بالرغم من إلغاء زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى موسكو والتي كانت مقررة ضمن جدول زيارته إلى روسيا، إلا أن زيارة بومبيو التي اقتصرت على مدينة سوتشي فقط؛ كانت كافية جداً لاستقراء رسائل عدة من الاجتماعات التي أجراها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف؛ فضلا عن لقائه أيضاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
التصريحات الصحفية التي عقبت تلك الاجتماعات يوم الأربعاء؛ لم تشر بطبيعة الحال إلى انفراج حقيقي في العلاقات المتوترة بين واشنطن وموسكو، ولكنها في الوقت نفسه تشي بالكثير حول بدء مسار مختلف عن طبيعة العلاقات الحالية؛ ما قد يعني بأي حال من الأحوال أن أوراق عديدة سيتم مقايضتها بين الجانبين.
و ما يؤكد هذا الانطباع هو ما صرح به الرئيس الروسي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره النمساوي؛ بعد مغادرة بومبيو، حينما أكد بوتين بأن روسيا ليست فرقة إطفاء لذا فإنها لن تكون قادرة على إنقاذ كل شيء، خاصة ما لا يعتمد على إرادتها بالكامل؛ وذلك في إشارة إلى إيران وما يتعلق بشكل أساسي في الاتفاق النووي، إلا أن ذلك يندرج تحته العديد من القضايا المتعلقة بإيران وليس فقط بالملف النووي.
ويوحي هذا التصريح بأن ما دار بين بوتين وبومبيو أكبر من أنها زيارة لتلطيف الأجواء واستشراف طبيعة العلاقات المشتركة؛ بل أنها تشي بفقدان إيران للدعم الروسي لها في المحافل الدولية فضلا عن تأييد خروجها بالأخص من سوريا في ظل تفاهمات بارزة بين موسكو وتل أبيب.
بوتين كان نصح إيران بعدم الخروج من الاتفاق النووي مهما كانت الظروف، لأن الجميع سينسون لاحقا أن واشنطن هي من انسحبت أولا وسيتهمون طهران، وقال بوتين خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء: "لقد قلت مرارا في محادثات مع شركائنا الإيرانيين، إنه برأيي، الأحرى بإيران أن تبقى، رغم أي شيء، في هذه الاتفاقية".
وأضاف الرئيس قائلا: "بمجرد أن تتخذ إيران الخطوات الأولى للرد، ستعلن الانسحاب، سينسى الجميع في اليوم التالي أن الولايات المتحدة كانت هي أصلا من بادر بتخريب الاتفاق، وسيتم إلقاء اللوم على إيران حتى يتم دفع الرأي العام العالمي عن قصد في هذا الاتجاه".
اقرأ أيضاً: باحث أميركي لـ "روزنة": الضغط الأقصى على إيران يُقرّب المواجهة الكارثية
وكانت إيران أعلنت تعليق بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، ردا على انسحاب الولايات المتحدة عام 2018.ومنحت طهران مهلة مدتها 60 يوما للموقعين الأوروبيين (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) للتفاوض حول تنفيذ الاتفاق في المرحلة الحالية ومصيره مستقبلا.
كل هذه المعطيات تؤدي لخلط الأوراق فيما يتعلق بخارطة النفوذ على الساحة السوري؛ وذلك في ظل التوتر المتصاعد بين واشنطن و طهران، بخاصة بعد أن عززت واشنطن من حضورها في منطقة الخليج مؤخرا.
هل تُضحي روسيا بـ إيران؟
المحلل السياسي والباحث المختص في الشأن الإيراني؛ حسن راضي، قال في حديث لـ "راديو روزنة" أن روسيا وبحكم بطبيعة مصالحها الكبيرة فإنه لا يمكن أن تضحي بها من أجل إيران؛ و إنما ستضع مصالحها فوق أي اعتبار؛ وحتى فوق تحالفها وصداقتها مع إيران؛ وفق قوله.
وأضاف: "أعتقد أن إيران أصبحت عبء على المجتمع الدولي وعلى المنطقة، ولا يمكن الدفاع عنها ولا الوقوف بجانبها؛ بسبب سياساتها التوسعية وخروجها عن الميثاق الأممي وعدم احترامه".
واعتبر في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة بما تمتلكه من أوراق كثيرة وملفات كبيرة فإنه يمكن لها مقايضتها مع روسيا من أجل الضغط على طهران وإخراجها من سوريا؛ مضيفاً بأنه وبعد ذلك بالاستطاعة القول أن الأمور ستتجه نحو العمل السياسي في سوريا.
وتابع في هذا السياق: "بعد أن استطاعت روسيا السيطرة على معظم الأراضي السورية؛ فإنها الآن لن تكون بحاجة إلى إيران؛ أو حتى لن تريد أن تكون إيران منافسا لها بالعملية السياسية أو في الاستثمار الاقتصادي و إعادة بناء سوريا، لذلك هي تريد ان تتخلص من هذا التواجد".
من جانبه اعتبر اندريه اونتيكوف، المحلل السياسي الروسي والمتخصص بشؤون الشرق الأوسط، في حديث لـ "راديو روزنة" بأن روسيا بذلت كل الجهود المتاحة للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران؛ وهي التي كانت طرفا فيه بالإضافة إلى الصين والدول الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي انسحب منها ترامب العام الفائت.
