لماذا تبرز الاختلافات في صوم رمضان بين السُنّة والشِيعة؟

لماذا تبرز الاختلافات في صوم رمضان بين السُنّة والشِيعة؟
الأخبار العاجلة | 17 مايو 2019

بات من الطبيعي عند بداية شهر رمضان ونهايته؛ أن يظهر الاختلاف بشكل دائم بين مذهبي الإسلام السني و الشيعي، فقلما تطابق بدء شهر الصيام عند المذهبين في اليوم نفسه خلال العقود الماضية، بل إنما لابد من التخالف في يوم واحد؛ بين من يصوم منهما قبل الآخر بيوم واحد، أو أن يعلن رؤية هلال عيد الفطر مسبقا أو مقدما عن الطرف الآخر.

الاختلاف لم يقف عند ذلك فقط؛ بل يصل أيضا إلى الاختلاف في وقت الإفطار، لتذهب أقوال عدة بأن المرجعيات الشيعية يستندون على مخالفتهم لجموع المسلمين من خلال فتاوى عديدة أكدت على وجوب المخالفة.

إلا أنه و بحسب حديث أحد المراجع الشيعية المناقضة لتلك الأقاويل؛ وهو جعفر العاملي؛ الذي أوضح في مداخلة له عبر مركز "الإشعاع الإسلامي"، حيث قال في مسألة تأخير الإفطار في رمضان لدى الشيعة؛ بأن المسلمون السُنة يبادرون إلى الإفطار بمجرد رؤيتهم للشمس وقد غربت، بينما يؤخر الشيعة إفطارهم عن هذا الوقت مقدار 12 دقيقة، أي إلى حين إقبال الليل من جهة المشرق ، وذلك بذهاب أو ارتفاع الحمرة المشرقية.

ويرى علماء الشيعة "الجعفرية" أن الإفطار يأتي بعد اختفاء الشفق الأحمر، في حين يرى علماء السنة أن يبدأ إفطاره عند غروب قرص الشمس، فإذا غرب قرص الشمس جاز الإفطار، لتكون المسألة عبارة عن اجتهادات بينية.


وحول مسألة رؤية الهلال، كان العاملي أشار إلى أن الخلاف فيها ليس أساسياً، وإنما هو في المجال التطبيقي وحسب، بمعنى أن كلاً من السنة و الشيعة يؤمنون بأن الأحكام منوطة برواية لزوم رؤية الهلال بالبصر ليلة الأول من شوال، فإن ثبت لهم رؤيته بالبينة الشرعية، جاز لهم ترتيب الأحكام المنوطة بدخول الشهر، وإن لم يثبت لهم فلابد من الحكم ببقاء شعبان أو شهر رمضان ؛ ثم إكمال عدة الصيام إلى ثلاثين يوماً.

الكاتب والمفكر الإسلامي د.علاء الدين آل رشي، قال في حديث لـ "راديو روزنة" أن الرؤى في الأصول الاعتقادية والتشريعية متوافقة ومتطابقة بالأصل بين السنة والشيعة، إلا أن الاجتهادات الفرعية والبينية والاختلافات ذات الطابع السياسي هي من أوصلت إلى الشقاق والتكفير في أحيان أخرى بين الطرفين.

واعتبر أن مسألة دخول رمضان هي أكبر من علاقة بينية بين السنة والشيعة، مضيفاً بأنه "لو أعدنا الأمر إلى ما قاله الرسول "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، نرى أن الكثير للأسف يصر وليس فقط من السنة والشيعة وإنما من داخل كل صف منهم بتوجهاتهم المتعددة و آرائهم الاجتهادية؛ على أن قول الرسول هو مرهون بفكرة الرؤية البصرية".


