كما هو الحال في كل عام تصر بعض شركات الإنتاج الدرامي السورية؛ على إقحام أعمال ما بات تعرف مؤخرا بـ مسلسلات "البيئة الشامية" في الموسم الدرامي الرمضاني.
تلك الأعمال التي لاقت نسب مشاهدة عالية في سنوات خلت حينما كانت تقدم مستويات فنية مقبولة بالتوازي مع انتاجات تحترم الجمهور وسط انتشار الدراما السورية على الساحة الدرامية العربية، كـ مسلسلات "أيام شامية"، "الخوالي"، "ليالي الصالحية"، "الحصرم الشامي".
إلا أنه ومنذ انطلاق سلسلة "باب الحارة" بأجزائه التسع حتى العام الفائت؛ و إنتاج جزء جديد في هذا الموسم، عمدت شركات الإنتاج إلى استسهال تقديم محتوى درامي لا يرقى لقوة الدراما السورية وحضورها.
و رغم ظهور قلة من الأعمال الجيدة المحسوبة على تلك الفئة خلال السنوات الفائتة؛ إلا أن المشاهد بات في كل موسم درامي على موعد مع إنتاجات هزيلة الشكل والمضمون ابتداء بالنص إلى الإخراج وانتهاء بضعف وركاكة التمثيل؛ على الرغم من مشاركة نجوم سوريين من الوزن الثقيل في أغلب تلك الأعمال.
ويمكن القول أن دراما هذه البيئة أصبح منتجوها يستغلون بعض الأسماء اللامعة لحاجات مادية بحتة؛ فضلا عن استسهال الوصول لبعض القنوات العربية من باب القيمة الفنية والفكرية المتدنية والاعتبار بأنها تحاكي تاريخ يجذب الجمهور العربي من خلال اللهجة الشامية السلسة والمحببة عند شرائح كثيرة من جمهور الدراما؛ وذلك بعد ريادة الدراما السورية على صعيد المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين.
اقرأ أيضاً: بعد استمرار نجاح "الهيبة" كاتب العمل يتحدث لـ "روزنة" عن التأثير الحاسم للجمهور
و نشهد في هذا الموسم تقديم عدة أعمال محسوبة على هذه الفئة؛ كان منها "سلاسل دهب"، "حرملك"، "عطر الشام"، "باب الحارة" بجزئه العاشر، وكحال كل موسم يصعب على الجمهور التمييز بين أعمال البيئة الشامية حيث لا جديد فيها ولا فائدة، لتتشابه في مضمونها الفارغ "إن جاز التعبير"، فضلا عن الاستعراضات والصراخ في أغلب هذه الأعمال.

فبعد تدني مستوى المتابعة لـ مسلسل "سلاسل دهب" إثر انتقادات متوقعة لهكذا أعمال؛ كانت صفحات درامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي نقلت انتقادات مفادها بأن هذا العمل منسوخ عن مسلسل "وردة شامية" الذي عرض العام الفائت؛ وحاز على متابعة جماهيرية مقبولة.
وإلى جانب "سلاسل دهب" يأتي مسلسل "حرملك" الذي يعتبره بعض المتابعين هو نسخة معربة ومقلدة عن المسلسل التركي التاريخي "حريم السلطان"، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول مدى أهمية العمل وجدية صناعه في تقديم عمل تاريخي يحترم عقل المشاهد وفكره.
من المسؤول عن الإساءة للدراما السورية؟
الكاتب والسيناريست السوري؛ محمد ماشطة قال خلال حديث لـ "راديو روزنة" أن أعمال "البيئة الشامية" درجت فيها العادة على امتطاء الآخرين لهذا اللفظ بكل جرأة؛ واصفا بأن بعض كُتّاب تلك الأعمال بـ "الجهلة، و شبه الأميين".
وأضاف: "رغم علم القنوات وشركات الإنتاج بهذه المعلومات نجدهم مقبلين على إنتاج أعمالهم (الشامية) بكثافة مما بات يشعرني بأن لدى أصحاب القرار الرغبة باستقطاب هؤلاء الجهلة بغية تحقيق الهدف المتمثل بضرب ثقافة وتاريخ وعراقة دمشق".
السيناريست السوري أشار خلال حديثه إلى أن دراما البيئة الشامية يفترض أنها أعمال ترصد حقباً زمنية صارت في ملاك التاريخ ولم تعد ملكاً للجهلة الذين كتبوا معظمها وما زالوا يكتبونها؛ وفق قوله.

