في مسافة لا يتعدى نطاقها الـ 2 كيلو متر داخل مدينة حلب؛ تختلف الأجواء المعيشية لهذا اليوم على سكان بعض الأحياء الغربية لمدينة حلب، فتلك الأحياء التي تقع بالقرب من نقاط وقف الاقتتال ما بين المعارضة والسلطة في غرب المدينة يعيش سكانها على اختلاف أماكن إقامتهم أجواء مغايرة تماما عن جيرانهم؛ ما بين إكمال صوم رمضان وما بين الإعلان عن دخول عيد الفطر في اليوم ذاته.
ففي حي "حلب الجديدة" الذي يخضع في غالبية مناطقه إلى سيطرة سلطة النظام ما يزال صيام شهر رمضان مستمرا لديهم حتى مغرب شمس اليوم الثلاثاء، وفي المقابل فإن منطقة "بنيامين" المنطقة الملاصقة تماما للحي بل أنها تتبع له أيضاً؛ أعلن فيها مساء أمس الإثنين إكمال عدة شهر رمضان إيذانا بدخول أيام عيد الفطر لهذا اليوم.
الأمر لم يقتصر فقط على منطقة "بنيامين" التابعة إداريا لحي "حلب الجديدة"، فأحياء "الراشدين" و "جمعية الزهراء" التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية باتت هي أيضاً مشمولة بقرار "الحكومة المؤقتة" المعارضة وإعلان المجلس الإسلامي السوري بأن اليوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر، وذلك على خلاف ما التزمت به باقي أحياء مدينة حلب التي تسيطر عليها سلطة النظام السوري.
وفي الوقت الذي أعلن فيه المجلس الإسلامي السوري التابع للمعارضة أن اليوم هو أول أيام عيد الفطر في سوريا، نقلت وكالة الأنباء المحلية "سانا" عن القاضي الشرعي بدمشق قوله إن اليوم الثلاثاء هو المكمل لشهر رمضان ويوم الأربعاء هو أول أيام عيد الفطر، من جهتها أعلنت "الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف المعارض، وحكومة الإنقاذ في إدلب أن اليوم الثلاثاء هو أول أيام العيد.

هي سابقة تحدث للمرة الأولى في سوريا باختلاف إتمام صوم شهر رمضان بين مناطق ومحافظات داخل البلاد؛ حيث كان السوريون يُفطرون ويعلنون عيدهم في وقت واحد طيلة السنوات الثمانية الماضية.
حيث دخل عيد الفطر في هذا اليوم كل من محافظة إدلب ومناطق في ريف حلب، فضلا عن بعض مناطق أرياف اللاذقية و حماة، بينما أتم رمضان يومه الثلاثين في المناطق التي تسيطر عليها سلطة النظام؛ و مناطق الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا.
الأمر قد لا يعد نادر الحدوث في المنطقة العربية؛ فلطالما كانت تختلف مواعيد الصيام وإعلان عيد الفطر بين دول عربية مختلفة لاختلاف مكانها الجغرافي ما يؤدي لاختلاف في رؤية ورصد هلال شوال، و أما أن يكون إتمام الصيام أو دخول شهر شوال في يوم واحد فقد كان مرده دائماً لخلافات مذهبية في بلدان مثل العراق ولبنان واليمن.
ما الذي اختلف في سوريا لهذا العام؟
و أما في سوريا فلا يرجع الأمر لخلافات مذهبية بقدر ما هو بالأساس اختلافات تقديرية في جواز إتمام الصيام من عدمه، فالمجلس الإسلامي السوري برر إعلانه مساء أمس بدخول شهر شوال؛ أن ذلك جاء "نظراً لاعتماد دخول شهر شوال في الأقطار المجاورة لسوريا شمالاً كتركيا، وجنوباً كالسعودية وما جاورها، فقد قررت الهيئات المجاورة لسوريا دخول شهر شوال هذه الليلة، وأن يوم الثلاثاء أول أيام عيد الفطر لهذا العام".
المجلس الإسلامي السوري أرجع إعلانه بخصوص عيد الفطر لدولة مجاورة (تركيا شمالاً) التي أعلنت دخول شهر شوال لديها، وهذا الأمر قد يكون مبرراً لو كان البلدين فعلاً يتبعان لنفس الاتجاه الذي يحددان من خلاله دخول شهر رمضان أو شوال، إلا أن تركيا كانت دائماً تتبع الفلك وحساباته لتحديد مواعيد الصيام والإفطار، وهذا ما يختلف عن سوريا التي ما تزال تتبع الرؤية الشرعية لتحديد دخول هذه المواقيت.
في حلب... مستخدم في مدرسة يتحرّش بطالبة ويهدّدها بالسكين
كذلك فإن بيان المجلس الإسلامي قد اعتمد على دولة مجاورة لسوريا جنوباً وهي السعودية؛ لكن يبدو أنه قد فاته بأن الأردن هي الدولة الجار لسوريا والأقرب جغرافياً من السعودية، وهي التي حددت أيضاً أن اليوم الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان على أن يكون يوم غد الأربعاء هو أول أيام عيد الفطر.
و لا يمكن إرجاع هذا الاختلاف الحاصل داخل سوريا لأسباب سياسية بحتة فقط؛ على قدر ما يكون سببه الرئيسي يتعلق بضعف أو سوء في التقدير، بخاصة بعد اللغط الذي أثير في دول عربية عدة مساء أمس بين من لم يعترف بإعلان إتمام شهر رمضان؛ كالذي حصل في فلسطين من قبل بعض الفئات سواء في مدينتي القدس أوالخليل، وبين من تأخر في الإعلان حتى أولى ساعات صباح اليوم في ليبيا بحكومتيها المتنازعتين.