اقرأ أيضاً: خطاب طائفي وسط دمشق..خوف من المجهول


ولفت آل رشي إلى وجود اجتهادات منطقية لدى بعض من سماهم بـ "عقلاء السنة والشيعة"، أمثال العلامة محمد حسين فضل الله، والشيخ مصطفى الزرقا، حيث قالوا أن الرؤية لا تشترط بالرؤية البصرية المجردة بالعين، وإنما أيضا الرؤية بالحساب الفلكي فهي تقوم مقام العين وأكثر من العين أيضا ثباتا و رسوخا، وعلق آل رشي على ذلك بالقول: "إذاً فالأمر يخضع لمجال التفسير لدخول رمضان من حيث المعنى الاستدلالي لقول الرسول".


وتابع: "لكن لو ابتعدنا أيضا عن جانب الاجتهادات، فاليوم هناك فاعل سياسي يضرب الجميع بالجميع؛ بمعنى هناك نوع تقزيم للشعائر الإسلامية وتحويلها من شعائر تحريكية للشأن العام؛ إلى طقوس استرخائية عدم توافقية على أي شيء، فحتى العبادات تحولت من عامل تجميع المسلمين؛ إلى عامل تفريق كلمة المسلمين، وكل ذلك بسبب الفاعل السياسي".

ودلل على ذلك بما قد يحصل بين بلد لها صلة مضطربة ببلد أخرى؛ ما يدعوها لأن تصر بأن يكون دخول رمضان مرهون بمخالفة تلك البلد؛ و هكذا يلعب الفاعل السياسي، وفق تعبيره؛ لافتا إلى وجود حالة من التمزيق الخطير لعدم استقرار الشعوب على رأي معين؛ من حيث دخول رمضان ولا حتى من حيث القبول بالحساب الفلكي ولا من حيث ايضا الإفطار الجماعي.

وتابع في هذا السياق "أنا أقيم في أوروبا وللأسف فقد وصل الأمر إلى أن يخضع الافطار إلى مزاج من يدير المساجد سواء جماعات أو سلطات تابعة للحكومات، هذا الأمر مقرف جدا، كل جماعة تفطر في وقت مختلف عن جماعة أخرى وكذلك الامر في وقت الإمساك وفي وقت دخول رمضان".  

آل رشي اعتبر أن الخلاف السني الشيعي في موضوع دخول رمضان هو خلاف طبيعي نتيجة التباين في الرؤى الاجتهادية لكن الفاعل السياسي من الممكن أن يوظف الجهل المتبادل؛ فضلا عن اصطفافات حاصلة ضيعت سماحة الإسلام بين الفريقين، وجعلتهم عوضا عن ان يجتمعوا على عدو واحد لا يفرق بين مذاهبهم وإنما يريد ابتزازهم و تركيعهم؛ بحسب وصفه.

وأردف: "للأسف هم يفكرون بحساب نصرة المذهب على حساب نصرة الدين، فالمشكلة هنا فيها شيء من الجهل الذاتي من المسلمين أنفسهم سواء كانوا سنة أو شيعة، وهناك أيضا تلاعب من الفاعل السياسي بغية ضرب أي اجتماع".

وأضاف: "أرجو أن يبدأ التلاقي بإعادة تأهيل العقل المسلم والتلاقي على القضايا الكبرى؛ ومنها اعادة الشعائر إلى مكانها الصحيح وإلى علاقتها الصحيحة بتوحيد كلمة المسلمين، لا بد أن نرتقي بوعينا الذاتي؛ لأنه إن بقينا كذلك فأرى أن الأمور تسير نحو الدمار الذاتي".
 
وختم آل رشي حديثه مستشهدا بطبيعة العلاقات قبل وصول البعث إلى السلطة في سوريا والعمل على تحويل الشيعة إلى مذهب سياسي؛ حيث قال" كان عندنا اخوة شيعة دمشق؛ قبل البعث أن يحول الشيعة إلى مذهب سياسي أو إلى طائفة أمنية لدى البعض منهم، كنا نراهم يصومون معنا ولا يخالفوننا ولا نخالفهم، فالفاعل السياسي هو من يقوم بابتزاز كل الأطراف".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق