه، ذلك على اعتبار أن الاستثمار في قطاع الإسكان طويل الأجل وتوجد به مخاطرة عالية متعلقة بتغير سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، فالوحدات السكنية ستباع بالليرة السورية وعلى المدى الطويل.

رجال أعمال سوريون واجهة لإيران؟

بعد أن فرضت كل من الولايات المتحدة و دول في الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية مشددة على كيانات اقتصادية سورية منذ عام 2012 شملت في بعضها رجال أعمال محسوبين على النظام ومقربين من إيران؛ باتت الحاجة ماسة إلى تصدير شخصيات جديدة لم تشملها العقوبات الاقتصادية قُدّر لها أن تتسيد المشهد الاقتصادي في سوريا.

ما يثير التساؤل حول ما إذا كانت تلك الشخصيات يمثلون مرحلة جديدة صنعها النظام لمواجهة العقوبات الاقتصادية التي تلاحقه من الدول الغربية، أم أنهم فعلاً باتوا واجهة لإيران في سوريا، ليمنحهم ذلك قوة و نفوذ كونهم واجهات لأعمال إيران الاقتصادية سواء في هذه المرحلة أو المرحلة القادمة.


قد يهمك: عقدة تركيّة تسعى إيران لحلها عبر دمشق!


رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا؛ أسامة قاضي، قال في حديثه لـ"روزنة" أن الالتفاف على العقوبات الاقتصادية تحتاج لشخصيات تكون بمثابة واجهة "تعمل بأجر مرتفع"؛ وذلك لقاء تغطيتها على الأسماء الحقيقية للعاملين على تبييض الأموال، وذكر في سياق مواز بأن البرجوازية الوطنية السورية قد أصابها العطب والتشظي منذ عصر الوحدة والتأميم؛ واستمرت في ذلك على طول حكم أكثر من خمسة عقود من تدمير البنية الوطنية للبرجوازية التقليدية، مما سمح لظهور طبقة برجو-أمنية أو برجو-عسكرية تملكت رؤوس أموال "السحت" التي جنتها بسبب إساءة استخدام السلطة، وعبر قنوات الفساد فوق القانونية.

ومن خلال ذلك سادت تلك الطبقة التي تستعين بشخصيات مهمتها أن تكون "واجهات" لنشاط اقتصادي؛ فباتت بمثابة طبقة طفيلية دخيلة على المجتمع الصناعي والتجاري، تفرض نفسها بسطوة أمنية وعسكرية و التي هي مصدر سطوتها، وتشكل حالة اقتصادية غير وطنية عابرة للقانون.
 
 
و أضاف قاضي؛ بأن "تلك الواجهات تصدرت الشركات القابضة السورية منذ عام 2000 زمن تولي الأسد الابن، حيث كان لها دور وظيفي تقوم به، ويتم استبدالها بمجرد انتهاء مهمتها، وانكشافها، وخاصة فيما لو وضعت تحت العقوبات الاقتصادية، فما يلبث المجتمع السوري ليسمع بشخصيات-واجهات جديدة، مهمتها تشكيل بورجوازية مشوهة محمية بقوة الأمن، من أمثال حمشو والقاطرجي وغيرهم كثير، وتعددت الأسماء وجهة الفساد - المتسلطة أمنيا وعسكريا - واحدة".

إلا أنه اعتبر في الوقت ذاته بأن إيران لا تحتاج واجهات لممارسة عملها داخل سوريا، فهي توقع اتفاقيات بين حكومتها وحكومة النظام علنا وعلى رؤوس الأشهاد، وهي تقطف بذلك ثمرة وقوفها مع النظام واستيفاء لديونها المترتبة على الخزينة الفارغة السورية، مرجحاً بأن تلك الواجهات المالية يحتاجها النظام السوري للالتفاف على العقوبات الاقتصادية، لكن سرعان ما تقوم وسائل الإعلام باكتشاف دورهم الوهمي  و تتموضع أسمائهم على لوائح العقوبات.


اقرأ أيضاً: باحث أميركي لـ "روزنة": الضغط الأقصى على إيران يُقرّب المواجهة الكارثية


الباحث الاقتصادي؛ خالد تركاوي، كان له رأيا مغايرا؛ مشيراً إلى أنه و بعد تدخل روسيا في سوريا باتت إيران تعمل على ربط نفسها بسوريا عن طريق شراكات مع مستثمرين محليين؛ هم في الأصل كان منهم قادة مجموعات مقاتلة إلى جانب النظام؛ و كانت إيران تمولهم؛ ليتحولوا بعد ذلك لمستثمرين ولديهم مصانع ومعامل ومطاعم وفنادق داخل سوريا.

وأضاف حول ذلك: "رجال الأعمال السوريين الذين يشاع أنهم واجهة لإيران هذا صحيح من جانب وهناك بعض الأشخاص الذين هم بالاصل قادة مجموعات وتحولوا لمستثمرين، أو بالأصل كانوا مستثمرين قبل عام 2011 مثل سامر فوز؛ وأمثال فوز استفادوا من خروج رجال أعمال سوريين واشتروا استثماراتهم"، معتبرا أن رجل الأعمال داخل سوريا لا يمكن أن يوطد علاقاته إلا من خلال أن يعمل إما مع الجانب الروسي أو الإيراني أو مع طرف محلي من داخل النظام.

من جانبه اعتبر المحلل الاقتصادي؛ يونس الكريم أنه وخلال سنوات الحرب السورية قد تم تغيير في بنية رجال الأعمال التابعين للنظام والمحسوبين على التيار الإيراني، حيث كانوا قد اختفوا وحل مكانهم شخصيات جديدة؛ وفق وصفه.
 
 
و يُذكّر الكريم أن رجال الأعمال من التيار الإيراني؛ كان النظام قد عمل على إضعافهم قبل الثورة بين عامي  2009 و2011، حينما اختفوا من الساحة الاقتصادية أمثال؛ عثمان العائدي وصائب نحاس، وهم الذين كانوا من أهم رجال الأعمال آنذاك المحسوبين على إيران، مشيرا إلى أنه و بعد ازدياد التدخل الروسي في سوريا نهاية عام 2015؛ رأت طهران أن اختفاء رجال أعمال كانوا صلة وصل اقتصادية بينهم وبين دمشق؛ كان له أثر سلبي على استراتيجيتهم فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ومع اختفاء رجال الأعمال في تلك الفترة؛ فقد كان لزاماً تصدير رجال أعمال للمرحلة الجديدة؛ وهو ما رأته طهران أنه خطوة جيدة كان عليها أيضا أن تستغلها.

وكان وفد من رجال الأعمال السوريين؛ زاروا إيران في تشرين الأول الماضي؛ لحضور ملتقى رجال الأعمال بين البلدين لتحسين العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وبحسب ما ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية، أن الوفد السوري المكون من 50 رجل أعمال، عقد اجتماعًا في غرفة التجارة بطهران مع اقتصاديين إيرانيين.

و قالت آنذاك صحيفة "تشرين" المحلية؛ إن أمين السر العام لاتحاد غرف التجارة السورية، محمد حمشو، وقع مع أمين السر العام لغرفة تجارة طهران، بهمن عشقي، مذكرة تفاهم للتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات التجارية والاستثمارية والاقتصادية والإنتاجية.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق