على مر العقود الماضية عملت العديد من الأنظمة السياسية في المنطقة العربية على التوظيف السياسي للدين، بغرض تشكيل استراتيجية تنبني على احتواء المجال الديني وتوظيفه، سعيا في بناء مشروعيتها السياسية ومواجهة خصومهم.
وكحال تلك الأنظمة كان النظام السوري منذ استلام الأسد الأب لمقاليد السلطة في سوريا، توظيف الدين ركن أساسي في عملية تجديد مشروعيته وتحصين استمراريته، بحيث صدر نفسه ناظما لكل جوانب الحياة معتمدا على ثقل أساسي عبر الجانب الديني.
صياغة العقل الجمعي هو المنطقة المشتركة ما بين الدين والسياسة وهي المشترك في الشأن الإجتماعي الذي يتنازع عليه كل من الديني والسياسي.
ووفق الباحث و المفكر الإسلامي؛ د.علاء الدين آل رشي خلال حديثه لـ "راديو روزنة" فإن السياسي يستطيع من خلال الإملاء أن يتحكم بالحواس الخارجية والتحركات السلوكية الظاهرة، بينما الديني (من خلال الدين) يستطيع أن يتحكم بالمشاعر فيستطيع أن يسبغ على المشاعر الداخلية والعقل الباطن رضا، حيث تستطيع إملاءات السياسي مهما كانت قاصرة بتحالفه مع وعاظ السلاطين وشرائح مجتمعية عديدة بأن يحول الأوامر القسرية أو الإكراهية إلى شيء من الرضا.

وتابع بأن "السياسي يعتقد باستطاعته هو نفسه أن يبذر الوعي، وهو نفسه يستطيع أن يحافظ على حرية الشعب وثقافته، وأحيانا يرى نفسه بأنه هو الرب وإن لم يصرح فهو يستطيع تحديد مواقيت الصلوات ومواقيت العبادات وشعائرها، لأن السلطة المطلقة تدخل في كل شيء حتى الدين يتم تأميمه وتحويله إلى جزء من ملاك الدولة، فيصبح هو جزء من المصادرات التي تصادرها الدولة؛ وبالتالي يرى الحاكم نفسه أنه هو الذي يمتلك الدين ويستطيع زرع الوعي في الناس".
اقرأ أيضاً: تعرّف على مقدار الزكاة الواجبة في سوريا وبلدان اللجوء
ولفت آل رشي إلى أن النظام أراد أن يؤطر الدين ضمن مقولة أن الدين هو ما ارتضاه الحاكم، ليكون ذلك من خلال تشكيل إطار مفرغ للدين، فرمضان يتحول من شعيرة ترك إلى شعيرة طاعة للحاكم، وفق قوله.
وأضاف: "هناك برمجة دقيقة جدا للطقوس التي تؤدى في مجتمعنا؛ تبدأ بأن هناك مسجد تابع لرعاية السلطة يحدد ما ينبغي أن يسمعه الفرد فالمنشد هو جزء من السلطة والتوقيت والأداء والمقدس هو من ملاك السلطة، لذا فإن الفرد أصبح جهازا متلقيا لما تمليه عليه السلطة من مفاهيم الدين".
واعتبر المفكر الإسلامي أن الدين بات أسلوب يخضع تماما لـ "عصا السلطان" فالمزاج الديني للفرد يبدأ منذ السحور من خلال الأنشودة والمعلومة التي تقدمها السلطة الرسمية والتي بالأصل هي سلطة لم تأتي عبر صناديق الاقتراع، وتساءل: "ما الذي يجعل تلك السلطة التي هي بالأصل لا تحتفي بالدين، تُمرر هذه الأوقات بطريقة تظهر وكأنها مواكبة ومحترمة للدين".
وتابع في هذا السياق: "رمضان هو عفة الجوارح، ومن عفة الجوارح أن ترفض السلطة المتسيدة بالإكراه، ومن عفة الجوارح أن تكون صادقا والصدق يكون بأن لا يتم مبايعة الرأس السياسي الذي تسيد بالغش والدم، كل هذه الأمور يتم تغييبها تماما في رمضان لحساب آية وحديث ومدح الرئيس؛ والذي سيكون في نهاية رمضان من خلال إعطائه الشرعية أنه هو الذي رعى هذا الشهر؛ وهو الذي قدم هذا الشهر من خلال حقل إعلامي مؤطر".
قد يهمك: لماذا تبرز الاختلافات في صوم رمضان بين السُنّة والشِيعة؟
و رأى آل رشي بأن رمضان تحول إلى فم يقبل يد السلطة من خلال ذائقة معرفية دينية، لا تخدم جروح الناس وإنما تخدر عقولهم، وأضاف وفق اعتباره أن ذلك يتم من خلال "تحويل الدين إلى مضامين فارغة لا يمكن أن ترتقي إلى مضامين الدين الحقيقية، ومن خلال تقديم برامج نوعية حتى وإن كانت تتحدث عن الدين؛ فهي تتحدث عن الدين بطريقة كان وكنا، وليس بطريقة ما نحن عليه وما ينبغي أن نكون عليه".

وكل ذلك أرجعه إلى أن السياسة الفاسدة للنظام هي سياسة جبانة مترهلة تعتمد على العقل النائم، والذي يكون قوامه على طريقة اختراع رجل ديني يقاتل من أجل مسألة مغيبة عن الواقع، وتابع "ارتبط العقل الجمعي برمضان في أناشيد المسجد و بعادات شعبية، لكن لم يقال بأن من كذب أو غش في رمضان فقد أفطر، فلماذا لا تسوق لنا السلطة السياسية هذه المعاني في رمضان، ذلك لأنها في الأصل تخدش مشروعيتها".
وختم الباحث والمفكر الإسلامي د.علاء الدين آل رشي حديثه لـ "روزنة" بالقول: "السلطة استطاعت أن تجعل من رمضان استعادة لشرعيتها، فماذا يعني أن يحضر كبار رجال الدين والفعاليات الاقتصادية على مائدة إفطار رمضان عند رئيس السلطة وماذا يعني مأدبة رمضان، ماذا يعني أن الحاكم الذي يقتل شعبه ويرحل نصفه، وأكثر من ٥٠٠ ألف منهم مغيب، ثم يأتي ليجمع الناس على تلك المأدبة، فهذا كله من أجل إقامة حكم فاسد على معاني فاسدة، فجعلو رمضان سوقا للتفاهات وسوقا لتبرير الحاكم الطاغية".
الكلمات المفتاحية