بعد أربعة أيام من إعلان روسيا الهدنة في مناطق من أرياف إدلب وحماة؛ لا يزال الصمت المترقب لما تحمله قادم الأيام من تطورات ميدانية يحبس الأنفاس.
حيث أن إعلان وسائل إعلام روسية للهدنة في إدلب أشار إلى أن الهدنة لن تتجاوز الـ 3 أيام، إلا أن واقع الحال لا يؤشر بأن روسيا ومن وراءها دمشق ليس باستطاعتهم الاستمرار في تصعيدهم العسكري مجدداً.
مصادر خاصة كشفت لـ "راديو روزنة" عن اتفاق غير معلن حصلت عليه روسيا مع جهات إقليمية ودولية يتيح لها التقدم ميدانياً في منطقة إدلب لمساحة لا تزيد عن الـ 10 كم، إلا أن دمشق تخطت المساحة المتفق عليها ما وضع موسكو في مأزق؛ ما دفعها لإعلان الهدنة والتهدئة كإجراء أولي لتخفيف الضغوط عليها.
الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير؛ النقيب ناجي المصطفى، كان أشار في تصريحات مطلع الأسبوع الجاري إلى أن جميع فصائل المعارضة المسلحة اشترطت للقبول بالهدنة انسحاب قوات النظام من كافة المناطق التي سيطرت عليها في ريف حماة (أهمها كفرنبودة و قلعة المضيق) خلال الحملة العسكرية الأخيرة.
واعتبر المصطفى أن روسيا تخطط للسيطرة على كامل الشمال السوري عبر اتباع سياسة قضم المنطقة تلو الأخرى، وتلجأ للهدن للحد من الخسائر التي تتلقاها في الميدان.
اقرأ أيضاً: لماذا أوقفت روسيا الهجوم على إدلب خلال اليومين الماضيين؟
تركيا من جانبها كانت أرسلت وحدات من القوات الخاصة إلى حدود محافظة إدلب؛ يوم السبت الفائت، وتضمنت التعزيزات العسكرية في حينه وحدات من القوات الخاصة انطلقت من عدد من الثكنات العسكرية في عموم تركيا، ووصلت إلى قضاء "قيريق خان" بولاية هطاي جنوبي البلاد، ونقلت وكالة الأناضول التركية عن مصادر عسكرية قولها أن التعزيزات ستنتقل إلى وحدات الجيش التركي المنتشرة على الحدود مع سوريا.
ماذا يدور بين روسيا و تركيا؟
الكاتب والمحلل السياسي التركي؛ طه عودة أوغلو، أشار في حديث لـ "راديو روزنة" إلى أن الإتصالات الأخيرة بين الرئيسين التركي والروسي بشأن وقف العمليات العسكرية في محافظة إدلب؛ أثارت الكثير من علامات الإستفهام؛ خاصة و أن هذه الإتصالات سبقتها تحركات تصعيدية من جانب النظام السوري وحلفائه على نحو عزز الاعتقاد لدى الكثير من المتابعين للشأن السوري بأن العمليات العسكرية باتت وشيكة خاصة في ضوء فشل مفاوضات أستانا الأخيرة.

وتابع: "لكن بدا واضحا بأن الموقف الروسي أخذ يتماشى بشكل أكثر وضوحا مع رؤية النظام باعتماد الحل العسكري في إدلب، لكن في المقابل الروس يرون بأن أي عملية عسكرية في إدلب ستكون كلفتها باهظة دون تفاهم مع تركيا".
واستدرك عودة أوغلو بالقول: "لاحظنا بأن روسيا خلال الأسابيع الماضية عملت على مسارين الأول: الضغط على تركيا ميدانيا في إدلب، والثاني: لجأت إلى المناورة في ملف تل رفعت؛ على سبيل المثال تعطي الضوء الأخضر لتركيا حينا ثم ما تلبث أن تقوم بإغلاق المجال الجوي أمامها".
من جانبه اعتبر الباحث في الشأن السوري طالب الدغيم؛ خلال حديثه لـ "راديو روزنة" أن الهدنة التي أعلنت مؤخراً لم تأتي باتفاق أو رغبة روسية أو من النظام السوري بناء على حسن نية، معتبراً أنها جاءت نتيجة "الهجمات النوعية التي نفذتها كتائب المقاومة الثورية "جبهة تحرير الشام" و"الجيش الوطني" وغيرها على مواقع (القوات التابعة) الروسية في ريف حماة الشمالي والتي أدت لمقتل أكثر من 250 وجرح 700 من عناصرها". وفق قوله.