وتابع: "المشكلة حاليا في الدول الاوروبية والتي تتعرض لضغوط قوية من قبل الولايات المتحدة لكي تنسحب من الاتفاقية أو على الأقل أن تتضامن مع الولايات المتحدة بخصوص إيران، وتصريحات بوتين هي رسالة للدول الأوروبية وهي كذلك تحذيرية لإيران، ولكن لا تصل لدرجة أن تتخلى روسيا عن إيران"، ورأى اونتيكوف أن روسيا لن تتخلى عن ايران لأن المسألة أكبر من الاتفاقية النووية وكذلك أيضا أكبر من التواجد الإيراني في سوريا.

ولفت إلى مسألتين استراتيجيتين بالنسبة لروسيا ترتبط بدعمها لإيران؛ أولها يتعلق بأن موسكو تدرك تماما بأن الضغوطات التي تتعرض لها إيران حاليا من قبل واشنطن هي من أجل تغيير النظام في إيران؛ بغض النظر عن كل التصريحات الأميركية بأن واشنطن تنوي فقط تغيير سلوك النظام الإيراني في المنطقة؛ وفق قوله.
وأضاف: "هذا يعني بالنسبة لروسيا أنها ستشاهد بعد ذلك الاسطول الحربي الأميركي في بحر قزوين، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا وهذا سيشكل خطرا على الأمن القومي الروسي".
اونتيكوف استشهد بعدة أدلة تشير إلى عمق العلاقات والتعاون بين روسيا و إيران، حيث أشار إلى تقوية التعاون بين موسكو وطهران؛ حينما تم توقيع اتفاق التجارة الحرة ما بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وكذلك هناك بدء التبادل التجاري في العملات الوطنية الروسية والايرانية والتخلي عن الدولار الأميركي، فضلا عن سعي روسيا لأن تبيع النفط الإيراني في دول اخرى؛ من أجل تجاوز العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
قد يهمك: كيف ستعمل روسيا على إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا؟
وأردف بالقول: "إذاً هناك تطوير في التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين، ولا يوجد أي مؤشر عن تخلي موسكو عن طهران بالعكس موسكو مهتمة بالحفاظ على العلاقات مع إيران".
كذلك أشار اونتيكوف إلى مسألة استراتيجية ثانية بالنسبة لاهتمام روسيا بإيران تتعلق بالسياسة الروسية على الساحة الدولية؛ والتي تتركز على الانتقال من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب.
هل هناك صفقة روسية-أميركية حول إيران؟
المحلل السياسي والباحث المختص في الشأن الإيراني؛ حسن راضي، قال في حديث لـ "راديو روزنة"، أن الولايات المتحدة عازمة على عزل إيران وطردها من المنطقة وفرض شروط مذلة على النظام الإيراني، وفق ما يعرف بالشروط الأميركية الـ 12 و التي تتشكل من أربعة محاور.
والتي تدور حول محور الصواريخ البالستية، ومحور الملف النووي، ومحور سياسات إيران في المنطقة، ومحور سياسات إيران الإرهابية؛ وفق قول راضي، معللا ذلك بفرض العقوبات الأميركية على إيران، فضلا عن أن واشنطن جلبت الكثير من قدراتها العسكرية إلى المنطقة من أجل الضغط على طهران، واعتبر أن زيارات المسؤولين الأميركيين إلى موسكو ودول المنطقة والعديد من الدول الأوروبية؛ يأتي من أجل إقناع تلك الدول بضرورة التخلي عن إيران.
كما نوه بأن الولايات المتحدة لها قدرة تأثير كبيرة على الأطراف الدولية، وأن بإمكان واشنطن وفق رأيه بأن تقدم بعض المصالح لتلك الدول بما فيها روسيا؛ حتى تتخلى عن إيران في سوريا وفي مناطق اخرى.
اقرأ أيضاً: هل اتفق روحاني و الأسد على مواجهة إسرائيل؟
وختم بالقول: "اعتقد أن الأمور تتجه نحو وضع إيران في زاوية ضيقة جدا؛ فإما أن تلتزم بتعهداتها وتقبل بالشروط الأميركية؛ و إما أن تُوجه لها ضربة تأديبية تنهي كل مصادر التهديد التي تلوح إيران باستخدامها".
من ناحيته لفت اونتيكوف إلى الأحاديث التي سبقت زيارة بومبيو إلى سوتشي؛ حيث كانت تشير تلك الأحاديث حول أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قد تتوصلان إلى صفقة كبيرة؛ بحسب تعبيره.
وأضاف: "رغم كل ذلك الحديث لم يتم ذكر أن إيران ستكون ضمن هذه الصفقة، إنما كان هناك حديث عن فنزويلا مقابل أوكرانيا؛ ولكن لم تكن إيران لها علاقة بهذه الصفقة، و صحيح أن هناك رؤى مختلفة بين إيران وروسيا حول التطورات في الملف السوري، ولكن هذا أمر طبيعي".
الكلمات المفتاحية