وأردف: "لا يكفي أن تكون إبن دمشق القديمة وتعمل (حلونجي أو بياع خضرة) قبل أن تصبح مؤلفاً، لتتجرأ على المساس بالتاريخ وفق مرويات جدتك المصابة بالألزهايمر؛ ثم تنتظر من الجمهور بعدها أن ينبهر بإبداعك الوضيع الممتهن لكافة الأخلاقيات المهنية والتاريخية والبيئة".
إلا أن ماشطة لفت في الوقت ذاته إلى وجود العديد من أعمال البيئة التاريخية كان رصدها كُتّاب محترمون، وثقوها تاريخيا وتعبوا في سبيل كتابة أعمالهم التي راقت لجمهور الدراما، لتكون أعمالاً ناجحة تحاكي الشروط الموضوعية العلمية والتاريخية.
وتابع حديثه: "لا أعرف جنساً أدبياً أو فنياً، يحظى بكمية الكره والسخرية والقرف التي يثيرها لدى جمهورنا السوري مصطلح (أعمال شامية)، يكفي أن نقوم بجولة على مواقع التواصل الإجتماعي، وعلى مواد الصحافة اليومية؛ لنقرأ كمية القرف التي يبديها السوريون تجاه هذا المصطلح".
قد يهمك: مؤلف "مقامات العشق" لـ "روزنة": العمل محاولة لنفض الغبار عن أدمغتنا و قلوبنا
واستغرب ماشطة خلال حديثه لـ "روزنة" من صُنّاع تلك الأعمال الذين استطال الوهم بهم إلى أن أصبحوا مقتنعين بأنهم ينجزون أعمالاً فخمة تدعو للفخر؛ رغم علمهم بما جنتهم أيديهم بحق شعب كامل له تاريخ عريق بالحضارة والإبداع؛ بحسب تعبيره.
و أضاف: "أعرف أن أغلب العاملين في هذه الجريمة البشعة هم من المحتاجين للعمل وأقصد هنا الفنيين وبعض الفنانين المغمورين، وأبرر لهم عملهم بها تحت وطأة الحاجة، لكني لن أحترم نجماً ثري، أو مخرج محترم ومكتفي مادياً، أو كاتباً يحرص على إسمه الأدبي وغير محتاج للمال، بأنهم سقطوا في هكذا مستنقع آسن".

وختم بالقول: "المشكلة أن الكثيرين لدى سماعهم كلامي سيجزمون بأني حاقد، غيور، كاتب فاشل يقودني الحسد لقول ما أقوله لأنني لم أحظَ بالفوز بعقد كتابة عمل بيئة شامية، يا أخي أقسم بالله لن أكتب هكذا عمل ولو بلغت أجوره نصف مليون دولار، فارتاحوا ولا تتهموني أرجوكم".
يذكر أن الكاتب والسيناريست السوري؛ محمد ماشطة، يعكف حالياً على إنجاز سيناريو فيلمه السينمائي الروائي الطويل بعنوان (ليس للعطر ظل) والذي ستقوم بإنتاجه شركة سويدية ألمانية كون العمل يروي جوانب تخص هاتين الدولتين، ويخلق جدلاً واسعاً (مسيحي مسيحي) بين البروتستانت والكاثوليك، ومسيحي إسلامي لجهة استعراض فكر مارتن لوثر و خلافه الكبير مع الكنيسة البابوية ورسائله الـ 95 التي أرسلها للبابا بُعيد انشقاقه عن كنيسته ونشوء الكنيسة اللوثرية (البروتستانتية).
ومن المعروف أن لوثر عاصر الدولة العثمانية (الإسلامية) إبان ذروة قوتها في عهد السلطان سليمان القانوني الذي كان يحاصر فيينا حينها، و يفترض الفيلم تتابعاً فكريا للوثر فيما لو بقي حياً، ويفعل الشيء نفسه مع شخصية ألفرد نوبل مخترع الديناميت الذي قيل أنه في آخر حياته ندم على فعلته هذه.
بينما يروي الفيلم أن نوبل لم يندم، بل هو يطالب بالتخلص من الديناميت الفكري الذي نحمله مغلفاً بإيديولوجيات عنفية قمعية، الفيلم يبدأ برصد لاجئة سورية في السويد، تعمل على فيلمها الجديد، الذي يخوض في هذه المسارات عبر دراسة متأنية لحقبة تاريخية خطرة وصعبة، تتضمن إثنين من أعظم عمالقة أوروبا، لوثر ونوبل.
الكلمات المفتاحية