وأضاف: "المعركة الأخيرة ترتبط بمستقبل المنطقة، فقد اختلفت التحالفات بين اليوم والأمس ونجد اليوم نقمة روسية على عودة تركيا للحوار مع واشنطن؛ وتسهيل انتقال المقاتلين السوريين من درع الفرات وغصن الزيتون وتزويدهم بالسلاح النوعي الذي سيغير تفاصيل المعادلة وله تأثير على المستقبل، فهو من جهة جعل الثوار في موقع الهجوم مع انهيار معنويات قوات النظام؛ وبنفس الوقت أقصى دور هيئة تحرير الشام التي تعتبر مشاركتها في هذه المعركة مجرد تسهيل عبور المقاتلين وكأنها شرطي مرور إلى حد ما ".
ولفت الدغيم بحسب رأيه أن هذا التغير الحاصل في الميدان سيكون له تأثير على وجود جسم "هيئة تحرير الشام" وسيعيد الأمور لمرحلة قد تندمج فيها كل القوى الثورية على الأرض بما فيها التيارات المعتدلة في "هيئة تحرير الشام" في الجيش الوطني الذي ترعاه تركيا؛ وفق تعبيره.
ما مستقبل التفاهمات التركية الروسية؟
الدغيم استبعد استمرار التفاهمات الروسية التركية؛ على اعتبار أن الروس خرقوا اتفاقات أستانا وسهلوا لقوات النظام السيطرة على مناطق كانت عازلة وتحت رعاية الدولتين، فضلاً عن التواصل الأميركي التركي بشأن منطقة شرقي الفرات وإشراك تركيا في إدارتها وتأجيل الأتراك لاستلام صفقة صواريخ إس-400 الدفاعية الروسية.
كما رأى الدغيم أن النظام السوري لا يستطيع أن يصعد ميدانياً إلا بغطاء جوي فضائي روسي؛ في الوقت الذي ستحاول فيه روسيا التواصل مع الأتراك لتهدئة الوضع؛ وذلك منعاً من التدخل الأميركي وتحطيم آمال موسكو التي علقتها على الاتفاق الثلاثي في أستانا.
وأردف حول ذلك: "روسيا ترى أن إيران محاصرة دولياً وستضطر لو قصدت واشنطن إلى الخروج من سوريا عسكرياً، وها هي تركيا تعود للتفاهم مع الولايات المتحدة، فبالتالي الوضع الميداني يزداد تعقيداً مع عودة الصراع والاستقطاب الدولي".
قد يهمك: عقدة تركيّة تسعى إيران لحلها عبر دمشق!
من جانبه رأى المحلل السياسي التركي أن التقارب التركي الأميركي وتأكيد المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري الاتفاق مع تركيا حول تفاصيل تلك المنطقة؛ وكذلك تلويحه بتحرك بلاده في حال استمر الهجوم الروسي على إدلب، اعتبر أن كل تلك المعطيات ساهمت في اتساع الفجوة بين أنقرة وموسكو.
ما رأى أنه بدا واضحا من خلال الرسائل المتبادلة على الأرض؛ إذ تم استهداف نقاط المراقبة التركية المنتشرة في إدلب منذ بدأ الهجوم أكثر من ثلاث مرات ما أدى لسقوط جرحى بين الجنود الأتراك.
وختم عودة أوغلو حديثه لـ "روزنة" بالتأكيد أن "كل هذه الأمور لا تعني بأن أنقرة قطعت خطوط التواصل مع موسكو، بل على العكس فتركيا تدرك تماما بأن روسيا لاعب أساسي ومهم في الملف السوري؛ ولا يمكن تأمين المصالح هناك إلا من خلال العمل معها، وفي المحصلة يبدو أن ملف إدلب تنتظره أيام صعبة والواضح أن مصير إدلب سيكون مرتبطا بسير العلاقات بين البلدين خلال المرحلة القادمة".
وكانت الدول الضامنة لمسار أستانا (تركيا وروسيا وإيران) أعلنت توصلها إلى اتفاق على إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب، وفقًا لاتفاق موقع في أيار 2017، وفي إطار الاتفاق، تم إدراج إدلب ومحيطها (شمال غرب)، ضمن "منطقة خفض التصعيد"، إلى جانب أجزاء محددة من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وعلى خلفية انتهاك وقف إطلاق النار من قبل دمشق، توصلت تركيا وروسيا لاتفاق إضافي بشأن المنطقة ذاتها، بمدينة سوتشي، في 17 أيلول 2018، ورغم اتفاق سوتشي، واصل النظام السوري، هجماته على المنطقة، حيث ازدادت كثافتها منذ الاجتماع الـ12 للدول الضامنة في العاصمة الكازاخية (نور سلطان)، أواخر شهر نيسان الفائت.
الكلمات المفتاحية