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية بعد ظهر اليوم؛ أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، منعت صباح اليوم الثلاثاء، إقامة صلاة عيد الفطر في أحد مساجد مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، نظمها حزب التحرير الاسلامي (المحظور في معظم الدول العربية).
وقالت الوكالة إن المئات من أنصار حزب التحرير شرعوا بترديد تكبيرات عيد الفطر في مسجد الأبرار في الخليل، وقبل إقامة الصلاة حاصرت أجهزة الأمن الفلسطينية المسجد وفرقت الجموع.
بينما أعلنت ليبيا اليوم الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر، وذلك بعد ساعات من إعلانها بأنه الأربعاء، حيث جاء ذلك في بيانين منفصلين نشرتهما، دار الإفتاء التابعة للحكومة المؤقتة بالبيضاء؛ والهيئة العامة للأوقاف التابعة لحكومة الوفاق في ساعة متأخرة.
وجاء إعلان التغيير بعد ساعات من الإعلان بأن الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان وأن أول أيام العيد سيكون يوم الأربعاء؛ وذلك بعد تعذر رؤية هلال شوال.
ما أسباب اختلاف مواقيت العيد؟
الاختصاصي في الفيزياء الفلكية؛ د.عمار السكجي (نائب رئيس الجمعية الفلكية الأردنية)، قال في حديثه لـ "روزنة" أن الحسابات الفلكية لكل المنطقة (العربية والإسلامية) لا يختلف عليها أحد بأن هلال شهر شوال من الاستحالة رؤيته يوم أمس الإثنين.
وأضاف السكجي بأن "العلم يقول أن الاقتران المركزي حصل يوم الاثنين الساعة الواحدة بعد الظهر والدقيقة الواحدة بتوقيت دمشق وهذه حالة تحصل في كل العالم، والاقتران هو أن يكون مركز الأرض و مركز القمر ومركز الشمس على استقامة واحدة؛ وهذه حالة عالمية".

ولفت إلى اتجاهين في تحديد مثل هذه المواعيد؛ أولها يقوم على الحسابات الفلكية ويطلق عليه (حساب الشهر القمري) حيث يراقب هذا الاتجاه متى يكون الاقتران المركزي؛ ليكون اليوم اللاحق هو بداية الشهر الجديد مثل تركيا وبعض الدول الأخرى التي تعتمد هذا الاتجاه؛ وهذا لا يختلف عليه الفلكيين لأنه دقيق جداً.
أما الاتجاه الثاني وهو الذي يعتمد الرؤية لأسباب شرعية، والجهات التي تعتمد على هذا الاتجاه لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تكون رأت الهلال في المنطقة العربية كلها يوم أمس الاثنين؛ وفق حديث السكجي.
واعتبر السكجي أن الاختلاف في تحديد مواعيد رؤية هلال شوال تتعلق بالرؤية وليس بالحساب الفلكي، فالأمر على الصعيد الفلكي بحسب رأيه متوافق عليه بين كل الفلكيين؛ بينما يأتي أمر الاختلاف فيما يتعلق بمجال "حساب إمكانيات الرؤية".
وأوضح ذلك بأن: "غروب الشمس يوم الإثنين كان يسبق غروب القمر بحوالي أربعة دقائق، بينما سبقهم الاقتران المركزي بحوالي ست ساعات ونصف؛ وهو يعني عمر القمر، وبهكذا توقيت يستحيل رؤية القمر سواء من خلال التلسكوب أو من خلال العين المجردة؛ في المنطقة العربية والإسلامية وحتى أوروبا، ولا يمكن لأي شخص أن يقول أنه رأى الهلال يوم الاثنين؛ لأن القضية محسومة علميا".
قد يهمك: لماذا تبرز الاختلافات في صوم رمضان بين السُنّة والشِيعة؟
وأردف بالقول: "كل علماء الفلك والفيزياء يؤكدون أن الهلال لا يمكن رؤيته في المنطقتين العربية والإسلامية، فلا يجوز الرمي بكل الحسابات الفلكية الناتجة عن مراصد فلكية عالمية مقابل أحد الأشخاص الذي قال أنه رأى الهلال وهي حالة فريدة بالأساس؛ هو قد يكون أنه لم يدعي لكنه أيضا في المقابل قد يكون شخص غير محترف أو جاهل، فأي شهادة لأشخاص أكدوا رؤيتهم للهلال تتناقض مع جمهور علماء الفلك والفيزياء الذين أكدوا أنه لا يمكن رؤية الهلال في هذا اليوم".
واستغرب المختص في الفيزياء الفلكي أن تكون دولتان متجاورتان ويختلف فيهما القرار حول إتمام صيام شهر رمضان مؤكدا عدم إمكانية حدوث ذلك لهذا العام.

وتابع: "هذا قد يحدث في حالات ولكن ليس بمثل حالة يوم أمس، وهذه الحالات النادرة تكون باختلاف مواقع الدول ففي دولة قد يكون من الصعوبة أن يرى فيها الهلال بينما قد يختلف ذلك في دولة، فاختلاف مطالع الهلال يختلف بحسب موقع الدول على سطح كوكب الأرض، و أما في حالة يوم أمس فأنا أؤكد استحالة رؤية هلال العيد وهذا ما يخالف بعض الدول العربية التي أعلنت أن اليوم هو العيد".
وكانت المحكمة العليا في السعودية قد قررت مساء أمس أنّ الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر، كما أعلنت كل من الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة ثبوت رؤية هلال العيد، بينما تعذر رؤية الهلال في عدد من الدول الأخرى كالأردن ومصر وفلسطين و عُمان والمغرب.
الكلمات المفتاحية